وَهَذِهِ الْجُمْلَةِ لَا تَتَفَرَّعُ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ هَذَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ الزَّوْجُ مَعَهَا إلَى الْحَجِّ، فَأَمَّا إذَا خَرَجَ فَلَهَا النَّفَقَةُ بِلَا خِلَافٍ لِوُجُودِ التَّسْلِيمِ الْمُطْلَقِ لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَطْئًا وَاسْتِمْتَاعًا فِي الطَّرِيقِ فَصَارَتْ كَالْمُقِيمَةِ فِي مَنْزِلِهِ، وَلَوْ آلَى مِنْهَا أَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ قَائِمٌ وَالتَّسْلِيمَ مَوْجُودٌ وَلِتَمَكُّنِهِ مِنْ وَطْئِهَا وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهَا بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ فِي الْإِيلَاءِ وَبِوَاسِطَةِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ فِي الظِّهَارِ فَوُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَشَرْطُ وُجُوبِهَا فَتَجِبُ، وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَ امْرَأَتِهِ أَوْ عَمَّتَهَا أَوْ خَالَتَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى دَخَلَ بِهَا؛ فُرِّقَ بَيْنَهُمْ وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَزِلَهَا مُدَّةَ عِدَّةِ أُخْتِهَا فَلِامْرَأَتِهِ النَّفَقَةُ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَشَرْطِهِ وَهُوَ التَّسْلِيمُ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِعَارِضٍ يَزُولُ فَأَشْبَهَ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ وَصَوْمَ رَمَضَانَ وَلَا نَفَقَةَ لِأُخْتِهَا وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَخْرُجُ مَا إذَا تَزَوَّجَ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ أَمَةً أَوْ قِنَّةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَنَّهُ إنْ بَوَّأَهَا الْمَوْلَى تَجِبُ النَّفَقَةُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ وَهُوَ حَقُّ الْحَبْسِ وَشَرْطُهُ وَهُوَ التَّسْلِيمُ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ التَّبْوِئَةِ؛ لِأَنَّ التَّبْوِئَةَ هُوَ أَنْ يُخَلِّيَ الْمَوْلَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا فِي مَنْزِلِ زَوْجِهَا لَا يَسْتَخْدِمُهَا فَإِذَا كَانَتْ مَشْغُولَةً بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى؛ لَمْ تَكُنْ مَحْبُوسَةً عِنْدَ الزَّوْجِ وَلَا مُسَلَّمَةً إلَيْهِ وَلَا يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى التَّبْوِئَةِ؛ لِأَنَّ خِدْمَتَهَا حَقُّ الْمَوْلَى فَلَا يُجْبَرُ الْإِنْسَانُ عَلَى إيفَاءِ حَقِّ نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ فَإِنْ بَوَّأَهَا الْمَوْلَى ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا فَلَهُ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ خِدْمَتَهَا حَقُّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ وَإِنَّمَا أَعَارَهَا لِلزَّوْجِ بِالتَّبْوِئَةِ وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَسْتَرِدَّ عَارِيَّتَهُ وَلَا نَفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ مُدَّةَ الِاسْتِخْدَامِ لِفَوَاتِ التَّسْلِيمِ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى، وَلَوْ بَوَّأَهَا مَوْلَاهَا بَيْتَ الزَّوْجِ فَكَانَتْ تَجِيءُ فِي أَوْقَاتٍ إلَى مَوْلَاهَا فَتَخْدُمُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا قَالُوا لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِرْدَادَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالِاسْتِخْدَامِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْخِدْمَةِ لَا يَقْدَحُ فِي التَّسْلِيمِ كَالْحُرَّةِ إذَا خَرَجَتْ إلَى مَنْزِلِ أَبِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى حَتَّى جَازَ الْعَقْدُ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّبْوِئَةُ؛ لِأَنَّ خِدْمَتَهَا لَيْسَتْ حَقَّ الْمَوْلَى؛ إذْ لَا حَقَّ لِلْمَوْلَى فِي مَنَافِعِهَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا فَكَانَتْ فِي مَنَافِعِهَا كَالْحُرَّةِ فَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى التَّسْلِيمِ وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ النَّفَقَةُ.
وَالْعَبْدُ إذَا تَزَوَّجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى حُرَّةً أَوْ أَمَةً فَهُوَ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ كَالْحُرِّ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ حَقُّ الْحَبْسِ وَشَرْطُهُ وَهُوَ التَّسْلِيمُ؛ وَلِهَذَا اسْتَوَيَا فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّفَقَةَ إذَا صَارَتْ مَفْرُوضَةً عَلَى الْعَبْدِ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ؛ يُبَاعُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى فَيَسْقُطَ حَقُّ الْغَرِيمِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَيَبْدَأُ بِهَا قَبْلَ الْغَلَّةِ لِمَوْلَاهُ فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى ضَرَبَ عَلَيْهِ ضَرِيبَةً فَإِنَّ نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ تُقَدَّمُ عَلَى ضَرِيبَةِ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهَا بِالْفَرْضِ صَارَتْ دَيْنًا فِي رَقَبَتِهِ حَتَّى يُبَاعَ بِهَا فَأَشْبَهَ سَائِرَ الدُّيُونِ بِخِلَافِ الْغَلَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْبَيْعِ؛ بَطَلَتْ النَّفَقَةُ وَلَا يُؤْخَذُ الْمَوْلَى بِشَيْءٍ لِفَوَاتِ مَحَلِّ التَّعْلِيقِ فَيَبْطُلُ التَّعْلِيقُ كَالْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا هَلَكَ يَبْطُلُ الدَّيْنُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ وَكَذَلِكَ إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ إذَا قُتِلَ كَانَتْ النَّفَقَةُ فِي قِيمَتِهِ وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْقِيمَةَ قَامَتْ مَقَامَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُهُ فَتَقُومُ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ هُوَ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا تُقَامُ مَقَامَ الرَّقَبَةِ فِي الدُّيُونِ الْمُطْلَقَةِ لَا فِيمَا يَجْرِي مَجْرَى الصِّلَاتِ، وَالنَّفَقَةُ تَجْرِي مَجْرَى الصِّلَاتِ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا - لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَسَائِرِ الصِّلَاتِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا فَقُتِلَ خَطَأً؛ سَقَطَتْ عِنْدَنَا وَلَا تُقَامُ الدِّيَةُ مَقَامَهُ فَكَذَا إذَا كَانَ عَبْدًا وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ - لِمَا قُلْنَا - غَيْرَ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُبَاعُونَ؛ لِأَنَّ دُيُونَهُمْ تَتَعَلَّقُ بِأَكْسَابِهِمْ لَا بِرِقَابِهِمْ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهَا مِنْ رِقَابِهِمْ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ بِالْبَيْعِ، وَرِقَابُهُمْ لَا تَحْتَمِلُ الْبَيْعَ.
وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَعِنْدَنَا يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ كَالْقِنِّ لِتَصَوُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ رَقَبَتِهِ لِاحْتِمَالِ الْعَجْزِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَجَزَ يَعُودُ قِنًّا فَيَسْعَى فِيهَا مَا دَامَ مُكَاتَبًا فَإِذَا قُضِيَ بِعَجْزِهِ وَصَارَ قِنًّا يُبَاعُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى كَمَا فِي الْكِتَابَةِ.
وَأَمَّا الْمُعْتَقُ الْبَعْضِ فَهُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْعَجْزُ وَالْبَيْعُ فِي الدَّيْنِ فَيَسْعَى فِي نَفَقَتِهَا وَعِنْدَهُمَا هُوَ حُرٌّ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ حُرَّةٍ يَكُونُ حُرًّا فَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ نَفَقَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute