الْمَسْجِدِ بِالْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ، وَاخْتِلَافُ الْمَكَانِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ فَكَانَ بَقَاؤُهُ فِيهِ كَبَقَائِهِ فِي مَكَانِ صَلَاتِهِ، وَصَرْفُ الْوَجْهِ عَنْ الْقِبْلَةِ مُفْسِدٌ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْعُذْرِ وَالضَّرُورَةِ، فَأَمَّا فِي حَالِ الْعُذْرِ وَالضَّرُورَةِ فَلَا بِخِلَافِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ مُضَادٌّ لِلصَّلَاةِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْحَالَانِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ تَذَكَّرَ لَا يَعُدْ وَتَفْسُدْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَانِ الصَّلَاةِ مَانِعٌ مِنْ الْبِنَاءِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ فَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ أَنْ يُجَاوِزَ الصُّفُوفَ مِنْ خَلْفِهِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْيَمِينِ أَوْ الْيَسَارِ عَادَ إلَى قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِحُكْمِ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ الْتَحَقَ بِالْمَسْجِدِ، وَلِهَذَا صَحَّ الِاقْتِدَاءُ.
وَإِنْ مَشَى أَمَامَهُ، لَمْ يُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ، وَقِيلَ: إنْ مَشَى قَدْرَ الصُّفُوفِ الَّتِي خَلْفَهُ عَادَ وَبَنَى وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا لِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِالْآخَرِ، وَقِيلَ: إذَا جَاوَزَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ لَا يَعُودُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ فِي حُكْمِ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ فَكَانَ مَانِعًا مِنْ الْبِنَاءِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَإِنْ كَانَ يَعُودُ مَا لَمْ يُجَاوِزْهَا؛ لِأَنَّ دَاخِلَ السُّتْرَةِ فِي حُكْمِ الْمَسْجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا إذَا سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ صُلْبِيَّةٌ فَإِنْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ، أَوْ قِرَاءَةُ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ - فَإِنْ سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهَا سَقَطَتْ عَنْهُ؛ لِأَنَّ سَلَامَهُ سَلَامَ عَمْدٍ فَيُخْرِجُهُ عَنْ الصَّلَاةِ، حَتَّى لَوْ اقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ.
وَلَوْ ضَحِكَ قَهْقَهَةً لَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ، وَلَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَنَوَى الْإِقَامَةَ لَا يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا، وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَكِنَّهَا تُنْتَقَصُ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا عَنْهَا لَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّ سَلَامَ السَّهْوِ لَا يُخْرِجُ عَنْ الصَّلَاةِ، حَتَّى يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَيُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِالْقَهْقَهَةِ، وَيَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا أَرْبَعًا، ثُمَّ الْأَمْرُ فِي الْعَوْدِ إلَى قَضَاءِ السَّجْدَةِ وَقِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الصُّلْبِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّ هَهُنَا لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ مَا خَرَجَ عَنْ الْمَسْجِدِ أَوْ جَاوَزَ الصُّفُوفَ - سَقَطَ عَنْهُ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَرْكَانِ وَقَدْ وُجِدَتْ، إلَّا أَنَّهَا تُنْتَقَصُ لِمَا بَيَّنَّا، ثُمَّ الْعَوْدُ إلَى هَذِهِ الْمَتْرُوكَاتِ وَهِيَ السَّجْدَةُ الصُّلْبِيَّةُ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَقِرَاءَةُ التَّشَهُّدِ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ، حَتَّى لَوْ تَكَلَّمَ أَوْ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، بِخِلَافِ الْعَوْدِ إلَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ.
وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ صُلْبِيَّةٌ وَسَجْدَتَا سَهْوٍ فَإِنْ سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهُمَا أَوْ لِلصُّلْبِيَّةِ خَاصَّةً فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ سَلَامُ عَمْدٍ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا عَنْهَا وَذَاكِرًا لِلسَّهْوِ خَاصَّةً لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، أَمَّا إذَا كَانَ سَاهِيًا عَنْهُمَا فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ ذَاكِرًا لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ فَيَسْجُدَ أَوَّلًا لِلصُّلْبِيَّةِ وَيَتَشَهَّدَ؛ لِأَنَّ تَشَهُّدَهُ اُنْتُقِضَ بِالْعَوْدِ إلَيْهَا، ثُمَّ يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ.
وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالسَّهْوِ فَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لَهُمَا أَوْ لِلتِّلَاوَةِ خَاصَّةً سَقَطَتَا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ سَلَامُ عَمْدٍ فَيُخْرِجُهُ عَنْ الصَّلَاةِ، وَلَكِنْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا عَنْهُمَا أَوْ ذَاكِرًا لِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ خَاصَّةً لَا يَسْقُطَانِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ سَلَامُ سَهْوٍ أَوْ سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ التِّلَاوَةَ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَشَهَّدَ - لِمَا مَرَّ - ثُمَّ يُسَلِّمَ وَيَسْجُدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ.
وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ صُلْبِيَّةٌ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ فَإِنْ كَانَ سَاهِيًا عَنْهُمَا يَعُودُ فَيَقْضِهِمَا الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لَهُمَا أَوْ لِلصُّلْبِيَّةِ خَاصَّةً فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ سَلَامُ عَمْدٍ، وَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِلتِّلَاوَةِ خَاصَّةً فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ مَعَ الصُّلْبِيَّةِ وَالتِّلَاوَةِ سَجْدَتَا السَّهْوِ إنْ كَانَ سَاهِيًا عَنْ الْكُلِّ أَوْ ذَاكِرًا لِلسَّهْوِ خَاصَّةً لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ سَلَامُ سَهْوٍ فَيَعُودُ فَيَقْضِي الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ إنْ كَانَتْ الصُّلْبِيَّةَ أَوَّلًا بَدَأَ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ التِّلَاوَةُ أَوَّلًا بَدَأَ بِهَا عِنْدَهُ، خِلَافًا لِزُفَرَ عَلَى مَا مَرَّ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ بَعْدَهُمَا وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِلصُّلْبِيَّةِ خَاصَّةً فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ سَلَامُ عَمْدٍ، وَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِلتِّلَاوَةِ سَاهِيًا عَنْ الصُّلْبِيَّةِ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمَامِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي الْفَصْلَيْنِ، (وَوَجْهُهُ) أَنَّ سَلَامَهُ فِي حَقِّ الرُّكْنِ سَلَامُ سَهْوٍ وَذَا لَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ، وَبَعْضُ الطَّاعِنِينَ عَلَى مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَرَّرُوا هَذَا الْوَجْهَ فَقَالُوا: إنَّ هَذَا سَلَامُ سَهْوٍ فِي حَقِّ الرُّكْنِ، وَسَلَامُ عَمْدٍ فِي حَقِّ الْوَاجِبِ، وَسَلَامُ السَّهْوِ لَا يُخْرِجُهُ وَسَلَامُ الْعَمْدِ يُخْرِجُهُ فَوَقَعَ الشَّكُّ، وَالتَّحْرِيمَةُ صَحِيحَةٌ فَلَا تَبْطُلُ بِالشَّكِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَاكِرًا لِلصُّلْبِيَّةِ غَيْرَ ذَاكِرٍ لِلتِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ تَرَجَّحَ جَانِبُ الرُّكْنِ عَلَى جَانِبِ الْوَاجِبِ، وَفِيمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ تَرْجِيحُ جَانِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute