اسْتِحْقَاقِ الْفَاضِلِ، وَعَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَيْضًا وَاحْتَجُّوا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ [الأحزاب: ٦] فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ذُو الرَّحِمِ أَوْلَى مِنْ الْعِتْقِ.
(وَجْهٌ) قَوْلُ الْأَوَّلِينَ مَا رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ جَعَلَ وَلَاءَ مَوْلَى بِنْتِ حَمْزَةَ ﵁ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بِنْتِ مُعْتِقِهَا نِصْفَيْنِ فَقَدْ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِنْتَ حَمْزَةَ ﵁ مَقَامَ الْعَصَبَاتِ حَيْثُ جَعَلَ النِّصْفَ الْآخَرَ لَهَا وَلَمْ يَأْمُرْ بِرَدِّهِ عَلَى بِنْتِ الْمُعْتِقِ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا لَأَمَرَ ﷺ بِالرَّدِّ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَوَارِيثِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَصَبَةٌ، وَقَالَ ﷺ «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» وَأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ هَهُنَا هُوَ الْمَوْلَى.
وَرُوِيَ «فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ، وَهُوَ الْمَوْلَى هَهُنَا» .
وَأَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي تَأْوِيلِهَا أَيْ ذَوُو الْأَرْحَامِ مِنْ الْعَصَبَةِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ أَيْ الْأَقْرَبُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ الْعَصَبَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ مِنْ الْأَبْعَدِ كَالِابْنِ مَعَ ابْنِ الِابْنِ وَالْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ مَعَ الْأَخِ لِأَبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا الْأَصْلُ فَبَيَانُهُ فِي مَسَائِلَ إذَا مَاتَ الْمُعْتَقُ وَتَرَكَ أُمًّا وَمَوْلًى فَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى عِنْدَ الْأَوَّلِينَ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ، وَعِنْدَ الْآخَرِينَ الثُّلُثُ لِلْأُمِّ بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي رَدًّا عَلَيْهَا أَيْضًا، وَإِنْ تَرَكَ بِنْتًا وَمَوْلًى فَلِلْبِنْتِ فَرْضُهَا، وَهُوَ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى عِنْدَ الْأَوَّلِينَ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ، وَعِنْدَ الْآخَرِينَ النِّصْفُ لِلْبِنْتِ بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي رَدًّا عَلَيْهَا وَلَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَأُمًّا وَتَرَكَ مَوْلَاهُ فَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَلِلْأُخْتِ لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ فَقَدْ اسْتَغْرَقَتْ سِهَامُهُمْ الْمِيرَاثَ فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ لِلْمَوْلَى، وَإِنْ تَرَكَ امْرَأَةً وَمَوْلًى فَلِلْمَرْأَةِ فَرْضُهَا، وَهُوَ الرُّبْعُ وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى بِلَا خِلَافٍ.
وَكَذَا إذَا كَانَ الْمُعْتَقُ أَمَةً فَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَمَوْلًى فَلِلزَّوْجِ فَرْضُهُ، وَهُوَ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْأَوَّلِينَ فَلِأَنَّ الْمَوْلَى عَصَبَةٌ، فَكَانَ الْبَاقِي لَهُ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْآخَرِينَ فَلِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى الرَّدِّ إذْ لَا يُرَدُّ عَلَى الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ.
فَإِنْ تَرَكَ الْمُعْتَقُ عَمَّةً وَخَالَةً وَمَوْلَاهُ فَالْمَالُ لِلْمَوْلَى فِي قَوْلِ الْأَوَّلِينَ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ الْعَصَبَاتِ يُقَدَّمُ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَفِي قَوْلِ الْآخَرِينَ لِلْعَمَّةِ الثُّلُثَانِ وَلِلْخَالَةِ الثُّلُثُ لِتَقَدُّمِ ذَوِي الْأَرْحَامِ عَلَيْهِ وَقِسْ عَلَى هَذَا نَظَائِرَهُ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا اشْتَرَتْ الْمَرْأَةُ عَبْدًا فَأَعْتَقَتْهُ، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ فَلِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَمَا بَقِيَ فَلِمَوْلَاتِهِ؛ لِأَنَّهَا عَصَبَةٌ، وَهَذَا قَوْلُ الْأَوَّلِينَ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْآخَرِينَ فَالْبَاقِي يُرَدُّ عَلَيْهَا بِالْقَرَابَةِ، وَإِذَا اشْتَرَتْ أَبَاهَا فَعَتَقَ، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَلَيْسَ لَهُ عَصَبَةٌ فَلِابْنَتِهِ النِّصْفُ بِالنَّسَبِ وَمَا بَقِيَ فَلِابْنَتِهِ أَيْضًا بِحَقِّ الْوَلَاءِ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّهَا عَصَبَةُ الْأَبِ فِي الْوَلَاءِ وَعَلَى قَوْلِ الْآخَرِينَ مَا بَقِيَ يُرَدُّ عَلَيْهَا بِالْقَرَابَةِ، فَإِنْ كَانَ الْأَبُ أَعْتَقَ عَبْدًا قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ وَلَمْ يَتْرُكْ عَصَبَةً فَإِنَّهَا تَرِثُهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَقُ مُعْتِقِهَا، فَكَانَ وَلَاؤُهُ لَهَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ، أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ» الْحَدِيثَ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ ظَاهِرًا، فَإِنْ اشْتَرَتْ أُخْتَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَبَاهُمَا، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَتْرُكْ عَصَبَةً وَتَرَكَ ابْنَتَيْهِ هَاتَيْنِ فَلِلِابْنَتَيْنِ الثُّلُثَانِ بِالنَّسَبِ وَمَا بَقِيَ فَلَهُمَا أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ عِنْدَ الْأَوَّلِينَ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ لِأَنَّهُمَا عَصَبَةٌ وَعِنْدَ الْآخَرِينَ بِطَرِيقِ الرَّدِّ، وَإِنْ اشْتَرَتْ إحْدَاهُمَا آبَاهُمَا، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَتْرُك عَصَبَةً وَتَرَك ابْنَتَيْهِ هَاتَيْنِ فَلِلِابْنَتَيْنِ الثُّلُثَانِ بِالنَّسَبِ وَلِلَّتِي اشْتَرَتْ الْأَبَ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي خَاصَّةً بِالْوَلَاءِ فِي قَوْلِ الْأَوَّلِينَ لِأَنَّهَا عَصَبَةٌ وَفِي قَوْلِ الْآخَرِينَ الْبَاقِي يُرَدُّ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ فَإِنَّ اشْتَرَتَا آبَاهُمَا، ثُمَّ إنَّ إحْدَاهُمَا وَالْأَبُ اشْتَرَيَا أَخًا لَهُمَا مِنْ الْأَبِ، ثُمَّ مَاتَ الْأَب فَإِنَّ الْمَال بَيْن الِابْنَتَيْنِ وَبَيْنَ الِابْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّهُ مَاتَ حُرًّا عَنْ ابْن حُرّ، وَعَنْ ابْنَتَيْنِ حُرَّتَيْنِ، فَكَانَ الْمِيرَاث لَهُمْ بِالْقَرَابَةِ فَلَا عِبْرَة لِلْوَلَاءِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ مَاتَ الِابْنُ بَعْد ذَلِكَ فَلِأُخْتَيْهِ الثُّلُثَانِ بِالنَّسَبِ وَالثُّلُث الْبَاقِي نِصْفُهُ لِلَّتِي اشْتَرَتْهُ مَعَ الْأَب خَاصَّة لِأَنَّ لَهَا نِصْف وَلَاء الْأَخ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِشِرَائِهَا وَشِرَاء الْأَب، فَكَانَ وَلَاؤُهُ بَيْنهمَا وَمَا بَقِيَ فَبَيْنهمَا نِصْفَانِ لِأَنَّهُمَا مُشْتَرَكَتَانِ فِي وَلَاء الْأَب فَصَارَ حِصَّة الْأَب بَيْنهمَا نِصْفَيْنِ، وَهُوَ سُدُس جَمِيع الْمَال وَتَخْرُج الْمَسْأَلَة مِنْ اثْنَتَيْ عَشَرَ لِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَانِ لِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا أَرْبَعَة أَسْهُم وَنِصْف ثُلُث الْبَاقِي وَذَلِكَ سَهْمَانِ لِلَّتِي اشْتَرَتْهُ مَعَ الْأَب بِالْوَلَاءِ وَنِصْفُ الثُّلُث بَيْنهمَا نِصْفَانِ بِوَلَاءِ الْأَبِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا سَهْمٌ فَصَارَ لِلَّتِي اشْتَرَتْهُ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْأُخْرَى خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، وَهَذَا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ عَلِيٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute