للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَدُّ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى ابْنِهِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْجَدِّ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ إذَا كَانَ الْأَبُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ ابْنِهِ فَنَفَقَةُ أَوْلَادِهِ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ بِأَنْ كَانَ زَمِنًا قُضِيَ بِنَفَقَتِهِمْ عَلَى الْجَدِّ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ نَفَقَةَ أَبِيهِمْ فَكَذَا نَفَقَتُهُمْ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ فِي صَغِيرٍ لَهُ وَالِدٌ مُحْتَاجٌ وَهُوَ زَمِنٌ فُرِضَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى قَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ دُونَ قَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ كُلُّ مَنْ أَجْبَرْته عَلَى نَفَقَةِ الْأَبِ أَجْبَرْته عَلَى نَفَقَةِ الْغُلَامِ إذَا كَانَ زَمِنًا؛ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ زَمِنًا كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى قَرَابَتِهِ فَكَذَا نَفَقَةُ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ قَضَيْت بِنَفَقَتِهِ عَلَى أَبِيهِ وَأَمَرْت الْخَالَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَيَكُونَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَرَابَةِ الْأَبِ وَقَرَابَةِ الْأُمِّ أَنَّ قَرَابَةَ الْأَبِ تَجِبُ عَلَيْهِمْ نَفَقَةُ الْأَبِ إذَا كَانَ زَمِنًا فَكَذَا نَفَقَةُ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَأَمَّا قَرَابَةُ الْأُمِّ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ نَفَقَةُ الْأَبِ وَلَا نَفَقَةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُنْفِقُ هُوَ الِابْنَ وَهُوَ مُعْسِرٌ مُكْتَسِبٌ يُنْظَرُ فِي كَسْبِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ قُوتِهِ يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى الْأَبِ مِنْ الْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إحْيَائِهِ مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَفْضُلُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ يُؤْمَرُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ﷿ أَنْ يُوَاسِيَ أَبَاهُ؛ إذْ لَا يَحْسُنُ أَنْ يَتْرُكَ أَبَاهُ ضَائِعًا جَائِعًا يَتَكَفَّفُ النَّاسَ وَلَهُ كَسْبٌ وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَتُفْرَضَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ إذَا طَلَبَ الْأَبُ الْفَرْضَ أَوْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ فِي النَّفَقَةِ إذَا طَلَبَ الْأَبُ ذَلِكَ قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ: إنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ أَصَابَ النَّاسَ السَّنَةُ لَأَدْخَلْت عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ مِثْلَهُمْ فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَهْلِكُوا عَلَى أَنْصَافِ بُطُونِهِمْ وَقَالَ النَّبِيُّ «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ» وَجْهُ قَوْلِ الْعَامَّةِ أَنَّ الْجَبْرَ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَالْإِشْرَاكِ فِي نَفَقَةِ الْوَلَدِ الْمُعْسِرِ يُؤَدِّي إلَى إعْجَازِهِ عَنْ الْكَسْبِ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ لَا يَقُومُ إلَّا بِكَمَالِ الْقُوَّةِ وَكَمَالُ الْقُوَّةِ بِكَمَالِ الْغِذَاءِ فَلَوْ جَعَلْنَاهُ نِصْفَيْنِ؛ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَسْبِ وَفِيهِ خَوْفُ هَلَاكِهِمَا جَمِيعًا، وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ الِابْنُ يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ رَجُلٍ غَنِيٍّ يُعْطِيهِ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا أَوْ رَغِيفَيْنِ أَيُؤْمَرُ الِابْنُ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدَهُمَا أَبَاهُ؟ قَالَ: لَا يُؤْمَرُ بِهِ، وَلَوْ قَالَ الْأَبُ لِلْقَاضِي: إنَّ ابْنِي هَذَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَكْتَسِبَ مَا يَفْضُلُ عَنْ كَسْبِهِ مِمَّا يُنْفِقُ عَلَيَّ لَكِنَّهُ يَدَعُ الْكَسْبَ عَمْدًا يَقْصِدُ بِذَلِكَ عُقُوقِي؛ يَنْظُرُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ: فَإِنْ كَانَ الْأَبُ صَادِقًا فِي مَقَالَتِهِ أَمَرَ الِابْنَ بِأَنْ يَكْتَسِبَ فَيُنْفِقَ عَلَى أَبِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَادِقًا بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى اكْتِسَابِ زِيَادَةٍ؛ تَرَكَهُ، هَذَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ وَاحِدًا.

فَإِنْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَزَوْجَةٌ وَلَا يَفْضُلُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ يُنْفِقُ عَلَى أَبِيهِ فَطَلَبَ الْأَبُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُدْخِلَهُ فِي النَّفَقَةِ عَلَى عِيَالِهِ يُدْخِلُهُ الْقَاضِي هَهُنَا؛ لِأَنَّ إدْخَالَ الْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ لَا يُخِلُّ بِطَعَامِهِمْ خَلَلًا بَيِّنًا بِخِلَافِ إدْخَالِ الْوَاحِدِ عَلَى الْوَاحِدِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ فَأَمَّا إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ بِأَنْ كَانَ زَمِنًا يُشَارِكُ الِابْنَ فِي قُوتِهِ وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ فَيَأْكُلُ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُشَارَكَةِ خَوْفُ الْهَلَاكِ وَفِي تَرْكِ الْمُشَارَكَةِ خَوْفُ هَلَاكِ الْأَبِ فَتَجِبُ الْمُشَارَكَةُ وَكَذَلِكَ الْأُمُّ إذَا كَانَتْ فَقِيرَةً تَدْخُلُ عَلَى ابْنِهَا فَتَأْكُلُ مَعَهُ لَكِنْ لَا يُفْرَضُ لَهُمَا عَلَيْهِ نَفَقَةٌ عَلَى حِدَةٍ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا فَنَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا اتِّحَادُ الدِّينِ فِي غَيْرِ قَرَابَةِ الْوِلَادِ مِنْ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَلَا تَجْرِي النَّفَقَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فِي هَذِهِ الْقَرَابَةِ فَأَمَّا فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ فَاتِّحَادُ الدِّينِ فِيهِمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ آبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَيَجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ الَّذِينَ أُعْطِيَ لَهُمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ بِإِسْلَامِ أُمِّهِمْ وَنَفَقَةُ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ وُجُوبَ هَذِهِ النَّفَقَةِ عَلَى طَرِيقِ الصِّلَةِ وَلَا تَجِبُ صِلَةُ رَحِمِ غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدِّينِ وَتَجِبُ صِلَةُ رَحِمِ الْوَالِدَيْنِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِقَتْلِ أَخِيهِ الْحَرْبِيِّ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ بِقَتْلِ أَبِيهِ الْحَرْبِيِّ وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ فِي الْوَالِدَيْنِ الْكَافِرَيْنِ ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: ١٥] وَلَمْ يَرِدْ مِثْلُهُ فِي غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ وَالثَّانِي: أَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ بِحَقِّ الْوِلَادَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوِلَادَةَ تُوجِبُ الْجُزْئِيَّةِ وَالْبَعْضِيَّةَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ؛ فَلَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ وَالْوُجُوبُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ بِحَقِّ الْوِرَاثَةِ وَلَا وِرَاثَةَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدِّينِ

<<  <  ج: ص:  >  >>