للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَابِ الْقَدِيمِ أَوْ الْحَادِثِ بَعْدَ الْيَمِينِ حَنِثَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ بَابِ الدَّارِ، وَلَا يَحْنَثُ بِالْخُرُوجِ مِنْ السَّطْحِ أَوْ فَوْقِ الْحَائِطِ أَوْ النَّقْبِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ، وَلَوْ عَيَّنَ بَابًا فِي الْيَمِينِ يَتَعَيَّنُ، وَلَا يَحْنَثُ بِالْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ مُقَيِّدٌ فِي الْجُمْلَةِ فَيُعْتَبَرُ، وَلَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَّا فِي أَمْرِ كَذَا فَهَذَا، وَقَوْلُهُ إلَّا بِإِذْنِي وَاحِدٌ، وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قَالَ إنْ خَرَجْتِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ مَعَ فُلَانٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ فُلَانٍ آخَرَ ثُمَّ خَرَجَ فُلَانٌ وَلَحِقَهَا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ فَيَقْتَضِي مُقَارَنَتَهَا فِي الْخُرُوجِ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ الْمُكْثَ بَعْدَ الْخُرُوجِ لَيْسَ بِخُرُوجٍ لِانْعِدَامِ حَدِّهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ خَرَجْتِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَصَعِدَتْ الصَّحْرَاءَ إلَى بَيْتِ عُلُوٍّ أَوْ كَنِيفٍ شَارِعٍ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي الْعُرْفِ لَا يُسَمَّى خُرُوجًا مِنْ الدَّارِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَخَرَجَ مِنْهَا مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا أَوْ أَخْرَجَهُ رَجُلٌ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ أَخْرَجَ إحْدَى رِجْلَيْهِ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الدُّخُولِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ يُرِيدُ مَكَّةَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ بَيْتِهِ هُوَ انْفِصَالٌ مِنْ دَاخِلِ بَلَدِهِ إلَى خَارِجِهِ عَلَى نِيَّةِ الْحَجِّ وَقَدْ وُجِدَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَفْسِيرَ خُرُوجِهِ مِنْ بَلَدِهِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ بُيُوتَ بَلَدِهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ، وَلَوْ قَالَ لَا آتِي مَكَّةَ فَخَرَجَ إلَيْهَا لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَدْخُلْهَا؛ لِأَنَّ إتْيَانَ الشَّيْءِ هُوَ الْوُصُولُ إلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: لَا يَذْهَبُ إلَى مَكَّةَ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ وَالْخُرُوجُ سَوَاءٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ وَالْإِتْيَانُ سَوَاءٌ،.

وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِي أَوْ بِأَمْرِي أَوْ بِرِضَائِي أَوْ بِعِلْمِي أَوْ قَالَ: إنْ خَرَجْت مِنْ هَذِهِ الدَّارِ بِغَيْرِ إذْنِي أَوْ أَمْرِي أَوْ رِضَائِي أَوْ عِلْمِي فَهُوَ عَلَى كُلِّ مَرَّةٍ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَهَهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: هَذِهِ، وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت مِنْ هَذِهِ الدَّارِ حَتَّى آذَنَ لَك أَوْ آمُرَ أَوْ أَرْضَى أَوْ أَعْلَمَ وَالثَّالِثَةُ: أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك أَوْ آمُرَ أَوْ أَعْلَمَ أَوْ أَرْضَى أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى الْإِذْنِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَتَّى لَوْ أَذِنَ لَهَا مَرَّةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ عَادَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنٍ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَذِنَ لَهَا مَرَّةً فَقَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ نَهَاهَا عَنْ الْخُرُوجِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ يَحْنَثُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ خُرُوجٍ شَرْطًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَاسْتَثْنَى خُرُوجًا مَوْصُوفًا بِكَوْنِهِ مُلْتَصِقًا بِالْإِذْنِ لِأَنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي حَرْفُ إلْصَاقٍ هَكَذَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ.

وَلَا بُدَّ مِنْ شَيْئَيْنِ يَلْتَصِقَانِ بِآلَةِ الْإِلْصَاقِ كَمَا فِي قَوْلِك كَتَبْت بِالْقَلَمِ وَضَرَبْت بِالسَّيْفِ الْتَصَقَ الضَّرْبُ بِالسَّيْفِ وَالْكِتَابَةُ بِالْقَلَمِ وَلَيْسَ هَهُنَا شَيْءٌ مُظْهَرٌ يَلْتَصِقُ بِهِ الْإِذْنُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُضْمَرَ كَمَا فِي قَوْلِهِ: " بِسْمِ اللَّهِ " إنَّهُ يُضْمَرُ فِيهِ أَبْتَدِئُ، وَفِي بَابِ الْحَلِفِ قَوْلُهُ: " بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا " أَنَّهُ يُضْمِرُ فِيهِ أُقْسِمُ لِتَكُونَ الْبَاءُ مُلْصِقَةً لِلِاسْمِ بِقَوْلِهِ أَبْتَدِئُ، وَاسْمِ اللَّهِ فِي بَابِ الْحَلِفِ بِقَوْلِهِ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ، وَلَا بُدَّ لِكُلِّ مُضْمَرٍ مِنْ دَلِيلٍ عَلَيْهِ، إمَّا حَالٌ وَإِمَّا لَفْظٌ مَذْكُورٌ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى مَا خَفِيَ غَيْرُ مُمْكِنٍ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْحَالِ وَلَا حَالَ هُنَا يَدُلُّ عَلَى إضْمَارِ شَيْءٍ فَأَضْمَرْنَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ: " إنْ خَرَجْت " وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا الْخُرُوجَ فَصَارَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: إنْ خَرَجَ فُلَانٌ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ خُرُوجًا إلَّا خُرُوجًا بِإِذْنِي، وَالْمَصْدَرُ الْأَوَّلُ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ فَيَعُمُّ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الثَّانِي مِنْهُ لِأَنَّهُ بَعْضُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَهُوَ خُرُوجٌ مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ الِالْتِصَاقِ بِالْإِذْنِ فَقَدْ نَفَى كُلَّ خُرُوجٍ وَاسْتَثْنَى خُرُوجًا مَوْصُوفًا بِكَوْنِهِ مُلْتَصِقًا بِالْإِذْنِ فَبَقِيَ كُلُّ خُرُوجٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَهُوَ الْخُرُوجُ الْعَامُّ الَّذِي هُوَ شَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَإِذَا وُجِدَ خُرُوجٌ اتَّصَلَ بِهِ الْإِذْنُ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَإِذَا وُجِدَ خُرُوجٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِهِ الْإِذْنِ كَانَ شَرْطًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَّا بِمِلْحَفَةٍ إنَّ كُلَّ خُرُوجٍ يُوصَفُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِمِلْحَفَةٍ يَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْيَمِينِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ، وَكُلَّ خُرُوجٍ لَا يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَبْقَى تَحْتَ عُمُومِ اسْمِ الْخُرُوجِ فَيَحْنَثُ بِهِ كَذَا هَذَا، فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي مَرَّةً وَاحِدَةً يُدَيَّنْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَفِي الْقَضَاءِ أَيْضًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ.

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي تَكْرَارَ الْإِذْنِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِمَا بَيَّنَّا (وَجْهُ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ تَكْرَارَ الْإِذْنِ مَا ثَبَتَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِإِضْمَارِ الْخُرُوجِ فَإِذَا نَوَى مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَدْ نَوَى مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>