للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَأَمَّا) عَلَى أَصْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ فَالزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ وَحَطًّا عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ هِبَةً مُبْتَدَأَةً، وَالْمَسْأَلَةُ تَأْتِي فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى.

[فَصْلٌ بَيَانُ مَا يُلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَمَا لَا يُلْحَقُ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَمَا لَا يَلْحَقُ بِهِ.

فَنَقُولُ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَلْحَقَ بِرَأْسِ الْمَالِ أُجْرَةُ الْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وَالْغَسَّالِ وَالْفَتَّالِ وَالْخَيَّاطِ وَالسِّمْسَارِ وَسَائِقِ الْغَنَمِ، وَالْكِرَاءُ، وَنَفَقَةُ الرَّقِيقِ مِنْ طَعَامِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ وَمَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَعَلَفُ الدَّوَابِّ، وَيُبَاعُ مُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً عَلَى الْكُلِّ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيمَا بَيْنَ التُّجَّارِ أَنَّهُمْ يُلْحِقُونَ هَذِهِ الْمُؤَنَ بِرَأْسِ الْمَالِ وَيَعُدُّونَهَا مِنْهُ، وَعُرْفُ الْمُسْلِمِينَ وَعَادَتُهُمْ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ قَالَ النَّبِيُّ: «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» إلَّا أَنَّهُ لَا يَقُولُ عِنْدَ الْبَيْعِ: اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا وَلَكِنْ يَقُولُ: قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَذِبٌ وَالثَّانِيَ صِدْقٌ.

وَأَمَّا أُجْرَةُ الرَّاعِي وَالطَّبِيبِ وَالْحَجَّامِ وَالْخَتَّانِ وَالْبَيْطَارِ، وَجُعْلِ الْآبِقِ، وَالْفِدَاءِ عَنْ الْجِنَايَةِ، وَمَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى الرَّقِيقِ مِنْ تَعْلِيمِ صِنَاعَةٍ أَوْ قُرْآنٍ أَوْ شِعْرٍ فَلَا يَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَيُبَاعُ مُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ الْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ لَا غَيْرَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ مَا جَرَتْ مِنْ التُّجَّارِ بِإِلْحَاقِ هَذِهِ الْمُؤَنِ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَقَالَ: «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ» .

وَكَذَا الْمُضَارِبُ مَا أَنْفَقَ عَلَى الرَّقِيقِ مِنْ طَعَامِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ وَمَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ يَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ وَمَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ فِي سَفَرِهِ لَا يَلْحَقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عَادَةَ فِيهِ، وَالتَّعْوِيلُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى الْعَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ بَيَانُهُ فِي الْمُرَابَحَةِ وَمَا لَا يَجِبُ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَجِبُ بَيَانُهُ فِي الْمُرَابَحَةِ وَمَا لَا يَجِبُ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ بَيْعُ أَمَانَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ ائْتَمَنَ الْبَائِعَ فِي إخْبَارِهِ عَنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا اسْتِحْلَافٍ فَتَجِبُ صِيَانَتُهَا عَنْ الْخِيَانَةِ وَعَنْ سَبَبِ الْخِيَانَةِ وَالتُّهْمَةِ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: ٢٧] ، وَقَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مِنْ غَشَّنَا» ، وَقَالَ لِوَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ فَدَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» .

وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا إنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ فَمَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» وَقَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلَا يَقِفَنَّ مَوَاقِفَ التُّهَمِ» وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْخِيَانَةِ وَعَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ وَالتُّهْمَةِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِبَيَانِ مَا يَجِبُ بَيَانُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَا يَجِبُ بَيَانُهُ وَمَا لَا يَجِبُ فَنَقُولُ: وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

: إذَا حَدَثَ بِالسِّلْعَةِ عَيْبٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَوْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً يُنْظَرُ إنْ حَدَثَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً بِجَمِيعِ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ وَإِنْ حَدَثَ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ بِالْإِجْمَاعِ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا: أَنَّ الْبَيْعَ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ حُدُوثِ الْعَيْبِ لَا يَخْلُو مِنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْعَيْبَ حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَكَانَ لَا يَرْبَحُهُ فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ بَعْدَ حُدُوثِ الْعَيْبِ فِي يَدِهِ فَقَدْ احْتَبَسَ عِنْدَهُ جُزْءًا مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْبَاقِي مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ كَمَا لَوْ احْتَبَسَ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ.

(وَلَنَا) أَنَّ الْفَائِتَ جُزْءٌ لَا يُقَابِلُهُ ثَمَنٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ فَاتَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْقُطُ بِحِصَّتِهِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَكَانَ بَيَانُهُ وَالسُّكُوتُ عَنْهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَا يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ قَائِمٌ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَائِعًا مَا بَقِيَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا فَاتَ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ صَارَ مَقْصُودًا بِالْفِعْلِ وَصَارَ مُقَابِلُهُ الثَّمَنَ فَقَدْ حَبَسَ الْمُشْتَرِي جُزْءًا يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ فَلَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْبَاقِي مُرَابَحَةً إلَّا بِبَيَانٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ حَدَثَ مِنْ الْمَبِيعِ زِيَادَةٌ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ وَالصُّوفِ وَاللَّبَنِ وَالْعُقْرِ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ مِنْ الْمَبِيعِ مَبِيعَةٌ عِنْدَنَا حَتَّى تَمْنَعَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ لِلْحَالِ فَهَذَا حَبَسَ بَعْضَ الْمَبِيعِ وَبَاعَ الْبَاقِيَ فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ.

وَكَذَا لَوْ هَلَكَ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ وَوَجَبَ الْأَرْشُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَبِيعًا مَقْصُودًا يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ ثُمَّ الْمَبِيعُ بَيْعًا غَيْرَ مَقْصُودٍ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ فَالْمَبِيعُ مَقْصُودًا أَوْلَى، وَلَوْ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ هَلَكَ طَرَفٌ مِنْ أَطْرَافِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ بَاعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>