للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونَ الْمُقِيمُ لَهَا عَلَى أَحْسَنِ وَصْفٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَرِيضَةٌ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» أَوْ قَالَ: «حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» ؛ وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ» ، وَمَا رُوِيَ مِنْ الْحَدِيثِ فَتَأْوِيلُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ أَنَّهُمَا قَالَا: كَانَ النَّاسُ عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ وَكَانُوا يَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَيَعْرَقُونَ فِيهِ وَالْمَسْجِدُ قَرِيبُ السَّمْكِ فَكَانَ يَتَأَذَّى بَعْضُهُمْ بِرَائِحَةِ بَعْضٍ فَأُمِرُوا بِالِاغْتِسَالِ لِهَذَا، ثُمَّ اُنْتُسِخَ هَذَا حِينَ لَبِسُوا غَيْرَ الصُّوفِ وَتَرَكُوا الْعَمَلَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَمْ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ إظْهَارًا لِفَضِيلَتِهِ، قَالَ النَّبِيُّ:«سَيِّدُ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهَا مُؤَدَّاةٌ بِشَرَائِطَ لَيْسَتْ لِغَيْرِهَا فَلَهَا مِنْ الْفَضِيلَةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا، وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ أَنَّ مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى بِهِ الْجُمُعَةَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِفَضِيلَةِ الْغُسْلِ، وَعِنْدَ الْحَسَنِ يَصِيرُ مُدْرِكًا لَهَا، وَكَذَا إذَا تَوَضَّأَ وَصَلَّى بِهِ الْجُمُعَةَ ثُمَّ اغْتَسَلَ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ فَأَمَّا إذَا اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَصَلَّى بِهِ الْجُمُعَةَ فَإِنَّهُ يَنَالُ فَضِيلَةَ الْغُسْلِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ لِوُجُودِ الِاغْتِسَالِ وَالصَّلَاةِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا مَا يُكْرَهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَنَقُولُ تُكْرَهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِجَمَاعَةٍ فِي الْمِصْر فِي سِجْنٍ وَغَيْرِ سِجْنٍ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁، وَهَكَذَا جَرَى التَّوَارُثُ بِإِغْلَاقِ أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْأَمْصَارِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى كَرَاهَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا فِي حَقِّ الْكُلِّ؛ وَلِأَنَّا لَوْ أَطْلَقْنَا لِلْمَعْذُورِ إقَامَةَ الظُّهْرِ بِالْجَمَاعَةِ فِي الْمِصْرِ فَرُبَّمَا يَقْتَدِي بِهِ غَيْرُ الْمَعْذُورِ فَيُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِ جَمْعِ الْجُمُعَةِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ وَلِأَنَّ سَاكِنَ الْمِصْرِ مَأْمُورٌ بِشَيْئَيْنِ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِتَرْكِ الْجَمَاعَاتِ وَشُهُودِ الْجُمُعَة، وَالْمَعْذُورُ قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَهُوَ تَرْكُ الْجَمَاعَاتِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّرْكِ.

وَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ شُهُودُ الْجُمُعَةِ وَلِأَنَّ فِي إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا تَقْلِيلَ جَمْعِ الْجُمُعَةِ فَكَانَ هَذَا الْيَوْمُ فِي حَقِّهِمْ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ، وَكَذَا يُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة: ٩] وَالْأَمْرُ بِتَرْكِ الْبَيْعِ يَكُونُ نَهْيًا عَنْ مُبَاشَرَتِهِ وَأَدْنَى دَرَجَاتِ النَّهْيِ الْكَرَاهَةُ.

وَلَوْ بَاعَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِتَرْكِ الْبَيْعِ لَيْسَ لَعَيْنِ الْبَيْعِ بَلْ لِتَرْكِ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ.

[فَصْلُ فِي أَنْوَاعِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ وَمِنْهَا صَلَاةُ الْوِتْرِ]

(فَصْلٌ) .

وَأَمَّا فَرْضُ الْكِفَايَةِ فَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ.

وَنَذْكُرُهَا فِي آخِرِ الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(فَصْلُ) .

وَأَمَّا الصَّلَاةُ الْوَاجِبَةُ فَنَوْعَانِ: صَلَاةُ الْوِتْرِ، وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ.

(أَمَّا صَلَاةُ الْوِتْرِ) فَالْكَلَامُ فِي الْوِتْرِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ، فِي بَيَانِ صِفَةِ الْوَتْرِ أَنَّهُ وَاجِبٌ أَمْ سُنَّةٌ، وَفِي بَيَانِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَفِي بَيَانِ مِقْدَارِهِ، وَفِي بَيَانِ وَقْتِهِ، وَفِي بَيَانِ صِفَةِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي فِيهِ وَمِقْدَارِهَا، وَفِي بَيَانِ مَا يُفْسِدُهُ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِهِ إذَا فَسَدَ أَوْ فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ، وَفِي بَيَانِ الْقُنُوتِ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ، رَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْهُ أَنَّهُ فَرْضٌ، وَرَوَى يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَرَوَى نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْمَرْوَزِيِّ فِي الْجَامِعِ عَنْهُ أَنَّهُ سَنَةٌ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ ﵏ وَقَالُوا: إنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ آكَدُ مِنْ سَائِرِ السُّنَنِ الْمُؤَقَّتَةِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثٌ كُتِبَتْ عَلَيَّ وَلَمْ تُكْتَبْ عَلَيْكُمْ الْوِتْرُ وَالضُّحَى وَالْأَضْحَى» وَفِي رِوَايَةٍ «ثَلَاثٌ كُتِبَتْ عَلَيَّ وَهِيَ لَكُمْ سُنَّةٌ الْوِتْرُ وَالضُّحَى وَالْأَضْحَى» ، وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسَ صَلَوَاتٍ» ، وَقَالَ ﷺ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: «صَلُّوا خَمْسَكُمْ» وَكَذَا الْمَرْوِيُّ فِي حَدِيثِ «مُعَاذٍ أَنَّهُ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» وَلَوْ كَانَ الْوِتْرُ وَاجِبًا لَصَارَ الْمَفْرُوضُ سِتَّ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلِأَنَّ زِيَادَةَ الْوِتْرِ عَلَى الْخَمْسِ الْمَكْتُوبَاتِ نَسْخٌ لَهَا؛ لِأَنَّ الْخَمْسَ قَبْلَ الزِّيَادَةِ كَانَتْ كُلَّ وَظِيفَةِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ تَصِيرُ بَعْضَ الْوَظِيفَةِ فَيُنْسَخُ وَصْفُ الْكُلِّيَّةِ بِهَا، وَلَا يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ وَالْمَشَاهِيرِ مِنْ الْأَحَادِيثِ بِالْآحَادِ وَلِأَنَّ عَلَامَاتِ السُّنَنِ فِيهَا ظَاهِرَةٌ فَإِنَّهَا تُؤَدَّى تَبَعًا لِلْعِشَاءِ، وَالْفَرْضُ مَا لَا يَكُونُ تَابِعًا لِفَرْضٍ آخَرَ، وَلَيْسَ لَهَا وَقْتٌ وَلَا أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ وَلَا جَمَاعَةٌ، وَلِفَرَائِضِ الصَّلَوَاتِ أَوْقَاتٌ وَأَذَانٌ وَإِقَامَةُ جَمَاعَةٍ وَلِذَا يُقْرَأُ فِي الثَّلَاثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>