ﷺ «قُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، حَيٌّ بِحَيٍّ، وَقَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ، وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، رَجُلٌ بِرَجُلٍ» ؛ لِأَنَّ التَّفَاخُرَ، وَالتَّعْيِيرَ يَقَعَانِ بِالْأَنْسَابِ، فَتُلْحَقُ النَّقِيصَةُ بِدَنَاءَةِ النَّسَبِ، فَتُعْتَبَرُ فِيهِ الْكَفَاءَةُ، فَقُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ عَلَى اخْتِلَافِ قَبَائِلِهِمْ حَتَّى يَكُونَ الْقُرَشِيُّ الَّذِي لَيْسَ بِهَاشِمِيٍّ كَالتَّيْمِيِّ، وَالْأُمَوِيِّ وَالْعَدَوِيِّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ كُفْئًا لِلْهَاشِمِيِّ لِقَوْلِهِ ﷺ «قُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ» ، وَقُرَيْشٌ تَشْتَمِلُ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ بِالنَّصِّ، وَلَا تَكُونُ الْعَرَبُ كُفْئًا لِقُرَيْشٍ لِفَضِيلَةِ قُرَيْشٍ عَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ، وَلِذَلِكَ اُخْتُصَّتْ الْإِمَامَةُ بِهِمْ قَالَ النَّبِيُّ: ﷺ «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» بِخِلَافِ الْقُرَشِيِّ أَنَّهُ يَصْلُحُ كُفْئًا لِلْهَاشِمِيِّ، وَإِنْ كَانَ لِلْهَاشِمِيِّ مِنْ الْفَضِيلَةِ مَا لَيْسَ لِلْقُرَشِيِّ لَكِنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ تِلْكَ الْفَضِيلَةَ فِي بَابِ النِّكَاحِ عَرَفْنَا ذَلِكَ بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ﵃، فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ عُثْمَانَ ﵁ وَكَانَ أُمَوِيًّا لَا هَاشِمِيًّا، وَزَوَّجَ عَلِيٌّ ﵁ ابْنَتَهُ مِنْ عُمَرَ ﵁ وَلَمْ يَكُنْ هَاشِمِيًّا بَلْ عَدَوِيًّا، فَدَلَّ أَنَّ الْكَفَاءَةَ فِي قُرَيْشٍ لَا تَخْتَصُّ بِبَطْنٍ دُونَ بَطْنٍ، وَاسْتَثْنَى مُحَمَّدٌ ﵁ بَيْتَ الْخِلَافَةِ، فَلَمْ يَجْعَلْ الْقُرَشِيَّ الَّذِي لَيْسَ بِهَاشِمِيٍّ كُفْئًا لَهُ، وَلَا تَكُونُ الْمَوَالِي أَكْفَاءَ لِلْعَرَبِ لِفَضْلِ الْعَرَبِ عَلَى الْعَجَمِ، وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ بِالنَّصِّ، وَمَوَالِي الْعَرَبِ أَكْفَاءٌ لِمَوَالِي قُرَيْشٍ لِعُمُومِ قَوْلِهِ «، وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ رَجُلٌ بِرَجُلٍ» ، ثُمَّ مُفَاخَرَةُ الْعَجَمِ بِالْإِسْلَامِ لَا بِالنَّسَبِ.
وَمَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ آبَاءٌ كَثِيرَةٌ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ التَّعْرِيفِ بِالْجَدِّ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ قَدْ طَالَ عَهْدُ الْإِسْلَامِ وَامْتَدَّ.
فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ كَانَ عَهْدُ الْإِسْلَامِ قَرِيبًا بِحَيْثُ لَا يُعَيَّرُ بِذَلِكَ، وَلَا يُعَدُّ عَيْبًا يَكُونُ بَعْضُهُمْ كُفْئًا لِبَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّ التَّعْيِيرَ إذَا لَمْ يُجْبَرْ بِذَلِكَ، وَلَمْ يُعَدّ عَيْبًا لَمْ يَلْحَقْ الشَّيْنُ وَالنَّقِيصَةُ، فَلَا يَتَحَقَّقُ الضَّرَرُ.
[فَصْلٌ فِي مَا تعتبر فِيهِ الْكِفَاءَة وَمِنْهَا الْحُرِّيَّةُ]
(فَصْلٌ) :
وَمِنْهَا الْحُرِّيَّةُ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ، وَالشَّيْنَ بِالرِّقِّ، فَوْقَ النَّقْصِ، وَالشَّيْنِ بِدَنَاءَةِ النَّسَبِ، فَلَا يَكُونُ الْقِنُّ، وَالْمُدَبَّرُ، وَالْمُكَاتَبُ كُفْئًا لِلْحُرَّةِ بِحَالٍ، وَلَا يَكُونُ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ كُفْئًا لِحُرَّةِ الْأَصْلِ، وَيَكُونُ كُفْئًا لِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ التَّفَاخُرَ يَقَعُ بِالْحُرَّةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالتَّعْيِيرُ يَجْرِي فِي الْحُرِّيَّةِ الْعَارِضَةِ الْمُسْتَفَادَةِ بِالْإِعْتَاقِ.
وَكَذَا مَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْحُرِّيَّةِ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبَوَانِ، فَصَاعِدًا فِي الْحُرِّيَّةِ.
وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْحُرِّيَّةِ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ آبَاءٌ كَثِيرَةٌ فِي الْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي إسْلَامِ الْآبَاءِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ التَّعْرِيفِ بِالْأَبِ، وَتَمَامُهُ بِالْجَدِّ، وَلَيْسَ وَرَاءَ التَّمَامِ شَيْءٌ.
وَكَذَا مَوْلَى الْوَضِيعِ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَوْلَاةِ الشَّرِيفِ حَتَّى لَا يَكُونَ مَوْلَى الْعَرَبِ كُفْئًا لِمَوْلَاةِ بَنِي هَاشِمٍ حَتَّى لَوْ زَوَّجَتْ مَوْلَاةُ بَنِي هَاشِمٍ نَفْسَهَا مِنْ مَوْلَى الْعَرَبِ كَانَ لِمُعْتِقِهَا حَقُّ الِاعْتِرَاضِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ قَالَ النَّبِيُّ: ﷺ «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» .
[فَصْلٌ فِي كَفَاءَةِ الْفَقِيرِ لِلْغَنِيَّةِ فِي النِّكَاحِ]
(فَصْلٌ) :
وَمِنْهَا الْمَالُ، فَلَا يَكُونُ الْفَقِيرُ كُفْئًا لِلْغَنِيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّفَاخُرَ بِالْمَالِ أَكْثَرُ مِنْ التَّفَاخُرِ بِغَيْرِهِ عَادَةً، وَخُصُوصًا فِي زَمَانِنَا هَذَا؛ وَلِأَنَّ لِلنِّكَاحِ تَعَلُّقًا بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ تَعَلُّقًا لَازِمًا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِدُونِ الْمَهْرِ، وَالنَّفَقَةُ لَازِمَةٌ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالنَّسَبِ وَالْحُرِّيَّةِ، فَلَمَّا اُعْتُبِرَتْ الْكَفَاءَةُ ثَمَّةَ، فَلَأَنْ تُعْتَبَرَ هَهُنَا أَوْلَى، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْقُدْرَةُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا، وَالنَّفَقَةِ، وَلَا تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا، وَنَفَقَتِهَا يَكُونُ كُفْئًا لَهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يُسَاوِيهَا فِي الْمَالِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ
وَذُكِرَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ تَسَاوِيهِمَا فِي الْغِنَى شَرْطُ تَحَقُّقِ الْكَفَاءَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ التَّفَاخُرَ يَقَعُ فِي الْغِنَى عَادَةً، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْغِنَى لَا ثَبَاتَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٍ، فَلَا تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْغِنَى.
وَمَنْ لَا يَمْلِكُ مَهْرًا، وَلَا نَفَقَةً لَا يَكُونُ كُفْئًا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ عِوَضُ مَا يُمْلَكُ بِهَذَا الْعَقْدِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَقِيَامُ الِازْدِوَاجِ بِالنَّفَقَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا؛ وَلِأَنَّ مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْمَهْرِ، وَالنَّفَقَةِ يُسْتَحْقَرُ، وَيُسْتَهَانُ فِي الْعَادَةِ كَمَنْ لَهُ نَسَبٌ دَنِيءٌ، فَتَخْتَلُّ بِهِ الْمَصَالِحُ كَمَا تَخْتَلُّ عِنْدَ دَنَاءَةِ النَّسَبِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْ الْمَهْرِ قَدْرُ الْمُعَجَّلِ عُرْفًا وَعَادَةً دُونَ مَا فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ يُسَامَحُ فِيهِ بِالتَّأْخِيرِ إلَى وَقْتِ الْيَسَارِ، فَلَا يَطْلُبُ بِهِ لِلْحَالِ عَادَةً، وَالْمَالُ غَادٍ وَرَائِحٍ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ النَّفَقَةَ يَكُونُ كُفْئًا، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْمَهْرَ هَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ