للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَرْأَةُ عَبْدًا لَهَا فَأَدَّى فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُكَاتَبُ فَوَلَاؤُهُ لَهَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ «أَوْ كَاتَبْنَ» وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْمُكَاتَبُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ مِنْ أَكْسَابِهِ فَأَدَّى الْأَسْفَلُ أَوَّلًا فَعَتَقَ، كَانَ وَلَاؤُهُ لَهَا؛ لِأَنَّ الْأَعْلَى لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ بَعْدُ، وَكَذَا إذَا أَدَّيَا جَمِيعًا مَعًا فَعَتَقَا فَوَلَاؤُهُمَا لَهَا لِقَوْلِهِ «أَوْ كَاتَبَ» مَنْ كَاتَبْنَ وَكَذَا إذَا دَبَّرَتْ امْرَأَةٌ عَبْدًا لَهَا فَمَاتَتْ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ، كَانَ وَلَاؤُهَا مِنْهَا حَتَّى يَكُونَ لِلذُّكُورِ مِنْ عَصَبَتِهَا وَكَذَا إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ حَتَّى عَتَقَ الْمُدَبَّرُ بِمَوْتِهَا فَدَبَّرَ عَبْدًا لَهُ فَوَلَاؤُهُ يَكُونُ لِعَصَبَتِهَا، وَكَذَا وَلَاءُ أَوْلَادِهَا وَوَلَاءُ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ الَّذِينَ وُلِدُوا مِنْ امْرَأَةٍ مُعْتَقَةٍ يَكُونُ لَهَا؛ لِأَنَّ وَلَاءَهُمْ يَثْبُتُ لِآبَائِهِمْ، وَوَلَاءُ آبَائِهِمْ لَهَا، كَذَا وَلَاءُ أَوْلَادِهِمْ.

امْرَأَةٌ زَوَّجَتْ عَبْدَهَا بِمَوْلَاةِ قَوْمٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَوَلَاءُ الْوَلَدِ يَكُونُ لِمَوْلَى أُمِّهِ وَلَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُشَكُّ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَبَا الْوَلَدِ لَيْسَ بِمُعْتَقٍ بَلْ هُوَ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ بِدُونِ الْعِتْقِ فَلَوْ أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا جَرَّ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ وَلَاءَ الْوَلَدِ إلَى مَوْلَاتِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ وَلَا وَارِثَ لَهُ كَانَ مَالُهُ لِأَبِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ فَإِنْ كَانَ مَاتَ فَوَلَاؤُهُ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي أَعْتَقَتْ أَبَاهُ، هَذَا تَفْسِيرُ جَرّ مَوَالِيَ النِّسَاءِ الْوَلَاءَ إلَيْهِنَّ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

امْرَأَةٌ أَعْتَقَتْ عَبْدًا لَهَا ثُمَّ مَاتَتْ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ فَوَلَاءُ مُعْتَقَهَا لِوَلَدِهَا الذُّكُورِ إنْ كَانُوا مِنْ عَصَبَتِهَا، وَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ عَصَبَتِهَا فَوَلَاءُ مُعْتَقَهَا لِوَلَدِهَا الذُّكُورِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ غَيْرِ عَصَبَتِهَا، وَعَقْلُهُ عَلَى سَائِرِ عَصَبَتِهَا دُونَ وَلَدِهَا فَإِنْ انْقَرَضَ وَلَدُهَا وَخَلَّفُوا عَصَبَةً لَهُمْ لَيْسُوا مِنْ قَوْمِ الْمَرْأَةِ الْمُعْتِقَةِ وَلَهَا عَصَبَةٌ كَانَ لِعَصَبَتِهَا دُونَ عَصَبَةِ ابْنِهَا؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْكِبَرِ، وَأَنَّهُ لَا يُورَثُ، وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: يَرْجِعُ الْوَلَاءُ إلَى عَصَبَتِهَا إذَا انْقَطَعَ وَلَدُهَا الذُّكُورُ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَصَبَةٌ مِنْ نَسَبٍ وَكَانَ لَهَا مَوَالٍ أَعْتَقُوهَا فَالْوَلَاءُ لِمَوَالِيهَا، وَكَانَ شُرَيْحٌ يَجْعَلُ الْوَلَاءَ بَعْدَ بَنِيهَا لِعَصَبَةِ الْبَنِينَ دُونَ عَصَبَتِهَا؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْوَلَاءَ مِيرَاثًا كَالْمَالِ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ امْرَأَةٌ أَعْتَقَتْ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ ابْنًا وَأَخًا لَهَا، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ، فَمَالُهُ لِابْنِهَا لَا لِأَخِيهَا بِلَا خِلَافٍ، فَإِنْ مَاتَ ابْنُهَا وَتَرَكَ أَخًا لَهُ وَأَبَاهُ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِلْخَالِ دُونَ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْخَالَ أَخٌ الْمُعْتِقَةِ وَهُوَ عَصَبَتُهَا وَالْأَبُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْتِقَةِ، وَعَلَى قَوْلِ شُرَيْحٍ الْوَلَاءُ الَّذِي لِلْأَخِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْأَبِ لَا لِلْخَالِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ عَصَبَةُ الِابْنِ، وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ الِابْنُ وَتَرَكَ أَخًا لِأَبٍ أَوْ عَمًّا أَوْ جَدًّا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ أَوْ تَرَكَ ابْنَ عَمٍّ أَوْ تَرَكَ مَوَالِيَ أَبِيهِ فَهَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ، وَالْوَلَاءُ يَرْجِعُ إلَى عَصَبَةِ الْأُمِّ، الْأَقْرَبُ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبُ إنْ كَانَ لَهَا بَنُو عَمٍّ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَكَانَ لَهَا مَوَالٍ أَعْتَقُوهَا يَرْجِعُ الْوَلَاءُ إلَيْهِمْ، وَفِي قَوْلِ شُرَيْحٍ لَا يَرْجِعُ الْوَلَاءُ، وَيَمْضِي عَلَى جِهَتِهِ، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى إنَّ الْوَلَاءَ لِلذُّكُورِ مِنْ وَلَدِهَا، وَالْعَقْلُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا دُونَ سَائِرِ عَصَبَةِ الْمُعْتِقَةِ، وَقَالَا كَمَا يَرِثُونَهُ كَذَلِكَ يَعْقِلُونَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِمَا أَنَّ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ اخْتَصَمَا إلَى عُمَرَ فِي وَلَاءِ مَوْلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: هِيَ أُمِّي فَأَنَا أَرِثُهَا وَلِيَ وَلَاؤُهَا، وَقَالَ عَلِيٌّ: هِيَ عَمَّتِي وَأَنَا عَصَبَتُهَا، وَأَنَا أَعْقِلُ عَنْهَا فَلِي وَلَاؤُهَا فَقَضَى عُمَرُ بِالْوَلَاءِ لِلزُّبَيْرِ، وَبِالْعَقْلِ عَلَى عَلِيٍّ .

وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمِيرَاثِ بِالْعُصُوبَةِ، وَالِابْنُ فِي ذَلِكَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخِ وَابْنِ الْعَمِّ وَأَمَّا الْعَقْلُ فَبِالتَّنَاصُرِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ الدِّيوَانِ يَتَعَاقَلُونَ بِالتَّنَاصُرِ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمْ وَلَا عُصُوبَةَ، وَالتَّنَاصُرُ لَهَا وَلِمَوْلَاهَا بِقَوْمِ أَبِيهَا لَا بِابْنِهَا؟ كَذَلِكَ كَانَ الْعَقْلُ عَلَيْهِمْ وَاعْتِبَارُ الْعَقْلِ بِالْمِيرَاثِ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ يَتْبَعُ الْمِيرَاثَ لَا مَحَالَةَ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَرِثُهُ وَلَدُهُ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ وَأَخَوَاتُهُ وَلَوْ جَنَى جِنَايَةً لَهَا عَقْلٌ كَانَ عَقْلُهَا عَلَى عَصَبَتِهِ دُونَ وَلَدِهِ وَأَخَوَاتِهِ؟ وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَةً لَهُ ثُمَّ غَرِقَا جَمِيعًا وَلَا يَدْرِي أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا، لَمْ يَرِثْ الْمَوْلَى مِنْهَا وَكَانَ مِيرَاثُهُ لِعَصَبَةِ الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَارِثٌ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْغَرْقَى وَالْهَدْمَى لَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عِنْدَنَا، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَمْرَيْنِ حَادِثَيْنِ لَا يُعْرَفُ تَارِيخُهُمَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا وَالْمَسْأَلَةُ تُعْرَفُ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ.

وَمِنْهَا أَنَّهُ لَازِمٌ حَتَّى لَا يَقْدِرَ الْمُعْتِقُ عَلَى إبْطَالِهِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَائِبَةً، بِأَنْ أَعْتَقَهُ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ سَائِبَةً لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، كَانَ شَرْطُهُ بَاطِلًا وَوَلَاؤُهُ لَهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَاؤُهُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ؛ لِقَوْلِهِ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» .

وَكَذَا لَا يَمْلِكُ نَقْلَهُ إلَى غَيْرِهِ حَتَّى لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>