وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا قَوْلًا عَلَى مَا نَذْكُرُ وَعَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَا اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى شَيْءٍ كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى مُحَافَظَةِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ ثُمَّ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ ذَكَرَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً كَمَا ذَكَرَتْ عَائِشَةُ إلَّا أَنَّهُ زَادَ وَأَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ بِتَسْلِيمَتَيْنِ، وَلَنَا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي بَعْدَ الزَّوَالِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَقُلْت: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي تُدَاوِمُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: هَذِهِ سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ فَقُلْتُ: أَفِي كُلِّهِنَّ قِرَاءَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقُلْتُ: بِتَسْلِيمَةٍ أَمْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ؟ فَقَالَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ» ، وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ، وَالتَّسْلِيمُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّشَهُّدِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَامِ كَمَا فِيهِ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ فِي التَّطَوُّعَ بِالْأَرْبَعِ قَبْلَ الْعَصْرِ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْأَرْبَعِ مِنْ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ غَيْرَ ثَابِتٍ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ ﷺ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى ذَلِكَ؛ وَلِذَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي فَصْلِهِ إيَّاهَا.
وَرُوِيَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا، وَفِي بَعْضِهَا رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا كَانَ حَسَنًا لِحَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ ﵂ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ كَانَتْ لَهُ جُنَّةً مِنْ النَّارِ» وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ تَطَوَّعَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِسِتِّ رَكَعَاتٍ كُتِبَ مِنْ الْأَوَّابِينَ وَتَلَا قَوْله تَعَالَى ﴿فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا﴾ [الإسراء: ٢٥] ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْأَصْلِ: إنَّ التَّطَوُّعَ بِالْأَرْبَعِ قَبْلَ الْعِشَاءِ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ بِهَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مِنْ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فَحَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْعِشَاءَ نَظِيرُ الظُّهْرِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ التَّطَوُّعُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ فِي الْأَرْبَعِ بَعْدَ الْعِشَاءِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵁ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْعِشَاءِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كُنَّ لَهُ كَمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ» وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا «سُئِلَتْ عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ فَقَالَتْ: كَانَ قِيَامُهُ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ سَوَاءً، كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعِشَاءِ أَرْبَعًا لَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ أَرْبَعًا لَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ» .
وَأَمَّا السُّنَّةُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ: وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْجُمُعَةِ، وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا، وَكَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ يُصَلِّي بَعْدَهَا سِتًّا وَقِيلَ: هُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ ﵁ وَمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يَمْكُثُ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ مِقْدَارَ مَا يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ أَمَّا الْأَرْبَعُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ؛ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵁ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَتَطَوَّعُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ» ؛ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ نَظِيرُ الظُّهْرِ، ثُمَّ التَّطَوُّعُ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ كَذَا قَبْلَهَا.
وَأَمَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ فِيمَا قُلْنَا جَمْعًا بَيْنَ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ وَبَيْنَ فِعْلِهِ فَإِنَّهُ رُوِيَ «أَنَّهُ أَمَرَ بِالْأَرْبَعِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ» وَرُوِيَ أَنَّهُ «صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ» ، فَجَمَعْنَا بَيْنَ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ كَيْ لَا يَصِيرَ مُتَطَوِّعًا بَعْدَ صَلَاةِ الْفَرْضِ بِمِثْلِهَا، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَانَ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا» وَمَا رُوِيَ مِنْ فِعْلِهِ ﷺ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ، وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ مَنْ يُصَلِّي بَعْدَهَا كَمْ شَاءَ، غَيْرَ أَنَّا نَقُولُ: السُّنَّةُ بَعْدَهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ لَا غَيْرُ؛ لِمَا رَوَيْنَا.
[فَصْلٌ صِفَةُ الْقِرَاءَةِ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا صِفَةُ الْقِرَاءَةِ فِيهَا فَالْقِرَاءَةُ فِي السُّنَنِ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا فَرْضٌ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَطَوُّعٌ وَكُلُّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ؛ لِمَا نَذْكُرُ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فَكَانَ كُلُّ شَفْعٍ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ مِنْ الْفَرَائِضِ، وَقَدْ رَوَيْنَا فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّهُ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَفِي كُلِّهِنَّ قِرَاءَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ بَيَانُ مَا يُكْرَهُ مِنْ سُنَن الصَّلَاةِ]
وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُكْرَهُ مِنْهَا فَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ شَيْئًا مِنْ السُّنَنِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْمَكْتُوبَةَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إذَا صَلَّى أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ» وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ لِلِاشْتِبَاهِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَنَحَّى أَيْضًا حَتَّى تَنْكَسِرَ الصُّفُوفُ وَيَزُولَ الِاشْتِبَاهُ عَلَى الدَّاخِلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى مَا مَرَّ.
وَيُكْرَهُ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute