كَانَ أَوْ قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَنْ عَقْدٍ صَحِيحٍ، وَكَذَلِكَ إذَا قَبَضَ رَبُّ السَّلَمِ الْمُسْلَمَ فِيهِ ثُمَّ تَقَايَلَا وَالْمَقْبُوضُ قَائِمٌ فِي يَدِهِ جَازَتْ الْإِقَالَةُ، وَعَلَى رَبِّ السَّلَمِ رَدُّ عَيْنِ مَا قَبَضَ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ فِي يَدِهِ بَعْدَ السَّلَمِ كَأَنَّهُ عَيْنُ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ عَقْدُ السَّلَمِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِرَبِّ السَّلَمِ أَنْ يَبِيعَ الْمَقْبُوضَ مُرَابَحَةً عَلَى رَأْسِ الْمَالِ؟ وَإِنْ تَقَايَلَا السَّلَمَ فِي بَعْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ حَلِّ الْأَجَلِ جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِيهِ بِقَدْرِهِ إذَا كَانَ الْبَاقِي جُزْءًا مَعْلُومًا مِنْ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاءِ الْمَعْلُومَةِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِقَالَةَ شُرِعَتْ نَظَرًا وَفِي إقَالَةِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ هَهُنَا نَظَرٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ بَيْعٌ بِأَبْخَسِ الْأَثْمَانِ لِهَذَا سَمَّاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ حَسَنًا جَمِيلًا فَقَالَ ﵁: ذَلِكَ الْمَعْرُوفُ الْحَسَنُ الْجَمِيلُ، وَالسَّلَمُ فِي الْبَاقِي إلَى أَجَلِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ وُجِدَتْ فِي الْبَعْضِ لَا فِي الْكُلِّ فَلَا تُوجِبُ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِقَدْرِ الْعِلَّةِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ.
وَإِنْ كَانَ قَبْلَ حَلِّ الْأَجَلِ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْإِقَالَةِ تَعْجِيلُ الْبَاقِي مِنْ الْمُسْلَمِ جَازَتْ الْإِقَالَةُ أَيْضًا وَالسَّلَمُ فِي الْبَاقِي إلَى أَجَلِهِ وَإِنْ اُشْتُرِطَ فِيهَا تَعْجِيلُ الْبَاقِي لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ، وَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ.
(أَمَّا) فَسَادُ الشَّرْطِ؛ فَلِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ.
(وَأَمَّا) صِحَّةُ الْإِقَالَةِ فَلِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ فَبَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّتْ الْإِقَالَةُ وَهَذَا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ عِنْدَهُمَا فَسْخٌ.
(وَأَمَّا) عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَتَبْطُلُ الْإِقَالَةُ وَالسَّلَمُ عَلَى حَالِهِ إلَى أَجَلِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ عِنْدَهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ وَالْبَيْعُ تُبْطِلُهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
[الصَّرْف وتفسيره]
(وَمِنْهَا) قَبْضُ الْبَدَلَيْنِ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ عَقْدُ الصَّرْفِ وَالْكَلَامُ فِي الصَّرْفِ فِي الْأَصْلِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي تَفْسِيرِ الصَّرْفِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، وَالثَّانِي فِي بَيَانِ شَرَائِطِهِ (أَمَّا) الْأَوَّلُ فَالصَّرْفُ فِي مُتَعَارَفِ الشَّرْعِ " اسْمٌ لِبَيْعِ الْأَثْمَانِ الْمُطْلَقَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَهُوَ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَأَحَدِ الْجِنْسَيْنِ بِالْآخَرِ " فَاحْتُمِلَ تَسْمِيَةُ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ صَرْفًا لِمَعْنَى الرَّدِّ وَالنَّقْلِ، يُقَالُ: صَرَفْتُهُ عَنْ كَذَا إلَى كَذَا، سُمِّيَ صَرْفًا لِاخْتِصَاصِهِ بِرَدِّ الْبَدَلِ وَنَقْلِهِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ التَّسْمِيَةُ لِمَعْنَى الْفَضْلِ، إذْ الصَّرْفُ يُذْكَرُ بِمَعْنَى الْفَضْلِ، كَمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ فَعَلَ كَذَا لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» فَالصَّرْفُ الْفَضْلُ وَهُوَ النَّافِلَةُ وَالْعَدْلُ الْفَرْضُ، سُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ صَرْفًا لِطَلَبِ التَّاجِرِ الْفَضْلَ مِنْهُ عَادَةً لِمَا يُرْغَبُ فِي عَيْنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.
[فَصْلٌ فِي شَرَائِط الصَّرْف]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الشَّرَائِطُ (فَمِنْهَا) قَبْضُ الْبَدَلَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لِقَوْلِهِ: ﵊ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ «وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ» .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا شَيْئًا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» .
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ ﵄ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ أَحَدَهُمَا غَائِبٌ وَالْآخَرَ نَاجِزٌ، وَإِنْ اسْتَنْظَرَك حَتَّى يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرَّمَاءَ أَيْ: الرِّبَا، فَدَلَّتْ هَذِهِ النُّصُوصُ عَلَى اشْتِرَاطِ قَبْضِ الْبَدَلَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَتَفْسِيرُ الِافْتِرَاقِ هُوَ أَنْ يَفْتَرِقَ الْعَاقِدَانِ بِأَبْدَانِهِمَا عَنْ مَجْلِسِهِمَا فَيَأْخُذَ هَذَا فِي جِهَةٍ وَهَذَا فِي جِهَةٍ أَوْ يَذْهَبَ أَحَدُهُمَا وَيَبْقَى الْآخَرُ حَتَّى لَوْ كَانَا فِي مَجْلِسِهِمَا لَمْ يَبْرَحَا عَنْهُ لَمْ يَكُونَا مُفْتَرِقَيْنِ وَإِنْ طَالَ مَجْلِسُهُمَا؛ لِانْعِدَامِ الِافْتِرَاقِ بِأَبْدَانِهِمَا وَكَذَا إذَا نَامَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا؛ لِمَا قُلْنَا وَكَذَا إذَا قَامَا عَنْ مَجْلِسِهِمَا فَذَهَبَا مَعًا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَطَرِيقٍ وَاحِدَةٍ وَمَشَيَا مِيلًا أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يُفَارِقْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَلَيْسَا بِمُفْتَرِقَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِتَفَرُّقِ الْأَبَدَانِ وَلَمْ يُوجَدْ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ إذَا قَامَتْ عَنْ مَجْلِسِهَا أَوْ اشْتَغَلَتْ بِعَمَلٍ آخَرَ يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُخَيَّرَةِ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ عَمَّا فُوِّضَ إلَيْهَا وَالْقِيَامُ عَنْ الْمَجْلِسِ أَوْ الِاشْتِغَالُ بِعَمَلٍ آخِرُ دَلِيلِ الْإِعْرَاضِ، وَهَهُنَا لَا عِبْرَةَ بِالْإِعْرَاضِ إنَّمَا الْعِبْرَةُ لِلِافْتِرَاقِ بِالْأَبْدَانِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَلْحَقَ هَذَا بِخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ، حَتَّى لَوْ نَامَ طَوِيلًا أَوْ وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ يَبْطُلُ الصَّرْفُ كَالْخِيَارِ.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ خَمْسُونَ دِينَارًا فَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا فَقَالَ