الْحَقِّ أَوْ لِوُجُوبِهِ أَوْ وَسِيلَةً إلَى الْأَدَاءِ فِي الْجُمْلَةِ جَازَ بِأَنْ قَالَ إنْ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ فَأَنَا كَفِيلٌ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمَبِيعِ سَبَبٌ لِظُهُورِ الْحَقِّ وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنَا كَفِيلٌ لِأَنَّ قُدُومَهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْأَدَاءِ فِي الْجُمْلَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَكْفُولًا عَنْهُ أَوْ يَكُونَ مُضَارَبَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِظُهُورِ الْحَقِّ وَلَا لِوُجُوبِهِ وَلَا وَسِيلَةَ إلَى الْأَدَاءِ فِي الْجُمْلَةِ لَا يَجُوزُ بِأَنْ قَالَ إذَا جَاءَ الْمَطَرُ أَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ إنْ دَخَلَ زَيْدٌ الدَّارَ فَأَنَا كَفِيلٌ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يَجُوزَ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ إلَّا شَرْطًا أُلْحِقَ بِهِ تَعَلُّقٌ بِالظُّهُورِ أَوْ التَّوَسُّلِ إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ فَيَكُونُ مُلَائِمًا لِلْعَقْدِ فَيَجُوزُ وَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ جَوَازُهَا بِالْعُرْفِ وَالْعُرْفُ فِي مِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَلَوْ قَالَ إنْ قَتَلَك فُلَانٌ أَوْ إنْ شَجَّك فُلَانٌ أَوْ إنْ غَصَبَك فُلَانٌ أَوْ إنْ بَايَعْت فُلَانًا فَأَنَا ضَامِنٌ لِذَلِكَ جَازَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَلَوْ قَالَ إنْ غَصَبَك فُلَانٌ ضَيْعَتَك فَأَنَا ضَامِنٌ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَجَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ غَصْبَ الْعَقَارِ لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَحَقَّقُ وَلَوْ قَالَ مَنْ قَتَلَك مِنْ النَّاسِ أَوْ مَنْ غَصَبَك مِنْ النَّاسِ أَوْ مَنْ شَجَّك مِنْ النَّاسِ أَوْ مَنْ بَايَعَكَ مِنْ النَّاسِ لَمْ يَجُزْ لَا مِنْ قِبَلِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ بَلْ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ عَنْهُ مَجْهُولٌ وَجَهَالَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ.
وَلَوْ قَالَ ضَمِنَتْ لَك مَا عَلَى فَلَانَ إنْ نَوَى جَازَ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ لِأَنَّهُ مُؤَكِّدٌ لِمَعْنَى التَّوَسُّلِ إلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ خَرَجَ مِنْ الْمِصْرِ وَلَمْ يُعْطِك فَأَنَا ضَامِنٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ تَسْلِيمَ الْمَكْفُولِ بِهِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ جَازَ لِأَنَّ هَذَا تَأْجِيلُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ إلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ فَيَصِحُّ كَالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَكَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ الْكَفَالَاتِ فِي التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ وَالتَّأْجِيلِ وَالْإِضَافَةِ إلَى الْوَقْتِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ فِي مَعْنَى الْكَفَالَةِ عَلَى السَّوَاءِ.
وَلَوْ قَالَ كَفَلَتْ لَك مَالَك عَلَى فُلَانٍ حَالًّا عَلَى أَنَّك مَتَى طَلَبْته فَلِيَ أَجَلُ شَهْرٍ جَازَ وَإِذَا طَلَبْته مِنْهُ فَلَهُ أَجَلُ شَهْرٍ ثُمَّ إذَا مَضَى الشَّهْرُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَتَى شَاءَ وَلَوْ شَرَطَ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ حَالًّا لَمْ يَجُزْ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ مَتَى شَاءَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَوْجُودَ هَهُنَا كَفَالَتَانِ إحْدَاهُمَا حَالَّةٌ مُطْلَقَةٌ وَالثَّانِيَةُ مُؤَجَّلَةٌ إلَى شَهْرٍ، مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطِ الطَّلَبِ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ ثَبَتَ التَّأْجِيلُ إلَى شَهْرٍ فَإِذَا مَضَى الشَّهْرُ انْتَهَى حُكْمُ التَّأْجِيلِ فَيَأْخُذُهُ بِالْكَفَالَةِ الْحَالَّةِ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ يَأْخُذُهُ مَتَى شَاءَ بِالطَّلَبِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّأْجِيلُ بِالشَّرْطِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعْلِيقُ التَّأْجِيلِ بِالشَّرْطِ لَا تَعْلِيقُ الْعَقْدِ الْمُؤَجَّلِ بِالشَّرْطِ وَالتَّأْجِيلُ نَفْسُهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَبَطَلَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا كَفَلَ إلَى قُدُومِ زَيْدٍ جَازَ.
وَلَوْ كَفَلَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَخَّرَ إلَى قُدُومِ زَيْدٍ لَمْ يَجُزْ لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا هَذَا وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ الْمَطْلُوبِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَلْفُ فَمَضَى الْوَقْتُ وَلَمْ يُوَافِ بِهِ فَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْكَفِيلِ لِأَنَّ هُنَا كَفَالَتَانِ بِالنَّفْسِ وَبِالْمَالِ إلَّا أَنَّهُ كَفَلَ بِالنَّفْسِ مُطْلَقًا وَعَلَّقَ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ بِالنَّفْسِ فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ.
(أَمَّا) الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فَلَا شَكَّ فِيهَا وَكَذَا الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ مُحَقِّقٌ لِمَا شُرِعَ لَهُ وَهُوَ الْوُصُولُ إلَى الْحَقِّ مِنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْأَصِيلِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ لَزِمَهُ الْمَالُ وَإِذَا أَدَّاهُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لِجَوَازِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ مَالًا آخَرَ فَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ وَكَذَا إذَا قَالَ فَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ وَلَمْ يُسَمِّ لِأَنَّ جَهَالَةَ قَدْرِ الْمَكْفُولِ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ وَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْأَلْفِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْكَفَالَةَ إلَى مَا عَلَيْهِ وَالْأَلْفُ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ كَفَلَ لِامْرَأَةٍ بِصَدَاقِهَا إنْ لَمْ يُوَافِ الزَّوْجُ وَصَدَاقُهَا وَصِيفٌ فَالْوَصْفُ لَازِمٌ لِلْكَفِيلِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْوَصِيفِ كَفَالَةٌ بِمَضْمُونٍ عَلَى الْأَصِيلِ وَهُوَ الزَّوْجُ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ فَيَلْزَمُ الْكَفِيلَ وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَقَالَ إنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَعَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ الْأَلْفُ الَّتِي عَلَيْهِ أَوْ الْأَلْفُ الَّتِي ادَّعَيْت وَالْمَطْلُوبُ يُنْكَرُ فَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْكَفِيلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ﵀ لَا يَلْزَمُهُ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ هَذَا إيجَابُ الْمَالِ مُعَلَّقًا بِالْخَطَرِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الْإِضَافَةُ إلَى الْوَاجِبِ، وَوُجُوبُ الْمَالِ ابْتِدَاءً لَا يَتَعَلَّقُ بِالْخَطَرِ فَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِمَالٍ ثَابِتٍ فَتَتَعَلَّقُ بِالْخَطَرِ وَلَمْ يُوجَدْ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا إنَّ مُطْلَقَ الْأَلْفِ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَلْفِ الْمَعْهُودَةِ وَهِيَ الْأَلْفُ الْمَضْمُونَةُ مَعَ مَا أَنَّ فِي الصَّرْفِ إلَى ابْتِدَاءِ الْإِيجَابِ فَسَادَ الْعَقْدِ وَفِي الصَّرْفِ إلَى مَا عَلَيْهِ صِحَّتُهُ فَالصَّرْفُ إلَى مَا فِيهِ صِحَّةُ الْعَقْدِ أَوْلَى وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنْ يُوَافِيَ بِهِ إذَا ادَّعَى بِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ الْأَلْفُ الَّتِي عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute