إلَّا أَنْ يُوَالِيَ الْأَسْفَلُ آخَرَ فَيَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا دَلَالَةً، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ صَاحِبُهُ أَوْ انْتِقَاضًا ضَرُورَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مُوَالَاةَ غَيْرِهِ إلَّا بِانْفِسَاخِ الْأَوَّلِ، فَيَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ دَلَالَةً وَضَرُورَةً، وَقَدْ يَثْبُتُ الشَّيْءُ دَلَالَةً أَوْ ضَرُورَةً، وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ قَصْدًا كَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ ثُمَّ عَزَلَهُ، وَالْوَكِيلُ غَائِبٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَمْ يَصِحَّ عَزْلُهُ، وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدَ أَوْ أَعْتَقَهُ انْعَزَلَ الْوَكِيلُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ كَذَا هَذَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَأَمَّا حُكْمُ الْعَقْدِ.
فَالْعَقْلُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَالْإِرْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ أَنَّ الْمَوْلَى الْأَعْلَى يَعْقِلُ عَنْهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَيَرِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَرِثُ الْأَعْلَى مِنْ الْأَسْفَلِ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ، فِيمَا تَقَدَّمَ وَيَرِثُ الْأَسْفَلُ مِنْ الْأَعْلَى أَيْضًا إذَا شَرَطَا ذَلِكَ فِي الْمُعَاقَدَةِ، بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ أَنَّ هُنَاكَ يَرِثُ الْأَعْلَى مِنْ الْأَسْفَلِ وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ مِنْ الْأَعْلَى؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ هُنَاكَ وُجِدَ مِنْ الْأَعْلَى لَا مِنْ الْأَسْفَلِ وَهُوَ الْعِتْقُ.
وَالسَّبَبُ هَهُنَا الْعَقْدُ وَقَدْ شُرِطَ فِيهِ التَّوَارُثُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ؛ قَوْلُهُ ﷺ «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» وَكَمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْوَلَاءِ فِي الرِّجَالِ يَثْبُتُ فِي أَوْلَادِهِمْ الصِّغَارِ تَبَعًا لَهُمْ، حَتَّى لَوْ وَالَى إنْسَانًا وَلَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ صَارُوا مَوَالِيَ لِلَّذِي وَالَاهُ الْأَبُ، وَكَذَا إذَا وَالَى إنْسَانًا ثُمَّ وُلِدَ لَهُ أَوْلَادٌ دَخَلُوا فِي وَلَاءِ الْأَبِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، وَلِأَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةٌ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَيَنْفُذُ عَقَدُهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِيرُ أَوْلَادُهُ الْكِبَارُ مَوَالِيَ بِمُوَالَاةِ الْأَبِ لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ وَالْوِلَايَةِ بِالْبُلُوغِ، حَتَّى لَوْ وَالَى الْأَبُ إنْسَانًا وَلَهُ ابْنٌ كَبِيرٌ فَوَالَى رَجُلًا آخَرَ فَوَلَاؤُهُ لَهُ لَا لِمَوْلَى أَبِيهِ، وَلَوْ كَبِرَ بَعْضُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ فَأَرَادَ التَّحَوُّلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى قَدْ عَقَلَ عَنْهُ أَوْ عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَنْ أَحَدِ إخْوَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَقَلَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ أَمَّا جَوَازُ التَّحَوُّلِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَقْلِ، فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَبِيرًا وَقْتَ عَقْدِ الْأَبِ لَجَازَ لَهُ التَّحَوُّلُ، وَكَذَا إذَا كَبِرَ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ السِّرَايَةِ فِي الْحَالَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ عَدَمُ التَّبَعِيَّةِ وَالْوِلَايَةِ.
وَأَمَّا عَدَمُ الْجَوَازِ عِنْدَ الْعَقْلِ فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ اتِّصَالِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ وَفِي التَّحَوُّلِ فَسْخُهُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَيَلْزَمَ ضَرُورَةً، وَلَوْ عَاقَدَتْ امْرَأَةٌ عَقْدَ الْوَلَاءِ وَلَهَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ لَا يَصِيرُونَ مَوَالِيَ لِلَّذِي وَالَتْهُ أُمُّهُمْ وَلَا تُشْبِهُ الْأُمُّ فِي هَذَا الْبَابِ الْأَبَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ وِلَايَةٌ عَلَى أَوْلَادِهَا الصِّغَارِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَشْتَرِي لَهُمْ وَلَا تَبِيعُ عَلَيْهِمْ وَلِلْأَبِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ؟ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: يَثْبُتُ حُكْمُ وَلَائِهَا فِي أَوْلَادِهَا الصِّغَارِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَثْبُتُ، وَلَوْ وَالَى رَجُلٌ رَجُلًا، ثُمَّ وُلِدَ مِنْ امْرَأَةٍ قَدْ وَالَتْ رَجُلًا فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوْلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ وَلَاءَانِ؛ وَلَاءُ الْأَبِ وَوَلَاءُ الْأُمِّ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْأَبِ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةً عَلَيْهِمْ وَلَا وِلَايَةَ لِلْأُمِّ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى وَلَدِهِ عَقْدَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَلَيْسَ لِلْأُمِّ ذَلِكَ؟ فَكَذَا عَقْدُ الْوَلَاءِ وَكَذَا لَوْ وَالَتْ وَهِيَ حُبْلَى وَلَا يُشْبِهُ هَذَا وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ؛ لِأَنَّ فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ إذَا أَعْتَقَهَا وَهِيَ حُبْلَى يَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِالْعِتْقِ، وَالْعِتْقُ يَثْبُتُ فِي الْوَلَدِ كَمَا يَثْبُتُ فِي الْأُمِّ، فَكَانَ لِلْوَلَدِ وَلَاءُ نَفَسِهِ لِكَوْنِهِ أَصْلًا فِي الْعِتْقِ.
فَأَمَّا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ فَبِالْعَقْدِ، وَعَقْدُهَا لَا يَجُوزُ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا فَلَمْ يَصِرْ الْوَلَدُ أَصْلًا فِي الْوَلَاءِ فَكَانَ تَبَعًا لِلْأَبِ فِي الْوَلَاءِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُمَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ فَوَالَتْ الْأُمُّ إنْسَانًا ثُمَّ وَالَى الْأَبُ آخَرَ فَوَلَاءُ الْأَوْلَادِ لِمَوَالِي الْأَبِ لِمَا قُلْنَا ذِمِّيَّةٌ أَسْلَمَتْ فَوَالَتْ رَجُلًا وَلَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ مِنْ ذِمِّيٍّ لَمْ يَكُنْ وَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوْلَاهَا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَكُونُ وَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوْلَاهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَتَاقَةِ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْأُمَّ لَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَى الْوَلَدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَعْقِدَ عَلَى وَلَدِهَا عَقْدَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، فَكَذَلِكَ عَقْدُ الْوَلَاءِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى وَلَدِهِ الْمُسْلِمِ فَتَعَذَّرَ إثْبَاتُ الْوَلَاءِ مِنْ الْأَبِ، وَالْوَلَاءُ إذَا تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ يَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، كَمَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا وَكَمَا فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا، وَلَوْ قَدِمَ حَرْبِيٌّ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ وَوَالَى رَجُلًا ثُمَّ سُبِيَ ابْنُهُ فَأُعْتِقَ لَمْ يَجُزْ وَلَاءُ الْأَبِ، وَإِنْ سُبِيَ أَبُوهُ فَأُعْتِقَ جَرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ إلَى مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ الِابْنَ يَتْبَعُ الْأَبَ فِي الْوَلَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا فَأَمَّا الْأَبُ فَلَا يَتْبَعُ الِابْنَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ وَإِنَّمَا يُنْسَبُ الِابْنُ إلَى أَبِيهِ فَإِنْ كَانَ ابْنُ الِابْنِ أَسْلَمَ وَوَالَى رَجُلًا لَمْ يَجُرَّ الْجَدُّ وَلَاءَهُ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَقَالَ لِأَنَّ الْجَدَّ لَا يَجُرُّ الْوَلَاءَ إلَّا أَنْ يَجُرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ فَيَجُرُّ بِجَرِّهِ وَلَاءَ ابْنِهِ وَلَاءَهُ، وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ: وَجْهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْأَسْفَلُ مُوَالِيًا، وَالْأَوْسَطُ حَرْبِيًّا وَالْجَدُّ مُعْتِقًا فَلَا يَجُرُّ وَلَاءَ الْأَسْفَلِ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْأَوْسَطُ وَيُوَالِيَ، فَيَجُرُّ الْجَدُّ وَلَاءَهُ وَوَلَاءَ الْأَسْفَلِ بِجَرِّ وَلَائِهِ، وَلَوْ أَسْلَمَ حَرْبِيٌّ أَوْ ذِمِّيٌّ عَلَى يَدَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute