فِي الثَّوْبِ دُفْعَةً، وَاحِدَةً بَلْ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَسْتَوِي فِيهِ الِاجْتِمَاعُ، وَالِافْتِرَاقُ.
وَأَمَّا الْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ، وَهِيَ الَّتِي فَاتَهَا شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ فَحُكْمُهَا الْأَصْلِيُّ هُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُؤَاجِرِ فِي أَجْرِ الْمِثْلِ لَا فِي الْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ الْمَمْلُوكَةِ مِلْكًا فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الْمُؤَاجِرَ لَمْ يَرْضَ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ إلَّا بِبَدَلٍ.
وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَلِأَنَّ الْمُوجَبَ الْأَصْلِيَّ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ هُوَ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُعَادَلَةِ، وَالْقِيمَةُ هِيَ الْعَدْلُ إلَّا أَنَّهَا مَجْهُولَةٌ؛ لِأَنَّهَا تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ، وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ، فَيُعْدَلُ مِنْهَا إلَى الْمُسَمَّى عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ، فَإِذَا فَسَدَتْ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْمُوجَبِ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ أَجْرُ الْمِثْلِ هَهُنَا؛ لِأَنَّهُ قِيمَةُ الْمَنَافِعِ الْمُسْتَوْفَاةِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى فِي عَقْدٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يُزَادُ، وَيَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ شَرْعًا بِأَنْفُسِهَا، وَإِنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ بِتَقْوِيمِ الْعَاقِدَيْنِ، وَالْعَاقِدَانِ مَا قَوَّمَاهَا إلَّا بِالْقَدْرِ الْمُسَمَّى فَلَوْ وَجَبَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُسَمَّى لَوَجَبَتْ بِلَا عَقْدٍ وَإِنَّهَا لَا تَتَقَوَّمُ بِلَا عَقْدٍ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ لِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَاكَ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْنِ، وَالْأَعْيَانُ مُتَقَوِّمَةٌ بِأَنْفُسِهَا فَوَجَبَ كُلُّ قِيمَتِهَا، وَفِي قَوْلِ زُفَرَ - وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ - هِيَ مُتَقَوِّمَةٌ بِأَنْفُسِهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ فَكَانَتْ مَضْمُونَةً بِجَمِيعِ قِيمَتِهَا كَالْأَعْيَانِ.
هَذَا إذَا كَانَ فِي الْعَقْدِ تَسْمِيَةٌ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَسْمِيَةٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَسْمِيَةُ الْأَجْرِ لَا يُرْضَى بِاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ كَانَ ذَلِكَ تَمْلِيكًا بِالْقِيمَةِ الَّتِي هِيَ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ دَلَالَةً، فَكَانَ تَقْوِيمًا لِلْمَنَافِعِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إذْ هُوَ قِيمَةُ الْمَنَافِعِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَا يَثْبُتُ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي هِيَ مِنْ التَّوَابِعِ إلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِصِفَةِ الْمُسْتَأْجِرِ لَهُ فِيهِ، وَهِيَ كَوْنُهُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ لِحُصُولِ الْهَلَاكِ فِي قَبْضٍ مَأْذُونٍ فِيهِ مِنْ قِبَلِ الْمُؤَاجِرِ.
وَأَمَّا الْإِجَارَةُ الْبَاطِلَةُ، وَهِيَ الَّتِي فَاتَهَا شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ الِانْعِقَادِ فَلَا حُكْمَ لَهَا رَأْسًا؛ لِأَنَّ مَا لَا يَنْعَقِدُ فَوُجُودُهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ تَفْسِيرُ الْبَاطِلِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْبَيْعِ، وَنَحْوِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي حُكْمُ اخْتِلَافِ الْعَاقِدَيْنِ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا حُكْمُ اخْتِلَافِ الْعَاقِدَيْنِ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْبَدَلِ أَوْ الْمُبْدَلِ، وَالْإِجَارَةُ وَقَعَتْ صَحِيحَةً يُنْظَرُ: إنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ تَحَالَفَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» وَالْإِجَارَةُ نَوْعُ بَيْعٍ فَيَتَنَاوَلُهَا الْحَدِيثُ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ: " وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا " يَتَنَاوَلُ بَعْضَ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ.
وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ عَيْنًا بِمَنْفَعَةٍ، وَاخْتَلَفَا فِيهَا، وَإِذَا ثَبَتَ التَّحَالُفُ فِي نَوْعٍ بِالْحَدِيثِ ثَبَتَ فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا بِنَتِيجَةِ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّ التَّحَالُفَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ مُوَافِقٌ الْأُصُولَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ عَلَى الْمُنْكِرِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْكِرٌ مِنْ وَجْهٍ وَمُدَّعٍ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْمُؤَاجِرَ يَدَّعِي عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ زِيَادَةَ الْأُجْرَةِ، وَالْمُسْتَأْجِرُ مُنْكِرٌ، وَالْمُسْتَأْجِرُ يَدَّعِي عَلَى الْمُؤَاجِرِ وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْمُسْتَأْجَرِ بِمَا يَدَّعِي مِنْ الْأُجْرَةِ، وَالْمُؤَاجِرُ يُنْكِرُ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْكِرًا مِنْ وَجْهٍ، وَالْيَمِينُ وَظِيفَةُ الْمُنْكِرِ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ.
وَلِهَذَا جَرَى التَّحَالُفُ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَبَيْعُ الْعَيْنِ وَالتَّحَالُفُ هَهُنَا قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ الْبَدَلِ يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وُجُوبَ الْأُجْرَةِ الزَّائِدَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي قَدْرِ الْمُبْدَلِ يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُؤَاجِرِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وُجُوبَ تَسْلِيمِ زِيَادَةِ الْمَنْفَعَةِ، وَإِذَا تَحَالَفَا تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ، وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ، لِأَنَّ النُّكُولَ بَذْلٌ أَوْ إقْرَارٌ، وَالْبَدَلَ وَالْمُبْدَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْتَمِلُ الْبَذْلَ وَالْإِقْرَارَ، وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ يُقْضَى بِبَيِّنَتِهِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَا تُقَابِلُ الْحُجَّةَ، وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْبَدَلِ فَبَيِّنَةُ الْمُؤَاجِرِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةَ الْأُجْرَةِ، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمُبْدَلِ فَبَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةَ الْمَنْفَعَةِ، فَإِنْ ادَّعَى الْمُؤَاجِرُ فَضْلًا فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْأَجْرِ وَادَّعَى الْمُسْتَأْجِرُ فَضْلًا فِيمَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِأَنْ قَالَ: الْمُؤَاجِرُ أَجَرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى الْقَصْرِ بِعَشَرَةٍ، وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: إلَى الْكُوفَةِ بِخَمْسَةٍ، أَوْ قَالَ الْمُؤَاجِرُ: أَجَّرْتُكَ شَهْرًا بِعَشَرَةٍ، وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: لِشَهْرَيْنِ بِخَمْسَةٍ فَالْأَمْرُ فِي التَّحَالُفِ وَالنُّكُولِ وَإِقَامَةِ أَحَدِهِمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، فَيَكُونُ إلَى الْكُوفَةِ بِعَشَرَةٍ، وَشَهْرَيْنِ بِعَشَرَةٍ؛ لِأَنَّ