وَعَشْرٌ بِالْإِجْمَاعِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: ٢٣٤] ؛ وَلِأَنَّ الْحَمْلَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ الْمَوْتِ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِالْأَشْهُرِ، فَلَا تَتَغَيَّرُ بِالْحَمْلِ الْحَادِثِ، وَإِذَا كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْمَوْتِ وَجَبَتْ عِدَّةُ الْحَبَلِ فَكَانَ انْقِضَاؤُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَحْصُلُ عَادَةً إلَّا مِنْ الْمَاءِ، وَالصَّبِيُّ لَا مَاءَ لَهُ حَقِيقَةً، وَيَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ عَادَةً فَيَسْتَحِيلُ تَقْدِيرُهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ فِي زَوْجَةِ الْكَبِيرِ تَأْتِي بِوَلَدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهَا عَلَى النِّكَاحِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إقْرَارٌ مِنْهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِتَحَرُّزِ الْمُسْلِمَةِ عَنْ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ.
وَلَمْ يَرِدْ عَلَى إقْرَارِهَا مَا يُبْطِلُهُ.
أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بَعْدَ التَّزْوِيجِ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا لِمَا بَيَّنَّا فَهَهُنَا أَوْلَى، وَإِذَا كَانَتْ الْمُعْتَدَّةُ حَامِلًا فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَخِيرِ مِنْهُمَا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إذَا وَضَعَتْ أَحَدَ الْوَلَدَيْنِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى: ﴿وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٤] وَلَمْ يَقُلْ: أَحْمَالَهُنَّ، فَإِذَا وَضَعَتْ إحْدَاهُمَا فَقَدْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا، إلَّا أَنَّ مَا قَالَهُ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قُرِئَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " أَنْ يَضَعْنَ أَحْمَالَهُنَّ "، وَالثَّانِي أَنَّهُ عَلَّقَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ لَا بِالْوِلَادَةِ حَيْثُ قَالَ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى: ﴿يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٤] وَلَمْ يَقُلْ: " يَلِدْنَ "، وَالْحَمْلُ: اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا فِي بَطْنِهَا، وَوَضْعُ أَحَدِ الْوَلَدَيْنِ وَضْعُ بَعْضِ حَمْلِهَا، لَا وَضْعُ حَمْلِهَا، فَلَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ؛ وَلِأَنَّ وَضْعَ الْحَمْلِ إنَّمَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِوَضْعِهِ، وَمَا دَامَ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ لَا تَحْصُلُ الْبَرَاءَةُ بِهِ، فَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يُعْرَفُ بِهِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ]
(فَصْلٌ) :
(وَأَمَّا) بَيَانُ مَا يُعْرَفُ بِهِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ، فَمَا يُعْرَفُ بِهِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ نَوْعَانِ: قَوْلٌ، وَفِعْلٌ (أَمَّا) الْقَوْلُ فَهُوَ إخْبَارُ الْمُعْتَدَّةِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي مُدَّةٍ يَحْتَمِلُ الِانْقِضَاءُ فِي مِثْلِهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَقَلِّ الْمُدَّةِ الَّتِي تُصَدَّقُ فِيهَا الْمُعْتَدَّةُ فِي إقْرَارِهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ فَإِنَّهَا لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ إنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَمِنْ شَهْرٍ، وَنِصْفٍ إنْ كَانَتْ أَمَةً، وَفِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ إنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَمِنْ شَهْرَيْنِ، وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ إنْ كَانَتْ أَمَةً وَلَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ وَفَاةٍ فَكَذَلِكَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي الْحُرَّةِ، وَالْأَمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ: فَإِنْ أَخْبَرَتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فِي مُدَّةٍ تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا الْعِدَّةُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَإِنْ أَخْبَرَتْ فِي مُدَّةٍ لَا تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا الْعِدَّةُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا إذَا فَسَّرَتْ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَتْ: أَسْقَطْت سَقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ أَوْ بَعْضِهِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي إخْبَارِهَا عَنْ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى ائْتَمَنَهَا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ﷿ ﴿وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢٨] قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: إنَّهُ الْحَيْضُ، وَالْحَبَلُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ كَالْمُودِعِ إذَا قَالَ: رَدَدْت الْوَدِيعَةَ، أَوْ هَلَكَتْ، فَإِذَا أَخْبَرَتْ بِالِانْقِضَاءِ فِي مُدَّةٍ تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَلَا يُقْبَلُ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ مِمَّا لَا تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْأَمِينِ إنَّمَا يُقْبَلُ فِيمَا لَا يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ.
وَالظَّاهِرُ هَهُنَا يُكَذِّبُهَا، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا إذَا فَسَّرَتْ فَقَالَتْ: أَسْقَطْتُ سَقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ أَوْ بَعْضِ الْخَلْقِ، مَعَ يَمِينِهَا، فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا مَعَ هَذَا التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يُكَذِّبُهَا مَعَ التَّفْسِيرِ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي أَقَلَّ مَا تُصَدَّقُ فِيهِ الْمُعْتَدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَقَلُّ مَا تُصَدَّقُ فِيهِ الْحُرَّةُ سِتُّونَ يَوْمًا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: تِسْعَةٌ، وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي تَخْرِيجِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَخْرِيجُهُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ بِالْحَيْضِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ بِالطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ بِالْحَيْضِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ بِالطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ بِالْحَيْضِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَتِلْكَ سِتُّونَ يَوْمًا، وَتَخْرِيجُهُ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ بِالطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ بِالْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ بِالطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ بِالْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَذَلِكَ سِتُّونَ يَوْمًا، فَاخْتَلَفَ التَّخْرِيجُ مَعَ اتِّفَاقِ الْحُكْمِ، وَتَخْرِيجُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْحَيْضِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ بِالطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ بِالْحَيْضِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ بِالطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ بِالْحَيْضِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَذَلِكَ تِسْعَةٌ، وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ أَمِينَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ، وَالْأَمِينُ يُصَدَّقُ مَا أَمْكَنَ، وَأَمْكَنَ تَصْدِيقُهَا هَهُنَا بِأَنْ يُحْكَمَ بِالطَّلَاقِ فِي آخِرِ الطُّهْرِ فَيُبْدَأُ بِالْعِدَّةِ مِنْ الْحَيْضِ فَيُعْتَبَرُ أَقَلُّهُ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ، ثُمَّ أَقَلُّ الطُّهْرِ، وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ أَقَلُّ الْحَيْضِ ثُمَّ أَقَلُّ الطُّهْرِ ثُمَّ أَقَلُّ الْحَيْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute