لَا عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُسَمِّهَا لَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ؟ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَقْلًا فَاشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا بَقْلٌ وَاشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي الْبَقْلَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِدُخُولِ الْبَقْلِ فِي الْبَيْعِ مَقْصُودًا لَا تَبَعًا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا فَاشْتَرَى شَاةً حَيَّةً لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ لَحْمَهَا لِأَنَّ لَحْمَ الشَّاةِ الْحَيَّةِ مُحَرَّمٌ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ زَيْتًا فَاشْتَرَى زَيْتُونًا لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ عَلَى الزَّيْتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ؟ وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي قَصَبًا وَلَا خُوصًا فَاشْتَرَى بُورِيًّا أَوْ زِنْبِيلًا مِنْ خُوصٍ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَتَنَاوَلْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي جَدْيًا فَاشْتَرَى شَاةً حَامِلًا بِجَدْيٍ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَبَنًا فَاشْتَرَى شَاةً فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي مَمْلُوكًا صَغِيرًا فَاشْتَرَى أَمَةً حَامِلًا وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي دَقِيقًا فَاشْتَرَى حِنْطَةً وَقَالُوا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَعِيرًا فَاشْتَرَى حِنْطَةً فِيهَا شَعِيرٌ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الشَّعِيرَ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ مَقْصُودًا وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا شَعِيرٌ لِأَنَّ الْأَكْلَ فِعْلٌ فَإِذَا وَقَعَ فِي عَيْنَيْنِ لَمْ تَتْبَعْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى.
فَأَمَّا الشِّرَاءُ فَهُوَ عَقْدٌ وَبَعْضُ الْعَيْنِ مَقْصُودَةٌ بِالْعَقْدِ وَبَعْضُهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَقَدْ كَانَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي صُوفًا فَاشْتَرَى شَاةً عَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ يَحْنَثُ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَبَنًا فَاشْتَرَى شَاةً فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ لَمْ يَحْنَثْ.
وَقَالَ لِأَنَّ الصُّوفَ ظَاهِرٌ فَتَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ (وَأَمَّا) اللَّبَنُ فَبَاطِنٌ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ ثُمَّ رَجَعَ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا لِمَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي دُهْنًا فَهُوَ عَلَى دُهْنٍ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ أَنْ يَدَّهِنُوا بِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَيْسَ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَدَّهِنُوا بِهِ مِثْلَ الزَّيْتِ وَالْبَزْرِ وَدُهْنِ الْأَكَارِعِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الدُّهْنَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُدْهَنُ بِهِ وَالْإِيمَان مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَادَةِ فَحُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْأَدْهَانِ الطَّيِّبَةِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدَّهِنُ بِدُهْنٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَادَّهَنَ بِزَيْتٍ حَنِثَ وَإِنْ ادَّهَنَ بِسَمْنٍ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الزَّيْتَ لَوْ طُبِخَ بِالطِّيبِ صَارَ دُهْنًا فَأَجْرَاهُ مَجْرَى الْأَدْهَانِ مِنْ وَجْهٍ وَلَمْ يُجْرِهِ مَجْرَاهَا مِنْ وَجْهٍ حَنِثَ قَالَ فِي الشِّرَاءِ لَا يَحْنَثُ وَفِي الْأَدْهَانِ يَحْنَثُ.
فَأَمَّا السَّمْنُ فَإِنَّهُ لَا يُدَّهَنُ بِهِ بِحَالٍ فِي الْوَجْهَيْنِ فَلَمْ يَحْنَثْ.
وَكَذَلِكَ دُهْنُ الْخِرْوَعِ وَالْبُزُورِ وَلَوْ اشْتَرَى زَيْتًا مَطْبُوخًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ حِينَ حَلَفَ يَحْنَثُ لِأَنَّ الزَّيْتَ مَطْبُوخٌ بِالنَّارِ وَالزِّئْبَقُ دُهْنٌ يُدَّهَنُ بِهِ كَسَائِرِ الْأَدْهَانِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا أَوْ حِنَّاءً أَوْ حَلَفَ لَا يَشُمُّهُمَا فَهُوَ عَلَى الدُّهْنِ وَالْوَرَقِ فِي الْبَابَيْنِ جَمِيعًا وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا أَنَّهُ عَلَى الدُّهْنِ دُونَ الْوَرَقِ وَهَذَا عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِأَنَّهُمْ إذَا أَطْلَقُوا الْبَنَفْسَجَ أَرَادُوا بِهِ الدُّهْنَ.
فَأَمَّا فِي غَيْرِ عُرْفِ الْكُوفَةِ فَالِاسْمُ عَلَى الْوَرَقِ فَتُحْمَلُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ وَالْكَرْخِيُّ حَمَلَهُ عَلَيْهِمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا الْحِنَّاءُ وَالْوَرْدُ فَهُوَ عَلَى الْوَرَقِ دُونَ الدُّهْنِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الدُّهْنَ فَيَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ اسْمَ الْوَرْدِ وَالْحِنَّاءِ إذَا أُطْلِقَ يُرَادُ بِهِ الْوَرَقُ لَا الدُّهْنُ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْبَنَفْسَجَ عَلَى الدُّهْنِ وَالْوَرْدَ عَلَى وَرَقِ الْوَرْدِ وَجَعَلَ فِي الْأَصْلِ الْخَيْرِيَّ مِثْلَ الْوَرْدِ وَالْحِنَّاءِ فَحَمَلَهُ عَلَى الْوَرَقِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَزْرًا فَاشْتَرَى دُهْنَ بَزْرٌ حَنِثَ وَإِنْ اشْتَرَى حَبًّا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْبَزْرِ يَقَعُ عَلَى الدُّهْنِ لَا عَلَى الْحَبِّ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَشْتَرِي فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَ إنَّ فِعْلَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حُقُوقٌ أَوْ لَا حُقُوقَ لَهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ حُقُوقٌ.
فَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إلَى الْفَاعِلِ أَوْ إلَى الْآمِرِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ لَهُ حُقُوقٌ تَرْجِعُ إلَى الْفَاعِلِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقِسْمَةِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ حُقُوقَ هَذِهِ الْعُقُودِ إذَا كَانَتْ رَاجِعَةً إلَى فَاعِلِهَا لَا إلَى الْآمِرِ بِهَا كَانَتْ الْعُقُودُ مُضَافَةً إلَى الْفَاعِلِ لَا إلَى الْآمِرِ عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ الْعَاقِدُ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِعْلُهُ وَإِنَّمَا لِلْآمِرِ حُكْمُ الْعَقْدِ شَرْعًا لَا لِفِعْلِهِ.
وَعِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا يَقَعُ الْحُكْمُ لَهُ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْآمِرِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَانَ الْحَالِفُ مِمَّنْ لَا يَتَوَلَّى الْعُقُودَ بِنَفْسِهِ فَيَحْنَثُ بِالْأَمْرِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ عَمَّا يُوجَدُ مِنْهُ عَادَةً وَهُوَ الْآمِرُ بِذَلِكَ لَا الْفِعْلُ بِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ هُوَ الْحَالِفَ قَالُوا يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحُقُوقَ رَاجِعَةٌ إلَيْهِ وَأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً لَا الْآمِرُ وَإِنْ كَانَتْ حُقُوقُهُ رَاجِعَةً إلَى الْآمِرِ أَوْ كَانَ مِمَّا لَا حُقُوقَ لَهُ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْكِتَابَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالِاقْتِضَاءِ وَالْقَضَاءِ