تَزَوَّجَ بَالِغَةً حُرَّةً صَحِيحَةً سَلِيمَةً وَنَقَلَهَا إلَى بَيْتِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَشَرْطِهِ وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْقُلْهَا وَهِيَ بِحَيْثُ لَا تَمْنَعُ نَفْسَهَا وَطَلَبَتْ النَّفَقَةَ وَلَمْ يُطَالِبْهَا بِالنُّقْلَةِ فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْحَبْسِ وَشَرْطُهُ وَهُوَ التَّسْلِيمُ عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَا فَالزَّوْجُ بِتَرْكِ النُّقْلَةِ تَرَكَ حَقَّ نَفْسِهِ مَعَ إمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهَا فِي النَّفَقَةِ فَإِنْ طَالَبَهَا بِالنُّقْلَةِ فَامْتَنَعَتْ فَإِنْ كَانَ امْتِنَاعُهَا بِحَقٍّ بِأَنْ امْتَنَعَتْ لِاسْتِيفَاءِ مَهْرِهَا الْعَاجِلِ - فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا التَّسْلِيمُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْعَاجِلِ مِنْ مَهْرِهَا، فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ التَّسْلِيمِ وَقْتَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا: لَوْ طَالَبَهَا بِالنُّقْلَةِ بَعْدَ مَا أَوْفَاهَا الْمَهْرَ إلَى دَارٍ مَغْصُوبَةٍ فَامْتَنَعَتْ فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهَا بِحَقٍّ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا التَّسْلِيمُ فَلَمْ تَمْتَنِعْ مِنْ التَّسْلِيمِ حَالَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ وَلَوْ كَانَتْ سَاكِنَةً مَنْزِلَهَا فَمَنَعَتْهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا لَا عَلَى سَبِيلِ النُّشُوزِ فَإِنْ قَالَتْ حَوِّلْنِي إلَى مَنْزِلِك أَوْ اكْتَرِ لِي مَنْزِلًا أَنْزِلُهُ فَإِنِّي أَحْتَاجُ إلَى مَنْزِلِي هَذَا آخُذُ كِرَاءَهُ - فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهَا عَنْ التَّسْلِيمِ فِي بَيْتِهَا لِغَرَضِ التَّحْوِيلِ إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ إلَى مَنْزِلِ الْكِرَاءِ امْتِنَاعٌ بِحَقٍّ؛ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ التَّسْلِيمِ وَقْتَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ بِأَنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ أَوْفَاهَا مَهْرَهَا أَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا؛ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِانْعِدَامِ التَّسْلِيمِ حَالَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْوُجُوبِ فَلَا تَجِبُ، وَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ النَّفَقَةُ لِلنَّاشِزَةِ وَهَذِهِ نَاشِزَةٌ، وَلَوْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا عَنْ زَوْجِهَا بَعْدَ مَا دَخَلَ بِهَا بِرِضَاهَا لِاسْتِيفَاءِ مَهْرِهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِحَقٍّ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا نَفَقَةَ لَهَا لِكَوْنِهِ مَنْعًا بِغَيْرِ حَقٍّ عِنْدَهُمَا وَلَوْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا عَنْ زَوْجِهَا بَعْدَ مَا دَخَلَ بِهَا عَلَى كُرْهٍ مِنْهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا مُحِقَّةٌ فِي الْمَنْعِ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَهِيَ كَالْبَالِغَةِ فِي النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِلنَّفَقَةِ يَجْمَعُهُمَا وَإِنْ كَانَتْ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا؛ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَهَا النَّفَقَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ عِنْدَهُ النِّكَاحُ وَشَرْطُهُ عَدَمُ النُّشُوزِ وَقَدْ وُجِدَ وَشَرْطُ الْوُجُوبِ عِنْدَنَا تَسْلِيمُ النَّفْسِ وَلَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا لَا مِنْهَا وَلَا مِنْ غَيْرِهَا لِقِيَامِ الْمَانِعِ فِي نَفْسِهَا مِنْ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ لِعَدَمِ قَبُولِ الْمَحَلِّ لِذَلِكَ فَانْعَدَمَ شَرْطُ الْوُجُوبِ؛ فَلَا يَجِبُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ تَخْدُمُ الزَّوْجَ وَيَنْتَفِعُ الزَّوْجُ بِهَا بِالْخِدْمَةِ فَسَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَيْهِ فَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا.
فَإِنْ أَمْسَكَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَإِنْ رَدَّهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْتَمِلْ الْوَطْءَ لَمْ يُوجَدْ التَّسْلِيمُ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْقَبُولِ فَإِنْ أَمْسَكَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ مِنْهَا نَوْعُ مَنْفَعَةٍ وَضَرْبٌ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَقَدْ رَضِيَ بِالتَّسْلِيمِ الْقَاصِرِ، وَإِنْ رَدَّهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى يَجِيءَ حَالٌ يَقْدِرُ فِيهَا عَلَى جِمَاعِهَا لِانْعِدَامِ التَّسْلِيمِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ وَعَدَمِ رِضَاهُ بِالتَّسْلِيمِ الْقَاصِرِ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا وَالْمَرْأَةُ كَبِيرَةً؛ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِوُجُودِ التَّسْلِيمِ مِنْهَا عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا عَجَزَ الزَّوْجُ عَنْ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا أَوْ مَحْبُوسًا فِي دَيْنٍ أَوْ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ أَوْ خَارِجًا لِلْحَجِّ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَرِيضَةً قَبْلَ النُّقْلَةِ مَرَضًا يَمْنَعُ مِنْ الْجِمَاعِ فَنُقِلَتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَلَهَا النَّفَقَةُ بَعْدَ النُّقْلَةِ وَقَبْلَهَا أَيْضًا فَإِذَا طَلَبَتْ النَّفَقَةَ فَلَمْ يَنْقُلْهَا الزَّوْجُ وَهِيَ لَا تَمْتَنِعُ مِنْ النُّقْلَةِ لَوْ طَالَبَهَا الزَّوْجُ وَإِنْ كَانَتْ تَمْتَنِعُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا كَالصَّحِيحَةِ كَذَا ذَكَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا قَبْلَ النُّقْلَةِ فَإِذَا نُقِلَتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ؛ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ التَّسْلِيمُ؛ إذْ هُوَ تَخْلِيَةٌ وَتَمْكِينٌ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مَعَ الْمَانِعِ وَهُوَ تَبَوُّءُ الْمَحَلِّ فَلَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ كَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ وَإِذَا أَسْلَمَتْ نَفْسَهَا وَهِيَ مَرِيضَةٌ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ وَهُوَ التَّسْلِيمُ الْمُمَكِّنُ مِنْ الْوَطْءِ لَمَّا لَمْ يُوجَدْ؛ كَانَ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ التَّسْلِيمَ الَّذِي لَمْ يُوجِبْهُ الْعَقْدُ وَهَكَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا: أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا؛ لِمَا قُلْنَا، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ التَّسْلِيمَ فِي حَقِّ التَّمْكِينِ مِنْ الْوَطْءِ إنْ لَمْ يُوجَدْ فَقَدْ وُجِدَ فِي حَقِّ التَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَهَذَا يَكْفِي لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ كَمَا فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالصَّائِمَةِ صَوْمَ رَمَضَانَ وَإِذَا امْتَنَعَتْ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا التَّسْلِيمُ رَأْسًا؛ فَلَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا كَانَتْ الْمَرِيضَةُ تُؤْنِسُهُ وَيَنْتَفِعُ بِهَا فِي غَيْرِ الْجِمَاعِ فَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا
فَإِنْ أَمْسَكَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَإِنْ رَدَّهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الصَّغِيرَةِ وَإِنْ نُقِلَتْ وَهِيَ صَحِيحَةٌ ثُمَّ مَرِضَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ مَرَضًا لَا تَسْتَطِيعُ مَعَهُ الْجِمَاعَ لَمْ تَبْطُلْ نَفَقَتُهَا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْمُطْلَقَ وَهُوَ التَّسْلِيمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute