يُصَلِّي شَيْئًا مِنْهَا وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهِمَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ مِنْ الْفَجْرِ، فَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الْفَجْرُ تَرَكَهُمَا وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الدَّاخِلَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، وَإِمَّا أَنْ كَانَ لَمْ يُصَلِّ، وَإِمَّا أَنْ كَانَ لَمْ يُصَلِّهَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ، أَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ فَإِنْ دَخَلَ وَقَدْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ يُكْرَهُ لَهُ التَّطَوُّعُ فِي الْمَسْجِدِ سَوَاءٌ كَانَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ التَّطَوُّعَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِأَنَّهُ لَا يَرَى صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ: ﷺ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقِفَنَّ مَوَاقِفَ التُّهَمِ» .
وَأَمَّا خَارِجُ الْمَسْجِدِ فَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ.
وَأَمَّا فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَالْأَمْرُ فِيهِ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ إدْرَاكَ فَضِيلَةِ الِافْتِتَاحِ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالنَّفْلِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةُ لِسَائِرِ النَّوَافِلِ، وَفِي الِاشْتِغَالِ بِاسْتِدْرَاكِهَا فَوَاتُ النَّوَافِلِ، وَفِي الِاشْتِغَالِ بِاسْتِدْرَاكِ النَّوَافِلِ فَوْتُهَا وَهِيَ أَعْظَمُ ثَوَابًا فَكَانَ إحْرَازُ فَضِيلَتِهَا أَوْلَى، بِخِلَافِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَإِنَّ التَّرْغِيبَ فِيهِمَا قَدْ وُجِدَ حَسْبَمَا وُجِدَ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ قَالَ ﷺ: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» فَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَةِ وَاخْتَلَفَ تَخْرِيجُ مَشَايِخِنَا فِي ذَلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ وَقَدْ سَبَقَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَشَرَعَ فِي قِرَاءَةِ السُّورَةِ فَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِيَنَالَ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ عِنْدَ فَوْتِ تِلْكَ الْفَضِيلَةِ؛ لِأَنَّ إدْرَاكَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ غَيْرُ مَوْهُومٍ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ إحْرَازِ إحْدَى الْفَضِيلَتَيْنِ يُحْرِزُ الْأُخْرَى، فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ لَمْ يَأْتِ بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ بَعْدُ يَشْتَغِلُ بِإِحْرَازِهَا؛ لِأَنَّهَا عِنْدَ التَّعَارُضِ تَأَيَّدَتْ بِالِانْضِمَامِ إلَى فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، فَكَانَ إحْرَازُهَا أَوْلَى، غَيْرَ أَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى خِلَافِ هَذَا فَإِنَّ مُحَمَّدًا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ: إنَّهُ يَشْتَغِلُ بِالتَّطَوُّعِ إذَا كَانَ يَرْجُو إدْرَاكَ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَةِ عَلَى مَا مَرَّ، وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ لَفَاتَتْهُ فَضِيلَةُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَصْلًا.
وَلَوْ اشْتَغَلَ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمَا فَاتَتْهُ فَضِيلَةُ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ بَاقِيَةً؛ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ هِيَ التَّحْرِيمَةُ، وَهِيَ تَبْقَى مَا دَامَتْ الْأَرْكَانُ بَاقِيَةً فَكَانَتْ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ بَاقِيَةً بِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ مِنْ وَجْهٍ، فَصَارَ مُدْرِكًا مِنْ وَجْهٍ وَصَارَ مُدْرِكًا أَيْضًا فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» ؛ وَلِأَنَّهُ أَدْرَكَ أَكْثَرَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ رَكْعَةٌ لَا غَيْرُ، وَالْمُسْتَدْرَكُ رَكْعَةٌ وَقَعْدَةٌ، وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَخَافُ فَوْتَ الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُمَا إذَا فَاتَتَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْكَانِ الْأَصْلِيَّةِ.
وَلَوْ بَقِيَ شَيْءٌ قَلِيلٌ لَا عِبْرَةَ لَهُ بِمُقَابَلَةِ مَا فَاتَ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ، وَالْفَائِتُ أَكْثَرُ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَعَجَزَ عَنْ إحْرَازِهِمَا فَيَخْتَارُ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ لِمَا انْضَمَّ إلَى إحْرَازِهَا فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ فِي الْفَرْضِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ «تَفْضُلُ الصَّلَاةُ بِجَمَاعَةٍ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَفِي رِوَايَةٍ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» فَكَانَ هَذَا أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَمَّا إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ فَهَذَا أَيْضًا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ وَإِمَّا إنْ شَرَعَ فِي الْفَرْضِ، فَإِنْ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَتَمَّ الشَّفْعَ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ أَمَّا إتْمَامُ الشَّفْعِ، فَلِأَنَّ صَوْنَهُ عَنْ الْبُطْلَانِ وَاجِبٌ، وَقَدْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ فِي التَّطَوُّعِ زِيَادَةٌ عَلَى الشَّفْعِ فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ كَابْتِدَاءِ تَطَوُّعٍ آخَرَ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ابْتِدَاءَ التَّطَوُّعِ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ مَكْرُوهٌ.
وَأَمَّا إذَا شَرَعَ فِي الْفَرْضِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَقْطَعُهَا مَا لَمْ يُقَيِّدْ الثَّانِيَةَ بِالسَّجْدَةِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ وَإِنْ كَانَ نَقْصًا صُورَةً فَلَيْسَ بِنَقْصٍ مَعْنًى لِأَنَّهُ لِلْأَدَاءِ عَلَى وَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَالْهَدْمُ لِيَبْنِيَ أَكْمَلُ يُعَدُّ إصْلَاحًا لَا هَدْمًا، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ هَدَمَ مَسْجِدًا لِيَبْنِيَ أَحْسَنَ مِنْ الْأَوَّلِ لَا يَأْثَمُ، وَإِذَا قَيَّدَ الثَّانِيَةَ بِالسَّجْدَةِ لَمْ يَقْطَعْ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْأَكْثَرِ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ، وَالْفَرْضُ بَعْدَ إتْمَامِهِ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَاضَ، وَلَا يَدْخُلُ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مَكْرُوهٌ وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنْ كَانَ صَلَّى رَكْعَةً ضَمَّ إلَيْهَا أُخْرَى، لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ صَوْنُ الْمُؤَدَّى وَاسْتِدْرَاكُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ «صَلَاةُ الرَّجُلِ بِالْجَمَاعَةِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute