للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَاجِبِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ إلَّا أَنَّ هَذَا الطَّعْنَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ جَانِبَ الْعَمْدِ يُخْرِجُ وَجَانِبَ الشَّكِّ مَسْكُوتٌ عَنْهُ لَا يُخْرِجُ وَلَا يَمْنَعُ غَيْرَهُ عَنْ الْإِخْرَاجِ، فَلَا يَقَعُ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالرُّكْنِ.

وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّعَارُضُ أَنْ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُخْرِجًا وَالْآخَرُ مُبْقِيًا، وَهَهُنَا جَانِبُ الْوَاجِبِ يُوجِبُ الْخُرُوجَ، وَجَانِبُ الرُّكْنِ لَا يُوجِبُ وَلَكِنْ لَا يَمْنَعُ غَيْرَهُ عَنْ الْإِخْرَاجِ، فَأَنَّى يَقَعُ التَّعَارُضُ؟ عَلَى أَنَّ كُلَّ سَلَامٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُخْرِجًا؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ مُحَلِّلًا شَرْعًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ : وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ، وَلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْكَلَامِ عَلَى مَا مَرَّ إلَّا أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْإِخْرَاجِ حَالَةَ السَّهْوِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ لِكَثْرَةِ السَّهْوِ وَغَلَبَةِ النِّسْيَانِ، وَلَا يُكْرَهُ سَلَامُ مَنْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ الْوَاجِبَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْوَاجِبَ فَبَقِيَ مُخْرَجًا عَلَى أَصْلِ الْوَضْعِ، وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نَحْكُمْ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ حَتَّى لَوْ أَتَى بِالصُّلْبِيَّةِ - يَلْزَمُنَا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَأْتِي بِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَيْضًا لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلتِّلَاوَةِ فَكَانَ سَلَامَ عَمْدٍ فِي حَقِّهِ، وَقِرَاءَةُ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فِي هَذَا الْحُكْمِ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ.

وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّلْبِيَةُ بِأَنْ كَانَ مُحْرِمًا وَهُوَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ سَاهِيًا عَنْ الْكُلِّ أَوْ ذَاكِرًا لِلْكُلِّ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَعْدَ السَّلَامِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ بَدَأَ بِالسَّهْوِ ثُمَّ بِالتَّكْبِيرِ ثُمَّ بِالتَّلْبِيَةِ؛ لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَخْتَصُّ بِتَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ، وَالتَّكْبِيرُ يُؤْتَى بِهِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لَا فِي تَحْرِيمَتِهَا، وَالتَّلْبِيَةُ لَا تَخْتَصُّ بِحُرْمَةِ الصَّلَاةِ.

وَلَوْ بَدَأَ بِالتَّلْبِيَةِ سَقَطَ عَنْهُ السَّهْوُ وَالتَّكْبِيرُ، وَكَذَا إذَا لَبَّى بَعْدَ السَّهْوِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ سَقَطَ عَنْهُ التَّكْبِيرُ؛ لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَخْتَصُّ بِتَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ، وَالتَّكْبِيرُ يَخْتَصُّ بِحُرْمَتِهَا، وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِالتَّلْبِيَةِ؛ لِأَنَّهَا كَلَامٌ لِكَوْنِهَا جَوَابًا لِخِطَابِ إبْرَاهِيمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ [الحج: ٢٧] .

وَلَوْ بَدَأَ بِالتَّكْبِيرِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ السَّهْوُ؛ لِأَنَّهُ كَلَامُ قُرْبَةٍ فَلَا يُوجِبُ الْقَطْعَ، وَعَلَيْهِ إعَادَةُ التَّكْبِيرِ بَعْدَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مَوْقِعَهُ، وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهَا وَأَرْكَانِهَا.

وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ صُلْبِيَّةٌ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالسَّهْوِ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّلْبِيَةُ بِأَنْ كَانَ مُحْرِمًا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِلصُّلْبِيَّةِ وَالتِّلَاوَةِ أَوْ لِلصُّلْبِيَّةِ دُونَ التِّلَاوَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ ذَاكِرًا لِلتِّلَاوَةِ دُونَ الصُّلْبِيَّةِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا عَنْهَا لَا يَخْرُجُ عَنْ الصَّلَاةِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا: الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ مِنْهُمَا، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ بَعْدَهُمَا وَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ، ثُمَّ يُلَبِّي لِمَا مَرَّ. وَلَوْ بَدَأَ بِالتَّلْبِيَةِ قَبْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ.

وَلَوْ بَدَأَ بِالتَّكْبِيرِ لَا تَفْسُدُ - لِمَا مَرَّ - وَعَلَيْهِ إعَادَةُ التَّكْبِيرِ بَعْدَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ خَارِجُ الصَّلَاةِ فِي حُرْمَتِهَا، فَإِذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَقَعْ مَوْقِعَهُ فَلِذَلِكَ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ.

(وَأَمَّا) إذَا كَانَ الْمَتْرُوكُ رُكُوعًا فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقَضَاءُ، وَكَذَا إذَا تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ، وَبَيَانُ ذَلِكَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فَقَرَأَ وَسَجَدَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ ثُمَّ قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ فَهَذَا قَدْ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، فَلَا يَكُونُ هَذَا الرُّكُوعُ قَضَاءً عَنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْكَعْ لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ السُّجُودِ لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَالْتَحَقَ السُّجُودُ بِالْعَدَمِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ فَكَانَ أَدَاءُ هَذَا الرُّكُوعِ فِي مَحَلِّهِ، فَإِذَا أَتَى بِالسُّجُودِ بَعْدَهُ صَارَ مُؤَدِّيًا رَكْعَةً تَامَّةً.

وَكَذَا إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ ثُمَّ سَجَدَ - فَهَذَا قَدْ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، وَلَا يَكُونُ هَذَا السُّجُودُ قَضَاءً عَنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ رُكُوعَهُ وَقَعَ مُعْتَبَرًا لِمُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، وَقَدْ وُجِدَتْ إلَّا أَنَّهُ تَوَقَّفَ عَلَى أَنْ تَتَقَيَّدَ بِالسَّجْدَةِ، فَإِذَا قَامَ وَقَرَأَ لَمْ يَقَعْ قِيَامُهُ وَلَا قِرَاءَتُهُ مُعْتَدًّا بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي مَحَلِّهِ فَلَغَا، فَإِذَا سَجَدَ صَادَفَ السُّجُودُ مَحَلَّهُ لِوُقُوعِهِ بَعْدَ رُكُوعٍ مُعْتَبَرٍ فَتَقَيَّدَ رُكُوعُهُ بِهِ، فَقَدْ وُجِدَ انْضِمَامُ السَّجْدَتَيْنِ إلَى الرُّكُوعِ فَصَارَ مُصَلِّيًا رَكْعَةً، وَكَذَا إذَا قَرَأَ أَوْ رَكَعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ، فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَهُ رُكُوعَانِ وَوُجِدَ السُّجُودُ فَيَلْحَقُ بِأَحَدِهِمَا وَيَلْغُو الْآخَرَ، غَيْرَ أَنَّ فِي بَابِ الْحَدَثِ جُعِلَ الْمُعْتَبَرُ الرُّكُوعَ الْأَوَّلَ، وَفِي بَابِ السَّهْوِ مِنْ نَوَادِرِ أَبِي سُلَيْمَانَ جُعِلَ الْمُعْتَبَرُ الرُّكُوعَ الثَّانِيَ، حَتَّى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ الثَّانِيَ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ عَلَى رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ، وَعَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْبَابِ يَصِيرُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ،، وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ بَابِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ رُكُوعَهُ الْأَوَّلَ صَادَفَ مَحَلَّهُ لِحُصُولِهِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، فَوَقَعَ الثَّانِي مُكَرَّرًا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، فَإِذَا سَجَدَ يَتَقَيَّدُ بِهِ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ فَصَارَ مُصَلِّيًا رَكْعَةً.

وَكَذَلِكَ إذَا قَرَأَ

<<  <  ج: ص:  >  >>