لَمْ يُقَاصِصْ كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ فَهَهُنَا أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْكَبِيرُ غَيْرَ الْأَبِ بِأَنْ كَانَ أَخًا فَلِلْكَبِيرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ قَبْلَ بُلُوغِ الصَّغِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - تَعَالَى لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ بُلُوغِ الصَّغِيرِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ يَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ ذَكَرْنَاهُ بِدَلَائِلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهَا: الْأُبُوَّةُ فَلِلْأَبِ، وَالْجَدِّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ قِصَاصًا وَجَبَ لِلصَّغِيرِ فِي النَّفْسِ، وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةُ نَظَرٍ وَمَصْلَحَةٍ كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ، فَتَثْبُتَ لِمَنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِكَمَالِ النَّظَرِ وَالْمَصْلَحَةِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ.
(وَأَمَّا) الْوَصِيُّ فَلَا يَلِي اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ بِأَنْ قَتَلَ شَخْصٌ عَبْدَ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَصِيِّ لَا يَصْدُرُ عَنْ كَمَالِ النَّظَرِ وَالْمَصْلَحَةِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ لِقُصُورٍ فِي الشَّفَقَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَبِ، وَالْجَدِّ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ عَلَى مَا نَذْكُرُ، وَلِلْوَصِيِّ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْمَالِ.
(وَمِنْهَا) الْمِلْكُ الْمُطْلَقُ وَقْتَ الْقَتْلِ، فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ إذَا قُتِلَ مَمْلُوكُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ ثَبَتَ لَهُ، وَهُوَ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ مُدَبَّرُهُ، وَمُدَبَّرَتُهُ، وَأُمُّ وَلَدِهِ، وَوَلَدُهَا؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ، وَالِاسْتِيلَادَ يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ الْمُكَاتَبُ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً؛ لِأَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا، فَكَانَ مِلْكُ الْمَوْلَى قَائِمًا وَقْتَ الْقَتْلِ، وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ فِي مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا قُتِلَ عَاجِزًا أَنَّهُ لَا قِصَاصَ، فَفَرَّقَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْمُكَاتَبِ (وَوَجْهُ) الْفَرْقِ أَنَّ مَوْت الْمُكَاتَبِ عَاجِزًا يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْكِتَابَةِ، وَجَعْلَهَا كَأَنْ لَمْ تَكُنْ فَالْقَتْلُ صَادَفَهُ وَهُوَ قِنٌّ، وَمَوْتُ مُعْتَقِ الْبَعْضِ لَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْعِتْقِ إذْ الْإِعْتَاقُ بَعْدَ وُجُودِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَالْقَتْلُ صَادَفَهُ، وَلَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِي كُلِّهِ، وَلَوْ قُتِلَ الْمُكَاتَبُ، وَتَرَكَ وَفَاءً، وَوَرَثَةً أَحْرَارًا سِوَى الْمَوْلَى لَا قِصَاصَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِيه الْمَوْلَى لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي قِيَامِ الْمَوْلَى وَقْتَ الْقَتْلِ، وَلَا الْوَارِثُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ ﵃ أَنَّهُ يَمُوتُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، فَامْتَنَعَ الْوُجُوبُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ حُرٌّ غَيْرَ الْمَوْلَى فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ وَلَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي إجَازَةَ الْبَيْعِ فَلَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لَهُ وَقْتُ الْقَتْلِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْإِجَازَةِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ، وَإِنْ اخْتَارَ فَسْخَ الْبَيْعِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لِلْبَائِعِ الْقِيمَةُ، وَلَا قِصَاصَ لَهُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَهُ وَقْتَ الْقَتْلِ، وَإِنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْفَسْخِ، وَالسَّبَبُ حِينَ وُجُودِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا الْحُكْمَ لَهُ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ بِمَعْنًى وُجِدَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ رَدَّ الْبَيْعِ فَسْخٌ لَهُ مِنْ الْأَصْلِ، وَجَعْلُ إيَّاهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَإِذَا انْفَسَخَ مِنْ الْأَصْلِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ، وَرَدَتْ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَيُوجَبُ الْقِصَاصُ لَهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِهَذَا الْمَعْنَى، إنْ بِالْفَسْخِ يَظْهَرُ أَنَّ الْعَبْدَ وَقْتَ الْقَتْلِ لَمْ يَكُنْ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، وَلَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ الَّذِي هُوَ بَدَلُ الصَّدَاقِ فِي يَدِ الزَّوْجِ، أَوْ بَدَلُ الْخُلْعِ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ، أَوْ بَدَلُ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فِي يَدَيْ الَّذِي صَالَحَ عَلَيْهِ فَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلصَّدَاقِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ إنْ اخْتَارَ إتْبَاعَ الْقَاتِلِ فَقَدْ تَقَرَّرَ مِلْكُهُ، فَيَجِبُ الْقِصَاصُ لَهُ، وَإِنْ طَالَبَ بِالْقِيمَةِ فَالْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ قَدْ انْفَسَخَ، فَيَجِبُ الْقِصَاصُ لِلْآخَرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْبَيْعِ وَلَوْ قُتِلَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَلِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الشَّرْطِ أَوْ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَالْقِصَاصُ لَلْمُشْتَرِي قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَن أَوْ لَمْ يَقْبِضْ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ قَدْ سَقَطَ بِمَوْتِ الْعَبْدِ، وَانْبَرَمَ الْبَيْعُ، وَتَقَرَّرَ الْمِلْكُ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي فَوَجَبَ الْقِصَاصُ لَهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ، كَمَا إذَا قُتِلَ فِي يَدِهِ، وَلَا خِيَارَ فِي الْبَيْعِ أَصْلًا، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَإِنْ شَاءَ أَتْبَعَ الْقَاتِلَ فَقَتَلَهُ قِصَاصًا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ الْقِيمَةَ (وَأَمَّا) اخْتِيَارُ إتْبَاعِ الْقَاتِلِ فَلِأَنَّ الْعَبْدَ وَقْتَ الْقَتْلِ كَانَ مِلْكًا لَهُ.
(وَأَمَّا) اخْتِيَارُ تَضَمُّنِ الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ فَلِأَنَّهُ كَانَ مَضْمُونًا فِي يَدِهِ الْقِيمَةُ، أَلَا تَرَى لَوْ هَلَكَ بِنَفْسِهِ فِي يَدِهِ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ؟ وَلَا قِصَاصَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ هَلَكَ الْعَبْدُ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ لَهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ، وَالْمُسْتَنَدُ يَظْهَرُ مِنْ وَجْهٍ، وَيَقْتَصِرُ مِنْ وَجْهٍ فَشِبْهُ الظُّهُورِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْقِصَاصِ لَهُ، وَشِبْهُ الِاسْتِنَادِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجِبَ، فَتَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فِي الْوُجُوبِ لَهُ فَلَا يَجِبُ، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ إذَا قُتِلَ فِي يَدَيْ الْغَاصِبِ وَاخْتَارَ الْمَالِكُ تَضْمِينَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْغَاصِبِ الْقِصَاصُ؛ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ قُتِلَ عَبْدٌ مُوصًى بِرَقَبَتِهِ لِرَجُلٍ، وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute