للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُمَكِّنُ مِنْ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ قَدْ حَصَلَ بِالِانْتِقَالِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَحِيحَةً كَذَا الِانْتِقَالُ ثُمَّ قَصُرَ التَّسْلِيمُ لِعَارِضٍ يَحْتَمِلُ الزَّوَالَ فَأَشْبَهَ الْحَيْضَ أَوْ نَقُولُ التَّسْلِيمُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ فِي حَقِّ الْمَرِيضَةِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ قَبْلَ الِانْتِقَالِ وَبَعْدَهُ هُوَ التَّسْلِيمُ فِي حَقِّ الِاسْتِمْتَاعِ لَا فِي حَقِّ الْوَطْءِ كَمَا فِي حَقِّ الْحَائِضِ وَكَذَا إذَا نَقَلَهَا ثُمَّ ذَهَبَ عَقْلُهَا فَصَارَتْ مَعْتُوهَةً مَغْلُوبَةً أَوْ كَبِرَتْ فَطَعَنَتْ فِي السِّنِّ حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ زَوْجُهَا جِمَاعَهَا أَوْ أَصَابَهَا بَلَاءٌ - فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِمَا قُلْنَا.

وَلَوْ حُبِسَتْ فِي دَيْنٍ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْحَبْسُ قَبْلَ الِانْتِقَالِ أَوْ بَعْدَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى التَّخْلِيَةِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ حَبْسَ النِّكَاحِ قَدْ بَطَلَ بِإِعْرَاضِ حَبْسِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ أَحَقُّ بِحَبْسِهَا بِالدَّيْنِ وَفَاتَ التَّسْلِيمُ أَيْضًا بِمَعْنًى مِنْ قِبَلِهَا وَهُوَ مَطْلَبُهَا فَصَارَتْ كَالنَّاشِزِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَحْبُوسَةً فِي دَيْنٍ مِنْ قَبْلِ النُّقْلَةِ فَإِنْ كَانَتْ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ لَا تَقْدِرُ عَلَى التَّخْلِيَةِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَهَذَا تَفْسِيرُ مَا أَجْمَلَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تُوصِلَهُ إلَيْهَا؛ فَالظَّاهِرُ مِنْهَا عَدَمُ الْمَنْعِ لَوْ طَالَبَهَا الزَّوْجُ وَهَذَا تَفْسِيرُ التَّسْلِيمِ فَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهَا فَالتَّقْصِيرُ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَقْدِرُ عَلَى التَّخْلِيَةِ فَالتَّسْلِيمُ فَاتَ بِمَعْنًى مِنْ قِبَلِهَا وَهُوَ مُمَاطَلَتُهَا فَلَا تَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ وَلَوْ حُبِسَتْ بَعْدَ النُّقْلَةِ لَمْ تَبْطُلْ نَفَقَتُهَا لِمَا قُلْنَا فِي الْمَرِيضَةِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فِي الْحَبْسِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مَحْبُوسَةً لَا تَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى الْقَضَاءِ فَلَمْ تَقْضِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَقْضِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ صَارَتْ كَأَنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا فَتَصِيرُ بِمَعْنَى النَّاشِزَةِ وَلَوْ فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ ثُمَّ أَخَذَهَا رَجُلٌ كَارِهَةً فَهَرَبَ بِهَا شَهْرًا أَوْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي مَنَعَهَا لِفَوَاتِ التَّسْلِيمِ لَا لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ الْفَوَاتَ مَا جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا، وَالرَّتْقَاءُ وَالْقَرْنَاءُ لَهُمَا النَّفَقَةُ بَعْدَ النُّقْلَةِ وَقَبْلَهَا إذَا طَلَبَتَا وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمَا الِامْتِنَاعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهُمَا النَّفَقَةَ بَعْدَ الِانْتِقَالِ فَأَمَّا قَبْلَ الِانْتِقَالِ فَلَا نَفَقَةَ لَهُمَا، وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّسْلِيمَ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِمَا قَبْلَ الِانْتِقَالِ وَبَعْدَهُ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا قَبِلَهُمَا مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فَقَدْ رَضِيَ بِالتَّسْلِيمِ الْقَاصِرِ كَمَا قَالَ فِي الْمَرِيضَةِ، إلَّا أَنَّ هَهُنَا قَالَ: لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا، وَقَالَ فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي يَنْتَفِعُ بِهَا فِي الْخِدْمَةِ وَالْمَرِيضَةِ الَّتِي يَسْتَأْنِسُ بِهَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ فِي حَقِّهِمَا مُوجِبًا تَسْلِيمَ مِثْلِهِمَا وَهُوَ التَّمْكِينُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ دُونَ الْوَطْءِ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ التَّسْلِيمِ يَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ كَتَسْلِيمِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمُحْرِمَةِ وَالصَّائِمَةِ مَعَ مَا أَنَّ التَّسْلِيمَ الْمُطْلَقَ يُتَصَوَّرُ مِنْهُمَا بِوَاسِطَةِ إزَالَةِ الْمَانِعِ مِنْ الرَّتَقِ وَالْقَرَنِ بِالْعِلَاجِ فَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا وَطْئًا، وَلَوْ حَجَّتْ الْمَرْأَةُ حَجَّةَ فَرِيضَةٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ النُّقْلَةِ فَإِنْ حَجَّتْ بِلَا مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ؛ فَهِيَ نَاشِزَةٌ وَإِنْ حَجَّتْ مَعَ مَحْرَمٍ لَهَا دُونَ الزَّوْجِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهَا امْتَنَعَتْ مِنْ التَّسْلِيمِ بَعْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ فَصَارَتْ كَالنَّاشِزَةِ، وَإِنْ كَانَتْ انْتَقَلَتْ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ ثُمَّ حَجَّتْ مَعَ مَحْرَمٍ لَهَا دُونَ الزَّوْجِ فَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهَا النَّفَقَةُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ التَّسْلِيمَ قَدْ فَاتَ بِأَمْرٍ مِنْ قِبَلِهَا وَهُوَ خُرُوجُهَا فَلَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ كَالنَّاشِزَةِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّسْلِيمَ الْمُطْلَقَ قَدْ حَصَلَ بِالِانْتِقَالِ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ ثُمَّ فَاتَ بِعَارِضِ أَدَاءِ فَرْضٍ وَهَذَا لَا يُبْطِلُ النَّفَقَةَ كَمَا لَوْ انْتَقَلَتْ إلَى مَنْزِلِ زَوْجِهَا ثُمَّ لَزِمَهَا صَوْمُ رَمَضَانَ أَوْ نَقُولُ حَصَلَ التَّسْلِيمُ الْمُطْلَقُ بِالِانْتِقَالِ ثُمَّ فَاتَ لِعُذْرٍ فَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ كَالْمَرِيضَةِ ثُمَّ إذَا وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ يَفْرِضُ لَهَا الْقَاضِي نَفَقَةَ الْإِقَامَةِ لَا نَفَقَةَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا نَفَقَةُ الْحَضَرِ فَأَمَّا زِيَادَةُ الْمُؤْنَةِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمَرْأَةُ فِي السَّفَرِ مِنْ الْكِرَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهِيَ عَلَيْهَا لَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لِأَدَاءِ الْفَرْضِ، وَالْفَرْضُ عَلَيْهَا فَكَانَتْ تِلْكَ الْمُؤْنَةِ عَلَيْهَا لَا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ مَرِضَتْ فِي الْحَضَرِ كَانَتْ الْمُدَاوَاةُ عَلَيْهَا لَا عَلَى الزَّوْجِ فَإِنْ جَاوَرَتْ بِمَكَّةَ أَوْ أَقَامَتْ بِهَا بَعْدَ أَدَاءِ الْحَجِّ إقَامَةً لَا تَحْتَاجُ إلَيْهَا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَعْذُورَةٍ فِي ذَلِكَ فَصَارَتْ كَالنَّاشِزَةِ فَإِنْ طَلَبَتْ نَفَقَةَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ قَدْرَ الذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ؛ لَمْ يَكُنْ عَلَى الزَّوْجِ ذَلِكَ وَلَكِنْ يُعْطِيهَا نَفَقَةَ شَهْرٍ وَاحِدٍ فَإِذَا عَادَتْ أَخَذَتْ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ لَهَا نَفَقَةُ الْإِقَامَةِ لَا نَفَقَةُ السَّفَرِ، وَنَفَقَةُ الْإِقَامَةِ تُفْرَضُ لَهَا كُلَّ شَهْرٍ فَشَهْرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>