للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْمُسْتَأْجَرِ كَانَ هَذَا عَيْبًا حَدَثَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَذَا يُوجِبُ الْخِيَارَ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ كَذَا فِي الْإِجَارَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَإِذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ فَعَلَيْهِ كَمَالُ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مَعَ الْعَيْبِ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْبَدَلِ كَمَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ إذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فَرَضِيَ بِهِ وَإِنْ زَالَ الْعَيْبُ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ بِأَنْ صَحَّ الْعَبْدُ، وَزَالَ الْعَرَجُ عَنْ الدَّابَّةِ، وَبَنَى الْمُؤَاجِرُ مَا سَقَطَ مِنْ الدَّارِ بَطَلَ خِيَارُ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْخِيَارِ قَدْ زَالَ وَالْعَقْدُ قَائِمٌ فَيَزُولُ الْخِيَارُ هَذَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يَضُرُّ بِالِانْتِفَاعِ بِالْمُسْتَأْجَرِ فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ بَقِيَ الْعَقْدُ لَازِمًا وَلَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ إذَا ذَهَبَتْ إحْدَى عَيْنَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالْخِدْمَةِ أَوْ سَقَطَ شَعْرُهُ أَوْ سَقَطَ مِنْ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ حَائِطٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي سُكْنَاهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ لَا عَلَى الْعَيْنِ إذْ الْإِجَارَةُ بَيْعُ الْمَنْفَعَةِ لَا بَيْعُ الْعَيْنِ وَلَا نُقْصَانَ فِي الْمَنْفَعَةِ بَلْ فِي الْعَيْنِ وَالْعَيْنُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهَا فِي بَابِ الْإِجَارَةِ وَتَغَيُّرُ عَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يُوجِبُ الْخِيَارَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ الْحَادِثُ مِمَّا يَضُرُّ بِالِانْتِفَاعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِالِانْتِفَاعِ فَالنُّقْصَانُ يَرْجِعُ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَأَوْجَبَ الْخِيَارَ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ ثُمَّ إنَّمَا يَلِي الْفَسْخَ إذَا كَانَ الْمُؤَاجِرُ حَاضِرًا فَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَحَدَثَ بِالْمُسْتَأْجَرِ مَا يُوجِبُ حَقَّ الْفَسْخِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِحُضُورِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمَا وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا سَنَةً يَزْرَعُهَا شَيْئًا ذَكَرَهُ فَزَرَعَهَا فَأَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ مِنْ بَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَذَهَبَ بِهِ وَتَأَخَّرَ وَقْتُ زِرَاعَةِ ذَلِكَ النَّوْعِ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَزْرَعَ قَالَ: إنْ أَرَادَ أَنْ يَزْرَعَ شَيْئًا غَيْرَهُ مِمَّا ضَرَرُهُ عَلَى الْأَرْضِ أَقَلُّ مِنْ ضَرَرِهِ أَوْ مِثْلُ ضَرَرِهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَسَخْت عَلَيْهِ الْإِجَارَةَ وَأَلْزَمْتَهُ أَجْرَ مَا مَضَى؛ لِأَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ زِرَاعَةِ ذَلِكَ النَّوْعِ كَانَ اسْتِيفَاءُ الْإِجَارَةِ إضْرَارًا بِهِ قَالَ: وَإِذَا نَقَصَ الْمَاءُ عَنْ الرَّحَى حَتَّى صَارَ يَطْحَنُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ طِحْنِهِ فَذَلِكَ عَيْبٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْعَقْدِ إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ نُقْصَانُ الِانْتِفَاعِ وَلَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ كُلُّهَا أَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْ الرَّحَى أَوْ انْقَطَعَ الشُّرْبُ عَنْ الْأَرْضِ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ إشَارَةُ الرِّوَايَاتِ فِيهِ ذُكِرَ فِي بَعْضِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي إجَارَةِ الْأَصْلِ إذَا سَقَطَتْ الدَّارُ كُلُّهَا فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ شَاهِدًا أَوْ غَائِبًا فَهَذَا دَلِيلُ الِانْفِسَاخِ حَيْثُ جُوِّزَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخُرُوجُ مِنْ الدَّارِ مَعَ غَيْبَةِ الْمُؤَاجِرِ وَلَوْ لَمْ تَنْفَسِخْ تَوَقَّفَ جَوَازُ الْفَسْخِ عَلَى حُضُورِهِ وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَطْلُوبَةَ مِنْ الدَّارِ قَدْ بَطَلَتْ بِالسُّقُوطِ إذْ الْمَطْلُوبُ مِنْهَا الِانْتِفَاعُ بِالسُّكْنَى وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَذُكِرَ فِي بَعْضِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ لَكِنْ يَثْبُتُ حَقُّ الْفَسْخِ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ إذَا صَالَحَ عَلَى سُكْنَى دَارٍ فَانْهَدَمَتْ لَمْ يَنْفَسِخْ الصُّلْحُ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ بَيْتًا، وَقَبَضَهُ ثُمَّ انْهَدَمَ فَبَنَاهُ الْآجِرُ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَ مَا بَنَاهُ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: آخُذُهُ، وَأَبَى الْآجِرُ لَيْسَ لِلْآجِرِ ذَلِكَ وَهَذَا يُجْرَى مَجْرَى النَّصِّ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ لَمْ تَنْفَسِخْ وَوَجْهُهُ أَنَّ الدَّارَ بَعْدَ الِانْهِدَامِ بَقِيَتْ مُنْتَفَعًا بِهَا مَنْفَعَةَ السُّكْنَى فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ يَضْرِبَ فِيهَا خَيْمَةً فَلَمْ يَفُتْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ رَأْسًا فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ عَلَى أَنَّهُ إنْ فَاتَ كُلُّهُ لَكِنْ فَاتَ عَلَى وَجْهٍ يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ وَهَذَا يَكْفِي لِبَقَاءِ الْعَقْدِ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْعَقْدَ الْمُنْعَقِدَ بِيَقِينٍ يَبْقَى لِتَوَهُّمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِيَقِينٍ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ كَمَا أَنَّ غَيْرَ الثَّابِتِ بِيَقِينٍ لَا يُثْبَتُ بِالشَّكِّ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ وَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَطْلُوبَةَ مِنْ الدَّارِ قَدْ بَطَلَتْ وَضَرْبُ الْخَيْمَةِ فِي الدَّارِ لَيْسَ بِمَنْفَعَةٍ مَطْلُوبَةٍ مِنْ الدَّارِ عَادَةً فَلَا يُعْتَبَرُ بَقَاؤُهُ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ وَقَالَ فِيمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْبَيْتِ إذَا بَنَاهُ الْمُؤَاجِرُ: إنَّهُ لَمَّا بَنَاهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْفَسِخْ حَقِيقَةً وَإِنْ حُكِمَ بِفَسْخِهِ ظَاهِرًا فَيُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ الْحُكْمُ بِانْفِسَاخِ عَقْدٍ فِي الظَّاهِرِ مَعَ التَّوَقُّفِ فِي الْحَقِيقَةِ اشْتَرَى شَاةً فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَدَبَغَ جِلْدَهَا أَنَّهُ يُحْكَمُ بِبَقَاءِ الْعَقْدِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِانْفِسَاخِهِ ظَاهِرًا بِمَوْتِ الشَّاةِ كَذَا هَهُنَا وَإِذَا بَقِيَ الْعَقْدُ يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ وَقَبْلَ الْبِنَاءِ لَا يُعْلَمُ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْفَسِخْ حَقِيقَةً فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السَّفِينَةِ إذَا نُقِضَتْ وَصَارَتْ أَلْوَاحًا ثُمَّ بَنَاهَا الْمُؤَاجِرُ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ السَّفِينَةِ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْعَقْدَ فِي السَّفِينَةِ قَدْ انْفَسَخَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الصِّنَاعَةُ وَهِيَ التَّرْكِيبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>