الْأَخْمَاسِ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ وَحْدَهُ، أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ مِنْ تَوَابِعِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَائِهَا خُلِقَ فِيهَا وَمِنْهَا.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ؟ فَإِذَا مَلَكَهَا الْمُخْتَطُّ لَهُ بِتَمْلِيكِ الْإِمَامِ مَلَكَهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَتَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِالْبَيْعِ بِتَوَابِعِهَا أَيْضًا بِخِلَافِ الْكَنْزِ عَلَى مَا مَرَّ وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الْخُمُسِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا خُمُسَ فِيهِ فِي الدَّارِ وَفِي الْأَرْضِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ أَنَّهُ لَا خُمُسَ فِيهِ وَذَكَرَ فِي الصَّرْفِ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ وَكَذَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ فِي الْأَرْضِ، وَالدَّارِ جَمِيعًا إذَا كَانَ الْمَوْجُودُ مِمَّا يَذُوبُ بِالْإِذَابَةِ وَاحْتَجَّا بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَالرِّكَازُ اسْمٌ لِلْمَعْدِنِ حَقِيقَةً لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مَلَكَ الْأَرْضَ مِنْ مِلْكِهِ مُتَعَلِّقًا بِهَذَا الْخُمُسِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْفُقَرَاءِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِمْ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الْمَعْدِنَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَيُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ، وَالْإِمَامُ مَلَكَهُ مُطْلَقًا عَنْ الْحَقِّ فَيَمْلِكُهُ الْمُخْتَطُّ لَهُ كَذَلِكَ وَلِلْإِمَامِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ جُعِلَ الْكُلُّ لِلْغَانِمِينَ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ مَعَ الْخُمُسِ إذَا عُلِمَ أَنَّ حَاجَتَهُمْ لَا تَنْدَفِعُ بِالْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ جَازَ؟ وَإِذَا مَلَكَهُ الْمُخْتَطُّ لَهُ مُطْلَقًا عَنْ حَقٍّ مُتَعَلِّقٍ بِهِ فَيَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ كَذَلِكَ.
وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الدَّارِ، وَالْأَرْضِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ تَمْلِيكَ الْإِمَامِ الدَّارَ جُعِلَ مُطْلَقًا عَنْ الْحُقُوقِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ وَلَا الْخَرَاجُ؟ بِخِلَافِ الْأَرْضِ فَإِنَّ تَمْلِيكَهَا وُجِدَ مُتَعَلِّقًا بِهَا الْعُشْرُ، أَوْ الْخَرَاجُ فَجَازَ أَنْ يَجِبَ الْخُمُسُ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، هَذَا إذَا وَجَدَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَمَّا إذَا وَجَدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ فَهُوَ لَهُ وَلَا خُمُسَ فِيهِ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي مِلْكِ بَعْضِهِمْ فَإِنْ دَخَلَ بِأَمَانٍ رُدَّ عَلَى صَاحِبِ الْمِلْكِ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ دَخَلَ بِغَيْرِ أَمَانٍ فَهُوَ لَهُ وَلَا خُمُسَ فِيهِ كَمَا فِي الْكَنْزِ عَلَى مَا بَيَّنَّا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي حُكْمِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ الْأَرْضِ.
فَأَمَّا الْمُسْتَخْرَجُ مِنْ الْبَحْرِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ وَالْعَنْبَرِ وَكُلِّ حِلْيَةٍ تُسْتَخْرَجُ مِنْ الْبَحْرِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ لِلْوَاجِدِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ الْخُمُسُ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّ عَامِلَ عُمَرَ ﵁ كَتَبَ إلَيْهِ فِي لُؤْلُؤَةٍ وُجِدَتْ، مَا فِيهَا قَالَ: فِيهَا الْخُمُسُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ أَخَذَ الْخُمُسَ مِنْ الْعَنْبَرِ وَلِأَنَّ الْعُشْرَ يَجِبُ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ الْمَعْدِنِ فَكَذَا فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى بِجَمْعِهِمَا وَهُوَ كَوْنُ ذَلِكَ مَالًا مُنْتَزَعًا مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ بِالْقَهْرِ إذْ الدُّنْيَا كُلُّهَا بَرُّهَا وَبَحْرُهَا كَانَتْ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ انْتَزَعْنَاهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ فَكَانَ ذَلِكَ غَنِيمَةً فَيَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ كَسَائِرِ الْغَنَائِمِ، وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعَنْبَرِ فَقَالَ: هُوَ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ لَا خُمُسَ فِيهِ، وَلِأَنَّ يَدَ الْكَفَرَةِ لَمْ تَثْبُتْ عَلَى بَاطِنِ الْبِحَارِ الَّتِي يُسْتَخْرَجُ مِنْهَا اللُّؤْلُؤُ، وَالْعَنْبَرُ فَلَمْ يَكُنْ الْمُسْتَخْرَجُ مِنْهَا مَأْخُوذًا مِنْ أَيْدِي الْكَفَرَةِ عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ فَلَا يَكُونُ غَنِيمَةً فَلَا يَكُونُ فِيهِ الْخُمُسُ وَعَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّهُ إنْ اسْتَخْرَجَ مِنْ الْبَحْرِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِمَا قُلْنَا.
وَقِيلَ فِي الْعَنْبَرِ: إنَّهُ مَائِعٌ نَبَعَ فَأَشْبَهَ الْقِيرَ، وَقِيلَ: إنَّهُ رَوْثٌ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَرْوَاثِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِي اللُّؤْلُؤِ، وَالْعَنْبَرِ مَحْمُولٌ عَلَى لُؤْلُؤٍ وَعَنْبَرٍ وُجِدَ فِي خَزَائِنِ مُلُوكِ الْكَفَرَةِ فَكَانَ مَالًا مَغْنُومًا فَأَوْجَبَ فِيهِ الْخُمُسَ.
وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ بَيَانُ مَنْ يَجُوزُ صَرْفُ الْخُمُسِ إلَيْهِ، وَمَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْأَخْذِ، وَبَيَانُ مَصَارِفِ الْخُمُسِ مَوْضِعُهُ كِتَابُ السِّيَرِ وَيَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى الْوَالِدَيْنِ، وَالْمَوْلُودِينَ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، وَالْعُشْرِ وَيَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا لَا تُغْنِيهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسُ بِأَنْ كَانَ دُونَ الْمِائَتَيْنِ فَأَمَّا إذَا بَلَغَ مِائَتَيْنِ لَا يَجُوزُ لَهُ تَنَاوُلُ الْخُمُسِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ تَرَكَ الْخُمُسَ لِلْوَاجِدِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا.
وَلَوْ تَصَدَّقَ بِالْخُمُسِ بِنَفْسِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَمْ يَدْفَعْهَا إلَى السُّلْطَانِ جَازَ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا بِخِلَافِ زَكَاةِ السَّوَائِمِ، وَالْعُشْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ أَمَّا بَيَانُ مَا يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ مِنْ الْأَمْوَالِ وَبَيَانُ مَصَارِفِهَا]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا مَا يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ مِنْ الْأَمْوَالِ فَأَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا زَكَاةُ السَّوَائِمِ، وَالْعُشُورِ وَمَا أَخَذَهُ الْعَشَارُ مِنْ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ إذَا مَرُّوا عَلَيْهِمْ، وَالثَّانِي خُمُسُ الْغَنَائِمِ، وَالْمَعَادِنِ، وَالرِّكَازِ، وَالثَّالِثِ خَرَاجُ الْأَرَاضِي وَجِزْيَةُ الرُّءُوسِ وَمَا صُولِحَ عَلَيْهِ بَنُو نَجْرَانَ مِنْ الْحُلَلِ وَبَنُو تَغْلِبَ مِنْ الصَّدَقَةِ الْمُضَاعَفَةِ وَمَا أَخَذَهُ الْعَشَارُ مِنْ تُجَّارِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُسْتَأْمَنِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَالرَّابِعُ مَا أُخِذَ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الَّذِي مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا أَصْلًا، أَوْ تَرَكَ زَوْجًا، أَوْ زَوْجَةً.
وَأَمَّا مَصَارِفُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، فَأَمَّا مَصْرِفُ النَّوْعِ الْأَوَّلِ