للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُعَظِّمُونَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ وَيَعْتَقِدُونَ حُرْمَةَ الْإِلَهِ إلَّا الدَّهْرِيَّةَ وَالزَّنَادِقَةَ وَأَهْلَ الْإِبَاحَةِ.

وَهَؤُلَاءِ أَقْوَامٌ لَمْ يَتَجَاسَرُوا عَلَى إظْهَارِ نِحْلَتِهِمْ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَنَرْجُو مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﷿ عَلَى أُمَّةِ حَبِيبِهِ أَنْ لَا يُقَدِّرَهُمْ عَلَى إظْهَارِ مَا انْتَحَلُوهُ إلَى انْقِضَاءِ الدُّنْيَا وَإِنْ رَأَى الْقَاضِي مَا يَكُونُ تَغْلِيظًا فِي دِينِهِ فَعَلَ لِمَا رَوَيْنَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ غَلَّظَ عَلَى ابْنِ صُورِيَّا» دَلَّ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ سَائِغٌ فَيُغَلِّظُ عَلَى الْيَهُودِيِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى ﷿ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى سَيِّدِنَا مُوسَى وَعَلَى النَّصْرَانِيِّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى سَيِّدِنَا عِيسَى وَعَلَى الْمَجُوسِيِّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ وَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْإِشَارَةِ إلَى مُصْحَفٍ مُعَيَّنٍ بِأَنْ يَقُولَ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ هَذَا الْإِنْجِيلَ أَوْ هَذِهِ التَّوْرَاةَ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ تَحْرِيفُ بَعْضِهَا فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تَقَعَ الْإِشَارَةُ إلَى الْمُحَرَّفِ فَيَكُونُ التَّحْلِيفُ بِهِ تَعْظِيمًا لِمَا لَيْسَ بِكَلَامِ اللَّهِ ﷿ وَلَا يَبْعَثُ هَؤُلَاءِ إلَى بُيُوتِ عِبَادَتِهِمْ مِنْ الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ وَبَيْتِ النَّارِ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَكَذَا لَا يَجِبُ تَغْلِيظُ الْيَمِينِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ يَحْلِفُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ يَحْلِفُ عِنْدَ الْمِيزَابِ وَيَحْلِفُ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» مُطْلَقًا عَنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَرُوِيَ أَنَّهُ اخْتَصَمَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ مُطِيعٍ فِي دَارٍ إلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَقَضَى عَلَى زَيْدِ ابْنِ ثَابِتٍ بِالْيَمِينِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ أَحْلِفُ لَهُ مَكَانِي فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ لَا وَاَللَّهِ إلَّا عِنْدَ مَقَاطِعِ الْحُقُوقِ فَجَعَلَ زَيْدٌ يَحْلِفُ أَنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فَجَعَلَ مَرْوَانُ يَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَازِمًا لَمَا احْتَمَلَ أَنْ يَأْبَاهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَلِأَنَّ تَخْصِيصَ التَّحْلِيفِ بِمَكَانٍ وَزَمَانٍ تَعْظِيمُ غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ وَفِيهِ مَعْنَى الْإِشْرَاكِ فِي التَّعْظِيمِ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

(وَأَمَّا) بَيَانُ صِفَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَلَى مَاذَا يَحْلِفُ فَنَقُولُ الدَّعْوَى لَا تَخْلُو إمَّا إنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً عَنْ سَبَبٍ وَإِمَّا إنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِسَبَبٍ فَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً عَنْ سَبَبٍ بِأَنْ ادَّعَى عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً أَوْ أَرْضًا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْحُكْمِ وَهُوَ مَا وَقَعَ فِيهِ الدَّعْوَى فَيُقَالُ بِاَللَّهِ مَا هَذَا الْعَبْدُ أَوْ الْجَارِيَةُ أَوْ الْأَرْضُ لِفُلَانٍ هَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِسَبَبٍ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا أَوْ غَصْبه أَلْفًا أَوْ أَوْدَعَهُ أَلْفًا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ أَوْ عَلَى الْحُكْمِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا اسْتَقْرَضْت مِنْهُ أَلْفًا أَوْ مَا غَصَبْته أَلْفًا أَوْ مَا أَوْدَعَنِي أَلْفًا إلَّا أَنْ يُعَرِّضَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يُصَرِّحُ فَيَقُولُ قَدْ يُسْتَقْرَضُ الْإِنْسَانُ وَقَدْ يَغْصِبُ وَقَدْ يُودَعُ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ أَبْرَأهُ عَنْ ذَلِكَ أَوْ رَدَّ الْوَدِيعَةَ وَأَنَا لَا أُبَيِّنُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَلْزَمَنِي شَيْءٌ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى الْحُكْمِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْلِفُ عَلَى الْحُكْمِ مِنْ الِابْتِدَاءِ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْكَ هَذِهِ الْأَلْفُ الَّتِي ادَّعَى.

(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ التَّحْلِيفَ عَلَى السَّبَبِ تَحْلِيفٌ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُهُ الْحَلِفُ عَلَيْهِ عَسَى لِجَوَازِ أَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ السَّبَبُ ثُمَّ ارْتَفَعَ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ بِالرَّدِّ فَلَا يُمْكِنُهُ الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِ السَّبَبِ وَيُمْكِنُهُ الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَكَانَ التَّحْلِيفُ عَلَى الْحُكْمِ أَوْلَى (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ حَلَّفَ الْيَهُودَ بِاَللَّهِ» وَفِي بَابِ الْقَسَامَةِ عَلَى السَّبَبِ «فَقَالَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُمُوهُ وَلَا عَلِمْتُمْ لَهُ قَاتِلًا» فَيَجِبُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْحَلِفِ مَا هُوَ الدَّاخِلُ تَحْتَ الدَّعْوَى وَالدَّاخِلُ تَحْتَ الدَّعْوَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَقْصُودًا هُوَ السَّبَبُ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ فَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَهُ الْحَلِفُ عَلَى السَّبَبِ حَلَفَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ وَعَرَّضَ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى الْحُكْمِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ دَعْوَى الشِّرَاءِ إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ ﷿ مَا بِعْته هَذَا الشَّيْءَ إلَّا أَنْ يُعَرِّضَ الْخَصْمُ وَالتَّعْرِيضُ فِي هَذَا أَنْ يَقُولَ قَدْ يَبِيعُ الرَّجُلُ الشَّيْءَ ثُمَّ يَعُودُ إلَيْهِ بِهِبَةٍ أَوْ فَسْخٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ أَوْ خِيَارِ رُؤْيَةٍ وَأَنَا لَا أُبَيِّنُ ذَلِكَ كَيْ لَا يَلْزَمَنِي شَيْءٌ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى الْحُكْمِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا بَيْنَكُمَا بَيْعٌ قَائِمٌ أَوْ شِرَاءٌ قَائِمٌ بِهَذَا السَّبَبِ الَّذِي يَدَّعِي وَهَكَذَا يَحْلِفُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى هَذَا دَعْوَى الطَّلَاقِ بِأَنْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَالَعَهَا عَلَى كَذَا وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ ذَلِكَ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِاَللَّهِ ﷿ مَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ مَا خَالَعَهَا إلَّا أَنْ يُعَرِّضَ الزَّوْجُ فَيَقُولُ الْإِنْسَانُ قَدْ يُخَالِعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>