مِنْ أَحَدِ الْبَيْتَيْنِ إلَى الْآخَرِ لَمْ يُقْطَعْ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فَإِنْ سَاكَنَهُ فِي حَانُوتٍ فِي السُّوقِ يَعْمَلَانِ فِيهِ عَمَلًا أَوْ يَبِيعَانِ فِيهِ تِجَارَةً فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَإِنَّمَا الْيَمِينُ عَلَى الْمَنَازِلِ الَّتِي هِيَ الْمَأْوَى وَفِيهَا الْأَهْلُ وَالْعِيَالُ.
فَأَمَّا حَوَانِيتُ الْبَيْعِ وَالْعَمَلِ فَلَيْسَ يَقَعُ الْيَمِينُ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّهُ يَنْوِي أَوْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْيَمِينِ بَدَلٌ يَدُلُّ عَلَيْهَا فَتَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِمَا وَمَعَانِيهِمَا لِأَنَّ السُّكْنَى عِبَارَةٌ عَنْ الْمَكَانِ الَّذِي يَأْوِي إلَيْهِ النَّاسُ فِي الْعَادَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ فُلَانٌ يَسْكُنُ السُّوقَ وَإِنْ كَانَ يَتَّجِرُ فِيهَا فَإِنَّهُ جَعَلَ السُّوقَ مَأْوَاهُ قِيلَ إنَّهُ يَسْكُنُ السُّوقَ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ دَلَالَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْيَمِينِ تَرْكَ الْمُسَاكَنَةِ فِي السُّوقِ حُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَلَالَةٌ فَقَالَ نَوَيْت الْمُسَاكَنَةَ فِي السُّوقِ أَيْضًا فَقَدْ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ قَالُوا إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا بِالْكُوفَةِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَسَكَنَ أَحَدَهُمَا فِي دَارٍ وَالْآخَرُ فِي دَارٍ أُخْرَى فِي قَبِيلَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ دَرْبٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى تَجْمَعَهُمَا السُّكْنَى فِي دَارٍ لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ هِيَ الْمُقَارَبَةُ وَالْمُخَالَطَةُ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ إذَا كَانَا فِي دَارَيْنِ وَذَكَرَ الْكُوفَةَ لِتَخْصِيصِ الْيَمِينِ بِهَا حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِمُسَاكَنَتِهِ فِي غَيْرِهَا فَإِنْ قَالَ نَوَيْت أَنْ لَا أَسْكُنَ الْكُوفَةَ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِالْكُوفَةِ صُدِّقَ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ فِي الدَّارِ فَالْيَمِينُ عَلَى الْمُسَاكَنَةِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ أَنَّ مَلَّاحًا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فِي سَفِينَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَهْلُهُ وَمَتَاعُهُ وَاتَّخَذَهَا مَنْزِلَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْبَادِيَةِ إذَا جَمَعَتْهُمْ خَيْمَةٌ.
وَإِنْ تَفَرَّقَتْ الْخِيَامُ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ تَقَارَبَتْ لِأَنَّ السُّكْنَى مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَادَةِ وَعَادَةُ الْمَلَّاحِينَ السُّكْنَى فِي السُّفُنِ وَعَادَةُ أَهْلِ الْبَادِيَةِ السُّكْنَى فِي الْأَخْبِيَةِ فَتُحْمَلُ يَمِينُهُمْ عَلَى عَادَاتِهِمْ وَأَمَّا الْإِيوَاءُ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْوِي مَعَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَأْوِي فِي مَكَان أَوْ دَارٍ أَوْ فِي بَيْتٍ فَالْإِيوَاءُ الْكَوْنُ سَاكِنًا فِي الْمَكَانِ فَأَوَى مَعَ فُلَانٍ فِي مَكَان قَلِيلًا كَانَ الْمُكْثُ أَوْ كَثِيرًا لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا حَنِثَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ فَيَكُونُ عَلَى مَا نَوَى وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَأْوِيهِ وَفُلَانًا بَيْتٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِيوَاءَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَصِيرِ فِي الْمَوْضِعِ قَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾ [هود: ٤٣] أَيْ أَلْتَجِئُ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي قَلِيلِ الْوَقْتِ وَكَثِيرِهِ وَقَدْ كَانَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ: إنَّ الْإِيوَاءَ مِثْلُ الْبَيْتُوتَةِ وَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُقِيمَ فِي الْمَكَانِ أَكْثَرَ اللَّيْلِ لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ الْإِيوَاءَ كَمَا يَذْكُرُونَ الْبَيْتُوتَةَ فَيَقُولُونَ فُلَانٌ يَأْوِي فِي هَذِهِ الدَّارِ كَمَا يَقُولُونَ يَبِيتُ فِيهَا وَأَمَّا إذَا نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَالْأَمْرُ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ الْإِيوَاءَ وَيُرِيدُونَ بِهِ السُّكْنَى وَالْمَقَامَ وَقَدْ رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ قَالَ إنْ آوَانِي وَإِيَّاكَ بَيْتٌ أَبَدًا عَلَى طَرْفَةِ عَيْنٍ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرِ وَقَوْلِنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ فَالْأَمْرُ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّ اللَّفْظَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ.
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا حَلَفَ لَا يَأْوِي فُلَانًا وَقَدْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي عِيَالِ الْحَالِفِ وَمَنْزِلِهِ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يُعِيدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا كَانَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي عِيَالِ الْحَالِفِ فَهَذَا عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ إنْ نَوَى أَنْ لَا يَعُولَهُ فَهُوَ كَمَا نَوَى وَكَذَلِكَ إنْ نَوَى لَا يُدْخِلُهُ عَلَيْهِ بَيْتَهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَأْوِيهِ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ ضَمُّهُ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْزِلِهِ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْقِيَامُ بِأَمْرِهِ فَإِنْ كَانَ فِي اللَّفْظِ دَلِيلٌ عَلَى شَيْءٍ وَإِلَّا يَرْجِعُ إلَى بَيْتِهِ فَإِنْ دَخَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَرَآهُ فَسَكَتَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَإِذَا لَمْ يَأْمُرْهُ لَمْ يُوجَدْ فِعْلُهُ.
وَقَالَ عُمَرُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ الْإِيوَاءُ عِنْدَ الْبَيْتُوتَةِ وَالسُّكْنَى فَإِنْ نَوَى الْمَبِيتَ فَهُوَ عَلَى ذَهَابِ الْأَكْثَرِ مِنْ اللَّيْلِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهُوَ عَلَى ذَهَابِ سَاعَةٍ.
(وَأَمَّا) الْبَيُّوتَةُ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَبِيتُ مَعَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَبِيتُ فِي مَكَانِ كَذَا فَالْمَبِيتُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يَكُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ وَإِذَا كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَحْنَثْ وَسَوَاءٌ نَامَ فِي الْمَوْضِعِ أَوْ لَمْ يَنَمْ لِأَنَّ الْبَيْتُوتَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْكَوْنِ فِي مَكَان أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ أَلَا يُرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَدْخُلُ عَلَى غَيْرِهِ لَيْلًا يُقِيمُ عِنْدَهُ قِطْعَةً مِنْ اللَّيْلِ وَلَا يُقَالُ بَاتَ عِنْدَهُ وَإِذَا أَقَامَ أَكْثَرَ اللَّيْلِ يُقَالُ بَاتَ عِنْدَهُ وَيُقَالُ فُلَانٌ بَائِتٌ فِي مَنْزِلِهِ وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ فِي غَيْرِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ النَّوْمُ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِيهِ لُغَةً كَمَا لَا يَقْتَضِي الْيَقَظَةَ فَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِيهِ وَقَالَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَبِيتُ اللَّيْلَةَ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَقَدْ ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ ثُمَّ بَاتَ بَقِيَّةَ اللَّيْلِ قَالَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْبَيْتُوتَةَ إذَا كَانَتْ تَقَعُ عَلَى أَكْثَرِ اللَّيْلِ فَقَدْ حَلَفَ عَلَى مَا لَا يُتَصَوَّرُ فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute