للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زُفَرُ : لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا اتَّفَقَتْ جِهَاتُ الْقُرْبَةِ بِأَنْ كَانَ الْكُلُّ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ إنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى الِاشْتِرَاكَ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ فِعْلٌ وَاحِدٌ لَا يَتَجَزَّأُ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقَعَ بَعْضُهُ عَنْ جِهَةٍ وَبَعْضُهُ عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَا بَعْضَ لَهُ إلَّا عِنْدَ الِاتِّحَادِ، فَعِنْدَ الِاتِّحَادِ جُعِلَتْ الْجِهَاتُ كَجِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ لَا يُمْكِنُ فَبَقِيَ الْأَمْرُ فِيهِ مَرْدُودًا إلَى الْقِيَاسِ.

(وَلَنَا) أَنَّ الْجِهَاتِ - وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صُورَةً - فَهِيَ فِي الْمَعْنَى وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكُلِّ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ - عَزَّ شَأْنُهُ - وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ الْعَقِيقَةَ عَنْ وَلَدٍ وُلِدَ لَهُ مِنْ قَبْلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جِهَةُ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى - عَزَّ شَأْنُهُ - بِالشُّكْرِ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَلَدِ، كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ الضَّحَايَا وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ الْوَلِيمَةَ - وَهِيَ ضِيَافَةُ التَّزْوِيجِ - وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقَامُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى - عَزَّ شَأْنُهُ - عَلَى نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» فَإِذَا قَصَدَ بِهَا الشُّكْرَ أَوْ إقَامَةَ السُّنَّةِ فَقَدْ أَرَادَ بِهَا التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ - عَزَّ شَأْنُهُ - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَرِهَ الِاشْتِرَاكَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، وَهَكَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ .

وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ ذِمِّيًّا كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَ كِتَابِيٍّ وَهُوَ يُرِيدُ اللَّحْمَ أَوْ أَرَادَ الْقُرْبَةَ فِي دِينِهِ - لَمْ يُجْزِهِمْ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا تَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْقُرْبَةُ فَكَانَتْ نِيَّتُهُ مُلْحَقَةً بِالْعَدَمِ فَكَانَ مُرِيدًا لِلَّحْمِ، وَالْمُسْلِمُ لَوْ أَرَادَ اللَّحْمَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا فَالْكَافِرُ أَوْلَى إذَا كَانَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا أَوْ مُدَبَّرًا وَيُرِيدُ الْأُضْحِيَّةَ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقُرْبَةِ فَكَانَ نَصِيبُهُ لَحْمًا فَيَمْتَنِعُ الْجَوَازُ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ مِمَّنْ يُضَحِّي عَنْ مَيِّتٍ جَازَ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا اشْتَرَكَ سَبْعَةٌ فِي بَدَنَةٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الذَّبْحِ فَرَضِيَ وَرَثَتُهُ أَنْ يُذْبَحَ عَنْ الْمَيِّتِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ.

(وَجْهُ) الْقِيَاسِ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ أَحَدُهُمْ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الذَّبْحُ، وَذَبْحُ الْوَارِثِ لَا يَقَعُ عَنْهُ؛ إذْ الْأُضْحِيَّةُ عَنْ الْمَيِّتِ لَا تَجُوزُ فَصَارَ نَصِيبُهُ اللَّحْمَ، وَأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ جَوَازِ ذَبْحِ الْبَاقِينَ مِنْ الْأُضْحِيَّةَ كَمَا لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ اللَّحْمَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ.

(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَوْتَ لَا يَمْنَعُ التَّقَرُّبَ عَنْ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُتَصَدَّقَ عَنْهُ وَيُحَجُّ عَنْهُ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَمَّنْ لَا يَذْبَحُ مِنْ أُمَّتِهِ - وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ - فَدَلَّ أَنَّ الْمَيِّتَ يَجُوزُ أَنْ يُتَقَرَّبَ عَنْهُ فَإِذَا ذُبِحَ عَنْهُ صَارَ نَصِيبُهُ لِلْقُرْبَةِ فَلَا يَمْنَعُ جَوَازَ ذَبْحِ الْبَاقِينَ.

وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ بَقَرَةً يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا ثُمَّ أَشْرَكَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ هِشَامٌ: سَأَلْت أَبَا يُوسُفَ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: أَكْرَهُ ذَلِكَ وَيُجْزِيهِمْ أَنْ يَذْبَحُوهَا عَنْهُمْ، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، قَالَ: قُلْت لِأَبِي يُوسُفَ وَمَنْ نِيَّتُهُ أَنْ يُشْرِكَ فِيهَا؟ قَالَ: لَا أَحْفَظُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهَا شَيْئًا وَلَكِنْ لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا وَقَالَ فِي الْأَصْلِ: قَالَ أَرَأَيْت فِي رَجُلٍ اشْتَرَى بَقَرَةً يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ فَأَشْرَكَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يُشْرِكْهُمْ حَتَّى اشْتَرَاهَا فَأَتَاهُ إنْسَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَشْرَكَهُ حَتَّى اسْتَكْمَلَ؛ يَعْنِي أَنَّهُ صَارَ سَابِعَهُمْ هَلْ يُجْزِي عَنْهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ اُسْتُحْسِنَ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا كَانَ أَحْسَنَ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْغَنِيِّ إذَا اشْتَرَى بَقَرَةً لِأُضْحِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ لِوُجُوبِ التَّضْحِيَةِ بِهَا وَإِنَّمَا يُقِيمُهَا عِنْدَ الذَّبْحِ مَقَامَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَوْ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَيَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِالْفِعْلِ فِيمَا يُقِيمُهُ فِيهِ فَيَجُوزُ اشْتِرَاكُهُمْ فِيهَا وَذَبْحُهُمْ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا لِيُضَحِّيَ بِهَا فَقَدْ وَعَدَ وَعْدًا فَيُكْرَهُ أَنْ يُخْلِفَ الْوَعْدَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ فَقِيرًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ بِالشِّرَاءِ لِلْأُضْحِيَّةِ فَتَعَيَّنَتْ لِلْوُجُوبِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ.

وَقَدْ قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الْغَنِيِّ إذَا أَشْرَكَ بَعْدَمَا اشْتَرَاهَا لِلْأُضْحِيَّةِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ دَفَعَ إلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ دِينَارًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَى شَاةً فَبَاعَهَا بِدِينَارَيْنِ وَاشْتَرَى بِأَحَدِهِمَا شَاةً وَجَاءَ إلَى النَّبِيِّ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ وَأَخْبَرَهُ بِمَا صَنَعَ فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ وَأَمَرَ أَنْ يُضَحَّى بِالشَّاةِ وَيُتَصَدَّقَ بِالدِّينَارِ» لِمَا أَنَّهُ قَصَدَ إخْرَاجَهُ لِلْأُضْحِيَّةِ كَذَا هَهُنَا.

(وَمِنْهَا) أَنْ تَكُونَ نِيَّةُ الْأُضْحِيَّةَ مُقَارِنَةً لِلتَّضْحِيَةِ كَمَا فِي بَابِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْأَصْلِ فَلَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْقِرَانِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَا فِي بَابِ الصَّوْمِ؛ لِتَعَذُّرِ قِرَانِ النِّيَّةِ لِوَقْتِ الشُّرُوعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ.

(وَمِنْهَا) إذْنُ صَاحِبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>