للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ، ضُرِبَ عَلَى رَأْسِهِ فَذَهَبَ عَقْلُهُ وَكَلَامُهُ وَبَصَرُهُ وَذَكَرُهُ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْمَنَافِعَ الْمَقْصُودَةَ عَنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ (أَمَّا) الْعَقْلُ فَلِأَنَّ تَفْوِيتَهُ تَفْوِيتُ مَنَافِعِ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِيمَا وُضِعَتْ لَهُ بِفَوْتِ الْعَقْلِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ أَفْعَالَ الْمَجَانِينِ تَخْرُجُ مَخْرَجَ أَفْعَالِ الْبَهَائِمِ فَكَانَ إذْهَابُهُ إبْطَالًا لِلنَّفْسِ مَعْنًى (وَأَمَّا) السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْكَلَامُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَالْجِمَاعُ وَالْإِيلَادُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ، وَقَدْ فَوَّتَهَا كُلَّهَا.

وَلَوْ ضُرِبَ عَلَى رَأْسِ رَجُلٍ فَسَقَطَ شَعْرُهُ أَوْ عَلَى رَأْسِ امْرَأَةٍ فَسَقَطَ شَعْرُهَا أَوْ حَلَقَ لَحَيَّةَ رَجُلٍ أَوْ نَتَفَهَا أَوْ حَلَقَ شَعْرَ امْرَأَةٍ وَلَمْ يَنْبُتْ فَإِنْ كَانَ حُرًّا فَفِيهِ الدِّيَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِيهِ حُكُومَةٌ (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ إلَّا بِإِتْلَافِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ بَدَلُ النَّفْسِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِذَلِكَ عِنْدَ تَفْوِيتِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ كَمَا فِي قَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ يَجْعَلُ النَّفْسَ تَالِفَةً مِنْ وَجْهٍ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي حَلْقِ الشَّعْرِ فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِيهِ مَرْدُودًا إلَى الْأَصْلِ، وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ فِي حَلْقِ شَعْرِ سَائِرِ الْبَدَنِ (وَلَنَا) أَنَّ الشَّعْرَ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ جَمَالٌ كَامِلٌ.

وَكَذَا اللِّحْيَةُ لِلرِّجَالِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ مِنْ الْحَدِيثِ «أَنَّ اللَّهَ ﷿ خَلَقَ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا مَلَائِكَةً مِنْ تَسْبِيحِهِمْ سُبْحَانَ الَّذِي زَيَّنَ الرِّجَالَ بِاللِّحَى وَالنِّسَاءَ بِالذَّوَائِبِ» وَتَفْوِيتُ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ فِي حَقِّ الْحُرِّ يُوجِبُ كَمَالَ الدِّيَةِ كَالْمَارِنِ وَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا إظْهَارُ شَرَفِ الْآدَمِيِّ وَكَرَامَتِهِ، وَشَرَفُهُ فِي الْجَمَالِ فَوْقَ شَرَفِهِ فِي الْمَنَافِعِ ثُمَّ تَفْوِيتُ الْمَنَافِعِ عَلَى الْكَمَالِ لَمَّا أَوْجَبَ كَمَالَ الدِّيَةِ فَتَفْوِيتُ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ أَوْلَى بِخِلَافِ شَعْرِ سَائِرِ الْبَدَنِ لِأَنَّهُ لَا جَمَالَ فِيهِ عَلَى الْكَمَالِ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ لِلنَّاسِ فَتَفْوِيتُهُ لَا يُوجِبُ كَمَالَ الدِّيَةِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّأْسِ إذَا حُلِقَ فَلَمْ يَنْبُتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً.

وَكَذَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي اللِّحْيَةِ إذَا حُلِقَتْ فَلَمْ تَنْبُتْ الدِّيَةُ

وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَغْلَى مَاءً فَصَبَّهُ عَلَى رَأْسِ رَجُلٍ فَانْسَلَخَ جِلْدُ رَأْسِهِ فَقَضَى سَيِّدُنَا عَلِيٍّ بِالدِّيَةِ.

وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ فِي اللِّحْيَةِ إذَا كَانَتْ كَامِلَةً بِحَيْثُ يُتَجَمَّلُ بِهَا فَأَمَّا إذَا كَانَتْ طَاقَاتٍ مُتَفَرِّقَةً لَا يُتَجَمَّلُ بِهَا فَلَا شَيْءَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَوَفِّرَةٍ بِحَيْثُ يَقَعُ بِهَا الْجَمَالُ الْكَامِلُ، وَلَيْسَتْ مِمَّا يَشِينُ فَفِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ.

وَأَمَّا شَعْرُ الْعَبْدِ وَلِحْيَتُهُ فَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ فِيهِ حُكُومَةً.

وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِيهِ الْقِيمَةَ (وَجْهُ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْعَبِيدِ كَالدِّيَةِ فِي الْأَحْرَارِ فَلَمَّا وَجَبَتْ فِي الْحُرِّ الدِّيَةُ تَجِبُ فِي الْعَبْدِ الْقِيمَةُ (وَجْهُ) رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ الْجَمَالَ فِي الْعَبْدِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْهُمْ الْخِدْمَةُ، وَتَفْوِيتُ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَمَالُ الدِّيَةِ.

وَلَوْ حَلَقَ رَأْسَ إنْسَانٍ أَوْ لِحْيَتَهُ ثُمَّ نَبَتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّابِتَ قَامَ مَقَامَ الْفَائِتِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ الْجَمَالُ أَصْلًا.

وَفِي الصَّعَرِ - وَهُوَ اعْوِجَاجُ الرَّقَبَةِ - كَمَالُ الدِّيَةِ لِوُجُودِ تَفْوِيتِ مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ وَتَفْوِيتِ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَأَمَّا) شَرَائِطُ الْوُجُوبِ (فَمِنْهَا) أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ خَطَأً فِيمَا فِي عَمْدِهِ الْقِصَاصُ وَأَمَّا مَا لَا قِصَاصَ فِي عَمْدِهِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْعَمْد، وَالْخَطَأُ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَا فِي عَمْدِهِ الْقِصَاصُ وَمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ فِيمَا تَقَدَّمَ (وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ذَكَرًا فَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَعَلَيْهِ دِيَةُ أُنْثَى، وَهُوَ نِصْفُ دِيَةِ الذَّكَرِ سَوَاءٌ كَانَ الْجَانِي ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ تَنْصِيفُ دِيَةِ الْأُنْثَى مِنْ دِيَةِ الذَّكَرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي دِيَةِ النَّفْسِ (وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حُرَّيْنِ فَإِنْ كَانَ الْجَانِي حُرًّا وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَبْدًا فَلَا دِيَةَ فِيهِ، وَفِيهِ الْقِيمَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ إنْ كَانَ قَلِيلَ الْقِيمَةِ وَجَبَتْ جَمِيعُ الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرَ الْقِيمَةِ بِأَنْ بَلَغَتْ الدِّيَةُ يُنْقَصُ مِنْ قِيمَتِهِ عَشَرَةٌ كَذَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ تَعَالَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْحُرِّ فِيهِ الدِّيَةُ فَهُوَ مِنْ الْعَبْدِ فِيهِ الْقِيمَةُ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْحُرِّ فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ فَهُوَ مِنْ الْعَبْدِ فِيهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ.

وَكَذَلِكَ الْجِرَاحَاتُ.

وَعُمُومُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ الْحُرِّ فِيهِ قَدْرٌ مِنْ الدِّيَةِ فَمِنْ الْعَبْدِ فِيهِ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَنْفَعَةُ كَالْعَيْنِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَبَيْنَ مَا يُقْصَدُ بِهِ الْجَمَالُ وَالزِّينَةُ مِثْلُ الْحَاجِبِ وَالشَّعْرِ وَالْأُذُنِ، وَهَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ إنْ حَلَقَ أَحَدَ حَاجِبَيْهِ فَلَمْ يَنْبُتْ أَوْ نَتَفَ أَشْفَارَ عَيْنَيْهِ الْأَسْفَلِ أَوْ الْأَعْلَى يَعِنِي أَهْدَابَهُ فَلَمْ تَنْبُتْ أَوْ قَطَعَ إحْدَى شَفَتَيْهِ الْعُلْيَا أَوْ السُّفْلَى أَنَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ نِصْفَ الْقِيمَةِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>