للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا أَدَّى الْأَلْفَ عَتَقَ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ أُخْرَى بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ الْأَلْفَيْنِ جَمِيعًا بَدَلَ الْكِتَابَةِ لَجَازَ وَلَوْ جَعَلَهُمَا جَمِيعًا بَعْدَ الْعِتْقِ لَجَازَ، كَذَا إذَا جَعَلَ الْبَعْضَ قَبْلَ الْعِتْقِ وَالْبَعْضَ بَعْدَهُ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ.

وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ يَعْنِي عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُكَاتَبُ أَحَقَّ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ وَلَا يَدْخُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ رِبًا، كَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ، إذَا بَاعَ عَبْدَهُ مَعَ مَالِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَمَالُ الْعَبْدِ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ يُقَابِلُ الْأَلْفَ فَيَبْقَى الْعَبْدُ زِيَادَةً فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَا يُقَابِلُهَا عِوَضٌ فَيَكُونَ رِبًا وَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا هَهُنَا؛ لِأَنَّ الرِّبَا لَا يَجْرِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ.

هَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ مَالُ الْعَبْدِ مَا يَحْصُلُ بَعْدَ الْعَقْدَ بِتِجَارَتِهِ أَوْ بِقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْسَبُ إلَى الْعَبْدِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا كَانَ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى فِي يَدِ الْعَبْدِ وَقْتَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنْسَبُ إلَى الْعَبْدِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْأَرْشُ وَالْعُقْرُ، وَإِنْ حَصَلَا بَعْدَ الْعَقْدِ يَكُنْ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَى الْعَبْدِ بِخِلَافِ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ رِبًا؛ لِأَنَّ مُرَادَ مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يَجْرِي الرِّبَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ فِيمَا لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ مُطْلَقَةٍ، وَالْكِتَابَةُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَلَيْسَتْ بِمُعَاوَضَةٍ مُطْلَقَةٍ، وَجَرَيَانُ الرِّبَا يَخْتَصُّ بِالْمُعَاوَضَاتِ الْمُطْلَقَةِ بِخِلَافِ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مُعَاوَضَةٌ مُطْلَقَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ كَسْبِ الْمُكَاتَبِ فَهُوَ الْفَرْقُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمَوْلَى: كَانَ هَذَا قَبْلَ عَقْدِ الْمُكَاتَبَةِ، وَقَالَ الْمُكَاتَبُ: كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ فِي يَدِهِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ.

وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ: كَاتِبْنِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أُعْطِيَهَا مِنْ مَالِ فُلَانٍ فَكَاتَبَهُ عَلَى ذَلِكَ جَازَتْ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ، وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ لَا تُبْطِلُ الْكِتَابَةَ إذَا لَمْ تَكُنْ دَاخِلَةً فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، فَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ أَوْ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ بِالْخِيَارِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ جَازَ؛ لِأَنَّ دَلَائِلَ جَوَازِ الْكِتَابَةِ لَا تُوجِبُ الْفَصْلَ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَى شَرْطِ الْخِيَارِ فِي الْمُكَاتَبَةِ كَمَا تَدْعُو إلَيْهِ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ الْحَاجَةُ إلَى التَّأَمُّلِ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ كَالْبَيْعِ فَإِنْ قِيلَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ اسْتِحْسَانٌ عِنْدَكُمْ فَلَا يَجُوزُ قِيَاسُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَى مَوْضِعِ الِاسْتِحْسَانِ بِشَرْطِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِحْسَانِ مَعْقُولَ الْمَعْنَى، وَيَكُونَ مِثْلُ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَوْجُودًا فِي مَوْضِعِ الْقِيَاسِ، وَقَدْ وُجِدَ هَهُنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ أَبْطَلَ خِيَارَهُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ جَازَ كَالْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُبْطِلْ حَتَّى مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ يَتَمَكَّنْ الْفَسَادُ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ قَلَّتْ الْمُدَّةُ أَوْ كَثُرَتْ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً مِنْ شَهْرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَيْعِ.

[فَصْلٌ فِي بَيَان مَا يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَمَا لَا يَمْلِكُهُ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَمَا لَا يَمْلِكُهُ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ بِقَلِيلِ الثَّمَنِ وَكَثِيرِهِ وَبِأَيِّ جِنْسٍ كَانَ وَبِالنَّقْدِ وَبِالنَّسِيئَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ وَبِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَبِالنَّقْدِ لَا بِالنَّسِيئَةِ؛ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ.

وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ مِنْ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَكَاسِبِهِ وَمَنَافِعِهِ كَالْحُرِّ فَكَانَ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ، فَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ مَوْلَاهُ وَشِرَاؤُهُ مِنْهُ كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَى مِنْ مَوْلَاهُ مُرَابَحَةً إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ، وَكَذَلِكَ الْمَوْلَى فِيمَا اشْتَرَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ بَيْعُ أَمَانَةٍ فَيَجِبُ صِيَانَتُهُ عَنْ الْخِيَانَةِ وَشُبْهَةِ الْخِيَانَةِ مَا أَمْكَنَ، وَكَسْبُ الْمُكَاتَبِ مَالَ الْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ فَيَجِبُ أَنْ يُبَيِّنَ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشُّبْهَةُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ مَوْلَاهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الْمُكَاتَبَةِ صَارَ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمُطْلَقَةِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا، وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ وَسِيلَةٌ إلَى الِاكْتِسَابِ، وَالْمُكَاتَبُ مَأْذُونٌ فِي الِاكْتِسَابِ فَإِنْ لَحِقَهُ دَيْنٌ بِيعَ فِيهِ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ قَدْ صَحَّ فَصَحَّتْ اسْتِدَانَتُهُ فَيُبَاعُ فِيهِ كَمَا فِي عَبْدِ الْحُرِّ، وَلَهُ أَنْ يَحُطَّ شَيْئًا بَعْدَ الْبَيْعِ لِعَيْبٍ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ أَوْ يَزِيدَ فِي ثَمَنِ شَيْءٍ قَدْ اشْتَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْكِتَابَةِ صَارَ مَأْذُونًا بِالتِّجَارَةِ وَهَذَا مِنْ عَمَلِ التِّجَارَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحُطَّ بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>