الْبَيْعِ بِغَيْرِ عَيْبٍ وَلَوْ فَعَلَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّبَرُّعِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا اشْتَرَى بِالْعَيْبِ إذَا لَمْ يَرْضَ بِهِ سَوَاءٌ اشْتَرَى مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ مِنْ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِكَسْبِهِ مِنْ مَوْلَاهُ فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَهُ الشُّفْعَةُ فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّ أَمْلَاكَهُمَا مُتَمَيِّزَةٌ وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا مِنْ صَاحِبِهِ فَصَارَا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ.
وَلَا تَجُوزُ هِبَةُ الْمُكَاتَبِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، وَلَا إعْتَاقُهُ، سَوَاءٌ عَجَزَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ عَتَقَ وَتَرَكَ وَفَاءً؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ تَبَرُّعٌ، وَكَسْبُ الْمُكَاتَبِ لَا يَحْتَمِلُ التَّبَرُّعَ.
وَحُكِيَ عَنْ ابْن أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ قَالَ: عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ مَوْقُوفَانِ فَإِنْ عَتَقَ يَوْمًا مَضَى ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَجَعَ مَمْلُوكًا بَطَلَ ذَلِكَ وَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّ حَالَ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفٌ بَيْنَ أَنْ يَعْتِقَ وَبَيْنَ أَنْ يَعْجِزَ فَكَذَا حَالُ عِتْقِهِ وَهِبَتِهِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَقْدَ عِنْدَنَا إنَّمَا يَتَوَقَّفُ إذَا كَانَ لَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ، وَهَهُنَا لَا مُجِيزَ لِعِتْقِهِ حَالَ وُقُوعِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ، فَإِذَا وَهَبَ هِبَةً أَوْ تَصَدَّقَ ثُمَّ عَتَقَ رُدَّتْ إلَيْهِ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ حَيْثُ كَانَتْ؛ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ وُقُوعِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِعْتَاقُ بِغَيْرِ بَدَلٍ أَوْ بِبَدَلٍ، أَمَّا بِغَيْرِ بَدَلٍ فَلِمَا قُلْنَا.
وَأَمَّا بِبَدَلٍ فَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ بِبَدَلٍ لَيْسَ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْقَبُولِ، وَيَبْقَى الْبَدَلُ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ، وَلَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ كَمَا لَا يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَصِحُّ، وَكَذَا إذَا قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعْلِيقٌ وَلَيْسَ بِمُكَاتَبَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ.
وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدًا مِنْ أَكْسَابِهِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُفْضِي إلَى الْعِتْقِ فَلَا يَجُوزُ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ نَوْعُ اكْتِسَابِ الْمَالِ، وَالْمُكَاتَبُ يَمْلِكُ اكْتِسَابَ الْمَالِ، وَلِهَذَا مَلَكَ الْبَيْعَ وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِاكْتِسَابِ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكْتَسِبَ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ لَا يَكُونُ لَهُ بَلْ يَكُونُ لِلْعَبْدِ؟ وَإِنَّمَا الْمُكَاتَبُ لَهُ دَيْنٌ تَعَلَّقَ بِذِمَّةِ الْمُفْلِسِ فَكَانَ ذَلِكَ إعْتَاقًا بِغَيْرِ بَدَلٍ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَفِي الْمُكَاتَبَةِ الْمَكْسَبُ يَكُونُ لِلْمُكَاتَبِ فَلَمْ يَكُنْ إعْتَاقًا بِغَيْرِ بَدَلٍ فَافْتَرَقَا.
وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ، الْإِعْتَاقَ وَلَوْ اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ مَوْلَاهُ لَا يَعْتِقُ عَلَى مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ هَذَا كَسْبُ الْمُكَاتَبِ، وَالْمَوْلَى لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ أَكْسَابِهِ صَرِيحًا لَا يَعْتِقُ فَبِالشِّرَاءِ أَوْلَى فَإِنْ أَدَّى الْأَعْلَى أَوَّلًا عَتَقَ وَثَبَتَ وَلَاؤُهُ مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ مِنْهُ، فَإِذَا أَدَّى الْأَسْفَلُ بَعْدَ ذَلِكَ يَثْبُتُ وَلَاؤُهُ مِنْ الْأَعْلَى لِأَنَّهُ بِالْعِتْقِ صَارَ مِنْ أَهْلِ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ مِنْهُ وَإِنْ أَدَّى الْأَسْفَلُ أَوَّلًا يَعْتِقْ وَيَثْبُتْ وَلَاؤُهُ مِنْ الْمَوْلَى وَلَا يَثْبُتُ مِنْ الْأَعْلَى لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ، فَإِنْ عَتَقَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ الْوَلَاءُ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ مَتَى ثَبَتَ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ بِحَالٍ وَإِنْ أَدَّيَا جَمِيعًا مَعًا ثَبَتَ وَلَاؤُهُمَا مَعًا مِنْ الْمَوْلَى.
وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُكَاتِبَ وَلَدَهُ وَلَا وَالِدَهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ إلَّا أُمَّ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَعْتِقُونَ بِعِتْقِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ عِتْقُهُمْ عِتْقَهُ، وَلِأَنَّهُمْ قَدْ دَخَلُوا فِي كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَاتَبُوا ثَانِيًا، بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ.
وَلَا يَمْلِكُ التَّصَدُّقَ إلَّا بِشَيْءٍ يَسِيرٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ فَقِيرًا دِرْهَمًا وَلَا أَنْ يَكْسُوهُ ثَوْبًا، وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ إلَّا بِشَيْءٍ قَلِيلٍ مِنْ الْمَأْكُولِ وَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ إلَى الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلُ التُّجَّارِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سَلْمَانَ ﵁ أَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَانَ مُكَاتَبًا فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَكَذَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ» وَلِأَنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إلَى أَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ يَجْذِبُ قُلُوبَ النَّاسِ فَيَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْإِهْدَاءِ إلَيْهِ فَيُمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ.
وَيَمْلِكُ الْإِجَارَةَ وَالْإِعَارَةَ وَالْإِيدَاعَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مِنْ التِّجَارَةِ وَلِهَذَا مَلَكَهَا الْمَأْذُونُ بِالتِّجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْإِيدَاعِ مِنْ عَمَلِ التُّجَّارِ وَضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ.
وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ تَبَرُّعٌ بِابْتِدَائِهِ، وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ أَيْ لَا يَطِيبُ لِلْمُسْتَقْرِضِ أَكْلُهُ، لَا أَنْ لَا يَمْلِكَهُ الْمُسْتَقْرِضُ، حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ وَيَكُونُ الْمُسْتَقْرِضُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَهَذَا كَمَا قُلْنَا فِي حَقِّ الْإِعْتَاقِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ أَكْلُهُ لَكِنَّهُ يَكُون مَضْمُونًا عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ نَفَذَ إعْتَاقُهُ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ كَذَا قَرْضُ الْمُكَاتَبِ.
وَلَا تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ.
وَلَا تَجُوزُ كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ بِالْمَالِ وَلَا بِالنَّفْسِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَلَا بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ أَمَّا الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فَلِأَنَّهَا الْتِزَامُ تَسْلِيمِ النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَالْكَفَالَةُ بِالْمَالِ الْتِزَامُ تَسْلِيمِ الْمَالِ مِنْ