للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُرِّ وَتَكُونُ عَلَى الْأُمِّ نَفَقَتُهُ إنْ كَانَتْ غَنِيَّةً وَإِنْ كَانَتْ مُحْتَاجَةً فَعَلَى مَنْ يَرِثُ الْوَلَدَ مِنْ الْقَرَابَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ فَيَكُونُ عَبْدًا لِمَوْلَاهَا فَلَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ نَفَقَتُهُ، وَكَذَلِكَ الْحُرُّ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا فَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى مَوْلَى الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُمْ مَمَالِيكُهُ، وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرَةُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي هَذَا كَالْأَمَةِ الْقِنَّةِ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ كَانَ مَوْلَى الْأَمَةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَقِيرًا وَالزَّوْجُ أَبَ الْوَلَدِ غَنِيًّا لَا يُؤْمَرُ الْأَبُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى وَلَدِهِ بَلْ إمَّا أَنْ يَبِيعَهُ مَوْلَاهُ أَوْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ قِنَّةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ مُدَبَّرَةٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ يُنْفِقُ الْأَبُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى إذَا أَيْسَرَ لِتَعَذُّرِ الْجَبْرِ عَلَى الْبَيْعِ هَهُنَا لِعَدَمِ قَبُولِ الْمَحَلِّ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً فَنَفَقَةُ أَوْلَادِهَا لَا تَجِبُ عَلَى زَوْجِهَا وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْأُمِّ الْمُكَاتَبَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبَةِ مِلْكُ الْمَوْلَى رَقَبَةً وَهُوَ حَقُّ الْمُكَاتَبَةِ كَسْبًا.

أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَسْتَعِينُ بِأَكْسَابِهِ فِي رَقَبَتِهَا وَعِتْقِهَا وَإِذَا كَانَتْ أَكْسَابُهُ حَقًّا لَهَا؛ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْإِنْسَانِ تَتْبَعُ كَسْبَهُ قَالَ النَّبِيُّ «إنَّ أَطْيَبَ مَا يَأْكُلُ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ» وَإِنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْبِنْتَ يَجِبُ لَهَا عَلَى أَبِيهَا دَيْنٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَجِبَ عَلَى عَبْدِ أَبِيهَا وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَنَفَقَتُهُمَا جَمِيعًا عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِلْكُ الْمَوْلَى وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

وَالْكِتَابِيَّةُ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْمُسْلِمِ كَالْمُسْلِمَةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَشَرْطِهِ وَالذِّمِّيُّ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ لِزَوْجَتِهِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ مَحَارِمِهِ كَالْمُسْلِمِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الْوُجُوبِ وَشَرْطِهِ وَلِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ دَلَائِلِ الْوُجُوبِ لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فِي النَّفَقَةِ وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ «وَإِذَا قَبِلُوا عَقْدَ الذِّمَّةِ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ» وَعَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ فَهَكَذَا عَلَى الذِّمِّيِّ.

وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ مَحَارِمِهِ فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهَا إذَا طَلَبَتْ النَّفَقَةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالنَّفَقَةِ لَهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَا يَقْضِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا النِّكَاحَ فَاسِدٌ عِنْدَهُمْ.

وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَهُمْ حَتَّى قَالَ إنَّهُمَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمَا قَبْلَ أَنْ يَتَرَافَعَا أَوْ يُسْلِمَ أَحَدُهُمَا، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ هَذَا النِّكَاحَ فَاسِدٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ أَبُو حَنِيفَةَ النَّفَقَةَ مَعَ فَسَادِ هَذَا النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُمَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ مَعَ فَسَادِهِ عِنْدَهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: إنِّي أَفْرِضُ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ لِكُلِّ امْرَأَةٍ أُقِرَّتْ عَلَى نِكَاحِهَا جَائِزًا كَانَ النِّكَاحُ عِنْدِي أَوْ بَاطِلًا، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّهُ عَلَى نِكَاحِهَا فَقَدْ أَلْحَقَ هَذَا النِّكَاحَ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ فِي حَقِّ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَقَدْ يُلْحَقُ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ بِالصَّحِيحِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ مِنْ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَيَسْتَوِي فِي اسْتِحْقَاقِ هَذِهِ النَّفَقَةِ الْمُعْسِرَةُ وَالْمُوسِرَةُ فَتَسْتَحِقُّ الزَّوْجَةُ النَّفَقَةَ عَلَى زَوْجِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَشَرْطِهِ وَلِأَنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ لَهَا شَبَهٌ بِالْأَعْوَاضِ فَيَسْتَوِي فِيهَا الْفَقِيرُ وَالْغَنِيُّ كَنَفَقَةِ الْقَاضِي وَالْمُضَارِبِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْمَحَارِمِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ لِلْغَنِيِّ لِأَنَّهَا تَجِبُ صِلَةً مَحْضَةً لِمَكَانِ الْحَاجَةِ فَلَا تَجِبُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ وَتَجِبُ هَذِهِ النَّفَقَةُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي لَكِنَّهَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي، وَنَفَقَةُ الْوَالِدِينَ وَالْمَوْلُودِينَ تَجِبُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ يُذْكَرُ فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَلَا نَفَقَةَ لِلنَّاشِزَةِ لِفَوَاتِ التَّسْلِيمِ بِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا وَهُوَ النُّشُوزُ وَالنُّشُوزُ فِي النِّكَاحِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْ الزَّوْجِ بِغَيْرِ حَقٍّ خَارِجَةً مِنْ مَنْزِلِهِ بِأَنْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَغَابَتْ أَوْ سَافَرَتْ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي مَنْزِلِهِ وَمَنَعَتْ نَفْسَهَا فِي رِوَايَةٍ فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ لِحَقِّهِ مُنْتَفِعٌ بِهَا ظَاهِرًا وَغَالِبًا فَكَانَ مَعْنَى التَّسْلِيمِ حَاصِلًا وَالنُّشُوزُ فِي الْعِدَّةِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِ الْعِدَّةِ مُرَاغِمَةً لِزَوْجِهَا أَوْ تَخْرُجَ لِمَعْنًى مِنْ قِبَلِهَا وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ كَانَتْ تَبْدُو عَلَى أَحْمَائِهَا فَنَقَلَهَا النَّبِيُّ إلَى بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا نَفَقَةً وَلَا سُكْنَى» ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ كَانَ بِمَعْنًى مِنْ قِبَلِهَا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا خَرَجَتْ بِنَفْسِهَا مُرَاغِمَةً لِزَوْجِهَا.

وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الشَّرْطُ الَّذِي يَخُصُّ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ فَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ وُجُوبُ الْعِدَّةِ بِفُرْقَةٍ حَاصِلَةٍ مِنْ قِبَلِهَا بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَقَدْ مَرَّ، وَجْهُ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَكُلُّ امْرَأَةٍ لَهَا النَّفَقَةُ فَلَهَا الْكِسْوَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٣٣] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>