وَلَمْ يَرْكَعْ وَسَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَسَجَدَ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ سُجُودَهُ الْأَوَّلَ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ لِحُصُولِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَلَمْ يَقَعْ مُعْتَدًّا بِهِ، فَإِذَا قَرَأَ وَرَكَعَ تَوَقَّفَ هَذَا الرُّكُوعُ عَلَى أَنْ يَتَقَيَّدَ بِسُجُودِهِ بَعْدَهُ، فَإِذَا سَجَدَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ تَقَيَّدَ ذَلِكَ الرُّكُوعُ بِهِ فَصَارَ مُصَلِّيًا رَكْعَةً.
وَكَذَلِكَ إنْ رَكَعَ فِي الْأُولَى وَلَمْ يَسْجُدْ، ثُمَّ رَكَعَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَسْجُدْ، وَسَجَدَ فِي الثَّالِثَةِ وَلَمْ يَرْكَعْ - فَلَا شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً لِمَا مَرَّ غَيْرَ أَنَّ هَذَا السُّجُودَ يَلْتَحِقُ بِالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ أَمْ بِالثَّانِي؟ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ عَلَى مَا مَرَّ، وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِإِدْخَالِهِ الزِّيَادَةَ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ إدْخَالَ الزِّيَادَةِ فِي الصَّلَاةِ نَقْصٌ فِيهَا، وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ: زِيَادَةُ السَّجْدَةِ الْوَاحِدَةِ كَزِيَادَةِ الرَّكْعَةِ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ السَّجْدَةَ الْوَاحِدَةَ قُرْبَةٌ وَهِيَ سُجُودُ الشُّكْرِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ إلَّا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ، ثُمَّ إدْخَالُ الرُّكُوعِ الزَّائِدِ أَوْ السُّجُودِ الزَّائِدِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ لَا تَفْسُدُ بِوُجُودِ أَفْعَالِهَا بَلْ بِوُجُودِ مَا يُضَادُّهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَ رَكْعَةً كَامِلَةً؛ لِأَنَّهَا فِعْلُ صَلَاةٍ كَامِلٌ، فَانْعَقَدَ نَفْلًا فَصَارَ مُنْتَقِلًا إلَيْهِ فَلَا يَبْقَى فِي الْفَرْضِ ضَرُورَةٌ لِمَكَانِ فَسَادِ فَرْضٍ بِهَذَا الطَّرِيقِ لَا بِطَرِيقِ الْمُضَادَّةِ، بِخِلَافِ زِيَادَةِ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفِعْلٍ كَامِلٍ لِيَصِيرَ مُنْتَقِلًا إلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا بِوُجُودِ مَا يُضَادُّهَا، أَوْ بِالِانْتِقَالِ إلَى غَيْرِهَا، وَقَدْ انْعَدَمَ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَقَامَ إلَى الْخَامِسَةِ - فَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ يَعُودُ إلَى الْقَعْدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُقَيِّدْ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ لَمْ يَكُنْ رَكْعَةً فَلَمْ يَكُنْ فِعْلَ صَلَاةٍ كَامِلًا، وَمَا لَمْ يَكْمُلْ بَعْدُ فَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ عَلَى الِاسْتِقْرَارِ فَكَانَ قَابِلًا لِلرَّفْعِ، وَيَكُونُ رَفْعُهُ فِي الْحَقِيقَةِ دَفْعًا وَمَنْعًا عَنْ الثُّبُوتِ، فَيُدْفَعُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الْفَرْضِ وَهُوَ الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فَسُبِّحَ بِهِ فَعَادَ، وَإِنْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ لَا يَعُودُ وَفَسَدَ فَرْضُهُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَفْسُدُ فَرْضُهُ وَيَعُودُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ عِنْدَهُ بِمَحَلِّ النَّقْصِ، وَبِهِ حَاجَةٌ إلَى النَّقْصِ لِبَقَاءِ فَرْضٍ عَلَيْهِ وَهُوَ الْخُرُوجُ بِلَفْظِ السَّلَامِ، وَأَنَّا نَقُولُ: وُجِدَ فِعْلٌ كَامِلٌ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ انْعَقَدَ نَفْلًا فَصَارَ بِهِ خَارِجًا عَنْ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ حُصُولِهِ فِي النَّفْلِ خُرُوجَهُ عَنْ الْفَرْضِ لِتَغَايُرِهُمَا فَيَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ فِيهِمَا وَقَدْ حَصَلَ فِي النَّفْلِ فَصَارَ خَارِجًا عَنْ الْفَرْضِ ضَرُورَةً.
وَلَوْ تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأُولَى مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَقَامَ إلَى الثَّالِثَةِ فَإِنْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا لَا يَعُودُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَامَ مِنْ الثَّانِيَةِ إلَى الثَّالِثَةِ وَلَمْ يَقْعُدْ فَسَبَّحُوا بِهِ فَلَمْ يَعُدْ وَلَكِنْ سَبَّحَ بِهِمْ فَقَامُوا، وَمَا رُوِيَ أَنَّهُمْ سَبَّحُوا بِهِ فَعَادَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا وَكَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَلِأَنَّ الْقِيَامَ فَرِيضَةٌ وَالْقَعْدَةَ الْأُولَى وَاجِبَةٌ فَلَا يُتْرَكُ الْفَرْضُ لِمَكَانِ الْوَاجِبِ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا جَوَازَ الِانْتِقَالِ مِنْ الْقِيَامِ إلَى سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِالْأَثَرِ لِحَاجَةِ الْمُصَلِّي إلَى الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ - تَعَالَى -، وَإِظْهَارِ مُخَالَفَةِ مَنْ عَصَاهُ، وَاسْتَنْكَفَ عَنْ سَجْدَتِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا فَإِنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ لِوُجُودِ حَدِّ الْقِيَامِ وَهُوَ انْتِصَابُ النِّصْفِ الْأَعْلَى وَالنِّصْفِ الْأَسْفَلِ جَمِيعًا، وَمَا بَقِيَ مِنْ الِانْحِنَاءِ فَقَلِيلٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَإِنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ يَقْعُدُ لِانْعِدَامِ الْقِيَامِ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ.
وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ هَلْ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ أَمْ لَا؟ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، كَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْبُخَارِيُّ يَقُولُ: لَا يَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ كَانَ كَأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْعُدَ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ مَشَايِخِنَا: إنَّهُ يَسْجُدُ؛ لِأَنَّهُ بِقَدْرِ مَا اشْتَغَلَ بِالْقِيَامِ أَخَّرَ وَاجِبًا وَجَبَ وَصْلُهُ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ الرُّكْنِ فَلَزِمَهُ سُجُودُ السَّهْوِ.
(وَأَمَّا) الْأَذْكَارُ فَنَقُولُ: إذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ قَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيَّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ هَذَا عِنْدِي أَدَاءٌ وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الْقِرَاءَةُ فِي رَكْعَتَيْنِ غَيْرَ عَيْنٍ، فَإِذَا قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ كَانَ مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّهُ يَكُونُ قَاضِيًا وَمَسَائِلُ الْأَصْلِ تَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُسَافِرِ إذَا اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرَأَ الْإِمَامُ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ.
وَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ فِي الْأُولَيَيْنِ أَدَاءً لَجَازَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُفْتَرِضِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْقِرَاءَةُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَضَاءً عَنْ الْأُولَيَيْنِ الْتَحَقَتْ بِالْأُولَيَيْنِ فَحَلَّتْ الْأُخْرَيَانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ الْمَفْرُوضَةِ، فَيَصِيرُ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute