الْمُسَمَّى إنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَالْكُلُّ إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُعْتَرِفٌ بِالْحُرْمَةِ وَقَوْلُهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْحُرْمَةِ مَقْبُولٌ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْحُرْمَةِ فَكَانَ اعْتِرَافُهُ بِفَسَادِ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ الْفُرْقَةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا مِنْ الْمَهْرِ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
وَإِنْ كَانَ الزَّوْجَانِ مَمْلُوكَيْنِ فَحُكْمُ الْوَاحِدَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَخْتَلِفُ.
وَأَمَّا حُكْمُ الِاثْنَتَيْنِ فَحُكْمُهُمَا فِي الْمَمْلُوكَيْنِ مَا هُوَ حُكْمُ الثَّلَاثِ فِي الْحُرَّيْنِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَقَوْلُهُ ﷺ يُطَلِّقُ الْعَبْدُ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ مَمْلُوكًا فَيُعْتَبَرُ فِيهِ جَانِبُ النِّسَاءِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ جَانِبُ الرِّجَالِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ الطَّلَاقِ بِهِنَّ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ بِهِمْ لَا بِهِنَّ، وَالْمَسْأَلَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي تَوَابِعِ الطَّلَاقِ]
(فَصْلٌ) :
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا بَيَانُ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ لِلطَّلَاقِ، وَأَمَّا الَّذِي هُوَ مِنْ التَّوَابِعِ فَنَوْعَانِ: نَوْعٌ يَعُمُّ الطَّلَاقَ الْمُعَيَّنَ، وَالْمُبْهَمَ، وَنَوْعٌ يَخُصُّ الْمُبْهَمَ أَمَّا الَّذِي يَعُمُّ الْمُعَيَّنَ، وَالْمُبْهَمَ فَوُجُوبُ الْعِدَّةِ عَلَى بَعْضِ الْمُطَلَّقَاتِ دُونَ بَعْضٍ، وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ الْمَدْخُولُ بِهَا، وَالْكَلَامُ فِي الْعِدَّةِ فِي مَوَاضِعَ: فِي تَفْسِيرِ الْعِدَّةِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، وَبَيَانِ وَقْتِ وُجُوبِهَا، وَفِي بَيَانِ أَنْوَاعِ الْعِدَدِ، وَسَبَبِ وُجُوبِ كُلِّ نَوْعٍ، وَمَا لَهُ وَجَبَ، وَشَرْطِ وُجُوبِهِ، وَفِي بَيَانِ مَقَادِيرِ الْعِدَدِ، وَفِي بَيَانِ انْتِقَالِ الْعِدَّةِ، وَتَغَيُّرِهَا، وَفِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْعِدَّةِ، وَفِي بَيَانِ مَا يُعْرَفُ بِهِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ، وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا: أَمَّا تَفْسِيرُ الْعِدَّةِ، وَبَيَانُ وَقْتِ وُجُوبِهَا فَالْعِدَّةُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ: اسْمٌ لِأَجَلٍ ضُرِبَ لِانْقِضَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ، وَهَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هِيَ اسْمٌ لِفِعْلِ التَّرَبُّصِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي الْعِدَّتَانِ إذَا وَجَبَتَا أَنَّهُمَا يَتَدَاخَلَانِ سَوَاءٌ كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ.
وَصُورَةُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ: الْمُطَلَّقَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ تَتَارَكَا حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى فَإِنَّ الْعِدَّتَيْنِ يَتَدَاخَلَانِ عِنْدَنَا وَصُورَةُ الْجِنْسَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ تَدَاخَلَتْ أَيْضًا، وَتَعْتَدُّ بِمَا رَأَتْهُ مِنْ الْحَيْضِ فِي الْأَشْهُرِ مِنْ عِدَّةِ الْوَطْءِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَمْضِي فِي الْعِدَّةِ الْأُولَى فَإِذَا انْقَضَتْ اسْتَأْنَفَتْ الْأُخْرَى احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] وقَوْله تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: ٢٣٤] وقَوْله تَعَالَى ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٢٢٨] أَيْ: فِي التَّرَبُّصِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الزَّوْجَ إنَّمَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ فَدَلَّ أَنَّ الْعِدَّةَ تَرَبُّصٌ، سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْعِدَّةَ تَرَبُّصًا، وَهُوَ اسْمٌ لِلْفِعْلِ، وَهُوَ الْكَفُّ، وَالْفِعْلَانِ - وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ - لَا يَتَأَدَّيَانِ بِأَحَدِهِمَا كَالْكَفِّ فِي بَابِ الصَّوْمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٥] سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْعِدَّةَ أَجَلًا، وَالْأَجَلُ اسْمٌ لِزَمَانٍ مُقَدَّرٍ مَضْرُوبٍ لِانْقِضَاءِ أَمْرٍ كَآجَالِ الدُّيُونِ، وَغَيْرِهَا سُمِّيَتْ الْعِدَّةُ أَجَلًا لِكَوْنِهِ وَقْتًا مَضْرُوبًا لِانْقِضَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ، وَالْآجَالُ إذَا اجْتَمَعَتْ تَنْقَضِي بِمُدَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالْآجَالِ فِي بَابِ الدُّيُونِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا اسْمٌ لِلْأَجَلِ لَا لِلْفِعْلِ أَنَّهَا تَنْقَضِي مِنْ غَيْرِ فِعْلِ التَّرَبُّصِ بِأَنْ لَمْ تُجْتَنَبْ عَنْ مَحْظُورَاتِ الْعِدَّةِ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَلَوْ كَانَتْ فِعْلًا لَمَا تُصُوِّرَ انْقِضَاؤُهَا مَعَ ضِدِّهَا، وَهُوَ التَّرْكُ.
وَأَمَّا الْآيَاتُ فَالتَّرَبُّصُ هُوَ التَّثَبُّتُ، وَالِانْتِظَارُ قَالَ تَعَالَى ﴿فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ﴾ [المؤمنون: ٢٥] .
وَقَالَ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى ﴿وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ﴾ [التوبة: ٩٨] وَقَالَ سُبْحَانَهُ ﴿فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ﴾ [التوبة: ٥٢] ، وَالِانْتِظَارُ يَكُونُ فِي الْآجَالِ الْمُعْتَدَّةِ تَنْتَظِرُ انْقِضَاءَ الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ التَّرَبُّصَ لَيْسَ هُوَ فِعْلَ الْكَفِّ، عَلَى أَنَّا إنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ كَفٌّ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ فِي الْبَابِ بَلْ هُوَ تَابِعٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِدُونِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَكَذَا تَنْقَضِي بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ وَلَوْ كَانَ رُكْنًا لَمَا تُصُوِّرَ الِانْقِضَاءُ بِدُونِهِ، وَبِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ.
وَعَلَى هَذَا يُبْنَى وَقْتُ وُجُوبِ الْعِدَّةِ أَنَّهَا تَجِبُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَالْوَفَاةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ بَلَغَ الْمَرْأَةَ طَلَاقُ زَوْجِهَا أَوْ مَوْتُهُ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَ أَوْ مَاتَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَعَامَّةِ الصَّحَابَةِ ﵃، وَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ يَوْمِ يَأْتِيهَا الْخَبَرُ وَجْهُ الْبِنَاءِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ الْفِعْلَ لَمَّا كَانَ رُكْنًا عِنْدَهُ فَإِيجَابُ الْفِعْلِ عَلَى مَنْ لَا عَلِمَ لَهُ بِهِ وَلَا سَبَبَ إلَى الْوُصُولِ إلَى الْعِلْمِ بِهِ مُمْتَنِعٌ، فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ إلَّا مِنْ وَقْتِ بُلُوغِ الْخَبَرِ؛؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ حُصُولِ الْعِلْمِ بِهِ وَلَمَّا كَانَ الرُّكْنُ هُوَ الْأَجَلُ عِنْدَنَا، وَهُوَ مُضِيُّ الزَّمَانِ لَا يَقِفُ وُجُوبُهُ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ كَمُضِيِّ سَائِرِ الْأَزْمِنَةِ ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَى فِعْلِهَا أَصْلًا، وَهُوَ الْكَفُّ فَإِنَّهَا لَوْ عَلِمَتْ فَلَمْ