الثَّوْبِ لَمَّا حَلَفَ عَلَى دَعْوَى الْخَيَّاطِ فَقَدْ صَارَ الْخَيَّاطُ بِقَطْعِهِ الثَّوْبَ لَا عَلَى الصِّفَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَصَارَ مُتْلِفًا الثَّوْبَ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَبُّ الثَّوْبِ أَخَذَ الثَّوْبَ، وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ، أَمَّا اخْتِيَارُ أَخْذِ الثَّوْبِ فَلِأَنَّهُ أَتَى بِأَصْلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مَعَ تَغَيُّرِ الصِّفَةِ فَكَانَ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ الرِّضَا بِهِ، وَإِعْطَاؤُهُ أَجْرَ الْمِثْلِ لَا الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ، وَطَرِيقَةٌ أُخْرَى لِبَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّ مَنْفَعَةَ الْقَبَاءِ وَالْقَمِيصِ مُتَقَارِبَةٌ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْقَبَاءِ انْتِفَاعَ الْقَمِيصِ بِأَنْ يَسُدَّ وَسَطَهُ وَأَزْرَارَهُ، وَإِنَّمَا يُفَوِّتُ بَعْضَ الْأَغْرَاضِ، فَقَدْ وُجِدَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعَ الْعَيْبِ فَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى قَالُوا: لَوْ قَطَعَهُ سَرَاوِيلَ لَمْ تَجِبْ لَهُ الْأُجْرَةُ لِاخْتِلَافِ مَنْفَعَةِ الْقَبَاءِ وَالسَّرَاوِيلِ، فَلَمْ يَأْتِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ رَأْسًا قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَالرِّوَايَةُ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّ هِشَامًا رَوَى أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ شَبَهًا لِيَضْرِبَ لَهُ طَشْتًا مَوْصُوفًا فَضَرَبَهُ كُوزًا: إنَّ صَاحِبَهُ بِالْخِيَارِ: إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مِثْلَ شَبَهِهِ، وَالْكُوزُ لِلْعَامِلِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ مَا سُمِّيَ، فَفِي السَّرَاوِيلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، وَوَجْهُهُ مَا مَرَّ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الضَّرْبِ، وَالصِّنَاعَةُ صِفَةٌ لَهُ فَقَدْ وَافَقَ فِي أَصْلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَخَالَفَ فِي الصِّفَةِ، فَيَثْبُتُ لِلْمُسْتَعْمِلِ الْخِيَارُ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ، وَبِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَنْزِعَ لَهُ ضِرْسًا مُتَآكِلًا فَنَزَعَ ضِرْسًا مُتَآكِلًا فَقَالَ الْآمِرُ: أَمَرْتُك بِغَيْرِ هَذَا بِهَذَا الْأَجْرِ، وَقَالَ الْمَأْمُورُ: أَمَرْتنِي بِاَلَّذِي نَزَعْتُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ فِي ذَلِكَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ مَعَ يَمِينِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْأَمْرَ يُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِهِ خَاصَّةً، فَكَانَ الْقَوْلُ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ قَوْلَهُ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى صَبَّاغٍ ثَوْبًا لِيَصْبُغَهُ أَحْمَرَ فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ عَلَى مَا وَصَفَ لَهُ بِالْعُصْفُرِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْأَجْرِ، فَقَالَ الصَّبَّاغُ: عَمِلْته بِدِرْهَمٍ، وَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: بِدَانَقَيْنِ، فَإِنْ قَامَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ أُخِذَتْ بَيِّنَةُ الصَّبَّاغِ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَإِنِّي أَنْظُرُ إلَى مَا زَادَ الْعُصْفُرُ فِي قِيمَةِ الثَّوْبِ فَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ أَعْطَيْته دِرْهَمًا بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الصَّبَّاغُ مَا صَبَغْته بِدَانَقَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَا زَادَ فِي الثَّوْبِ مِنْ الْعُصْفُرِ أَقَلَّ مِنْ دَانَقَيْنِ أَعْطَيْته دَانَقَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ صَاحِبُ الثَّوْبِ مَا صَبَغْته إلَّا بِدَانَقَيْنِ، أَمَّا إذَا قَامَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الصَّبَّاغِ تُثْبِتُ زِيَادَةَ الْأُجْرَةِ فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْقَبُولِ.
وَأَمَّا إذَا لَمْ تَقُمْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَلِأَنَّ مَا زَادَ الْعُصْفُرُ فِي قِيمَةِ الثَّوْبِ إذَا كَانَ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلصَّبَّاغِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسُقُوطِ الزِّيَادَةِ، وَإِذَا كَانَ مَا زَادَ الْعُصْفُرُ دَانَقَيْنِ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِرَبِّ الثَّوْبِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ دَانَقَيْنِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يَزِيدُ فِي الثَّوْبِ نِصْفَ دِرْهَمٍ قَالَ: أَعْطَيْت الصَّبَّاغَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مَا صَبَغْته بِدَانَقَيْنِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الدَّعْوَى إذَا سَقَطَتْ لِلتَّعَارُضِ بِحُكْمِ الصَّبْغِ فَوَجَبَ قِيمَةُ الصِّبْغِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَصَّارِ مَعَ رَبِّ الثَّوْبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْأُجْرَةِ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الثَّوْبِ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ لِلْقَصَّارِ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَصْلُحُ حُكْمًا فَيُرْجَعَ إلَى قَوْلِ صَاحِبِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الْقَصَّارَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةَ ضَمَانٍ، وَهُوَ يُنْكِرُ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ صِبْغٍ لَهُ قِيمَةٌ فَإِنْ كَانَ الصِّبْغُ أَسْوَدَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ السَّوَادَ نُقْصَانٌ عِنْدَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ صِبْغٍ يُنْقِصُ الثَّوْبَ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِالدَّعْوَى لِلتَّعَارُضِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الرُّجُوعِ إلَى قِيمَةِ الصِّبْغِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ، فَيُرْجَعُ إلَى قَوْلِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الصَّبَّاغُ وَرَبُّ الثَّوْبِ فَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: أَمَرْتُك بِالْعُصْفُرِ، وَقَالَ الصَّبَّاغُ: بِالزَّعْفَرَانِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِهِ، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا إذَا أَمَرَ الْمُسْتَعْمِلُ الصَّانِعَ بِالزِّيَادَةِ مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ فِي الْأَصْلِ فِي رَجُلٍ دَفَعَ غَزْلًا إلَى حَائِكٍ يَنْسِجُهُ ثَوْبًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْغَزْلِ رِطْلًا مِنْ عِنْدِهِ مِثْلَ غَزْلِهِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَ الْغَزْلِ وَأُجْرَةَ الثَّوْبِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً، فَاخْتَلَفَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الثَّوْبِ، فَقَالَ الْحَائِكُ: قَدْ زِدْت، وَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: لَمْ تَزِدْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْغَزْلِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عَمَلِهِ؛ لِأَنَّ الصَّانِعَ يَدَّعِي عَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ الضَّمَانَ وَهُوَ يُنْكِرُ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ مِثْلُ الْغَزْلِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةٌ يُقْضَى بِهَا فِي هَذَا الْبَابِ فَإِنْ أَقَامَ الصَّانِعُ بَيِّنَةً قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَلَوْ اتَّفَقَا أَنَّ غَزْلَ الْمُسْتَعْمَلِ كَانَ مَنًّا، وَقَالَ الصَّانِعُ: قَدْ زِدْت فِيهِ رِطْلًا فَوُزِنَ الثَّوْبُ فَوُجِدَ زَائِدًا عَلَى مَا دُفِعَ إلَيْهِ زِيَادَةً لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ مِثْلَهَا يَكُونُ مِنْ الدَّقِيقِ، وَادَّعَى رَبُّ الثَّوْبِ أَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ الدَّقِيقِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّانِعِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الثَّوْبِ يَدَّعِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute