لَمْ يَكُنْ خَصْمًا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ خَصْمًا كَمَا فِي الْبَيْعِ.
وَلَوْ وَهَبَ الْمُشْتَرِي نِصْفَ الدَّارِ مَقْسُومًا وَسَلَّمَهُ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُ جَمِيعَ الدَّارِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، أَوْ يَدَعُ؛ لِأَنَّ فِي أَخْذِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِذَا أَخَذَ الْكُلَّ بَطَلَتْ الْهِبَةُ وَكَانَ الثَّمَنُ كُلُّهُ لَلْمُشْتَرِي لَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا بِأَلْفٍ ثُمَّ بَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ فَعَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ الثَّانِي وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَأَخَذَهَا بِقَضَاءٍ، أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ كَانَ بِأَلْفٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ أَخْذَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَهَا بِالْبَيْعِ الثَّانِي فَقَدْ مَلَكَهَا، وَحَقُّ التَّمْلِيكِ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ لَا يُتَصَوَّرُ فَسَقَطَ حَقُّهُ فِي الشُّفْعَةِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ، وَالثَّابِتُ ضَرُورَةً يَسْتَوِي فِيهِ الْعِلْمُ وَالْجَهْلُ، فَإِنْ اشْتَرَاهَا بِأَلْفٍ ثُمَّ زَادَهُ فِي الثَّمَنِ أَلْفًا فَعَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْأَلْفَيْنِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْأَلْفَ زِيَادَةٌ فَأَخَذَهَا بِأَلْفَيْنِ فَإِذَا أَخَذَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَبْطَلَ الْقَاضِي الزِّيَادَةَ وَقَضَى لَهُ بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ شَرْعًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ فَكَانَ الْقَضَاءُ بِالزِّيَادَةِ قَضَاءً بِمَا لَيْسَ بِثَابِتٍ فَيُبْطِلُهَا الْقَاضِي وَإِنْ أَخَذَهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ أَخْذَهُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءٍ مُبْتَدَإٍ فَسَقَطَ حَقُّهُ فِي الشُّفْعَةِ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي حِينَ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ نَاقَضَهُ الْبَيْعَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ فَأَخَذَ الشَّفِيعُ بِأَلْفَيْنِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ عَلِمَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ سَوَاءٌ كَانَ بِقَضَاءٍ، أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ بَيْعَانِ لَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ بِهِمَا فَإِذَا أَخَذَ بِأَحَدِهِمَا انْتَقَضَ الْآخَرُ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
وَإِذَا كَانَ لِلدَّارِ جَارَانِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَالْآخَرُ حَاضِرٌ فَخَاصَمَ الْحَاضِرُ إلَى قَاضٍ لَا يَرَى الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ فَأَبْطَلَ شُفْعَتَهُ ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ فَخَاصَمَهُ إلَى قَاضٍ يَرَى الشُّفْعَةَ قَضَى لَهُ بِجَمِيعِ الدَّارِ، لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي الْأَوَّلِ صَادَفَ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ فَنَفَذَ، وَبَطَلَتْ شُفْعَةُ الْحَاضِرِ فَبَقِيَ حَقُّ الْغَائِبِ فِي كُلِّ الدَّارِ لِوُجُودِ سَبَبِ اسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ فَيَأْخُذَ الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ قَالَ: أَبْطَلْتُ كُلَّ الشُّفْعَةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَيْعِ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَةُ الْغَائِبِ كَذَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا) الَّذِي يَخُصُّ حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ فَهُوَ أَنَّ أَسْبَابَ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ إذَا اجْتَمَعَتْ يُرَاعَى فِيهَا التَّرْتِيبُ فَيُقَدَّمُ الْأَقْوَى، فَالْأَقْوَى فَيُقَدَّمُ الشَّرِيكُ عَلَى الْخَلِيطِ، وَالْخَلِيطُ عَلَى الْجَارِ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «الشَّرِيكُ أَحَقُّ مِنْ الْخَلِيطِ، وَالْخَلِيطُ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ» وَلِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ هُوَ دَفْعُ ضَرَرِ الدَّخِيلِ، وَأَذَاهُ، وَسَبَبُ وُصُولِ الضَّرَرِ وَالْأَذَى هُوَ الِاتِّصَالُ، وَالِاتِّصَالُ عَلَى هَذِهِ الْمَرَاتِبِ، فَالِاتِّصَالُ بِالشَّرِكَةِ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ أَقْوَى مِنْ الِاتِّصَالِ بِالْخَلْطِ، وَالِاتِّصَالُ بِالْخَلْطِ أَقْوَى مِنْ الِاتِّصَالِ بِالْجِوَارِ، وَالتَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ التَّأْثِيرِ تَرْجِيحٌ صَحِيحٌ، فَإِنْ سَلَّمَ الشَّرِيكُ وَجَبَتْ لِلْخَلِيطِ وَإِنْ اجْتَمَعَ خَلِيطَانِ يُقَدَّمُ الْأَخَصُّ عَلَى الْأَعَمِّ، وَإِنْ سَلَّمَ الْخَلِيطُ وَجَبَتْ لِلْجَارِ لِمَا قُلْنَا وَهَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ الشَّرِيكُ فَلَا شُفْعَةَ لِغَيْرِهِ.
(وَجْهُ) رِوَايَةِ أَبِي يُوسُف أَنَّ الْحَقَّ عِنْدَ الْبَيْعِ كَانَ لِلشَّرِيكِ لَا لِغَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ غَيْرَهُ لَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ؟ فَإِذَا سَلَّمَ سَقَطَ الْحَقُّ أَصْلًا؟ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ سَبَبٌ صَالِحٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ إلَّا أَنَّهُ يُرَجَّحُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ لِقُوَّةٍ فِي التَّأْثِيرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَإِذَا سَلَّمَ الشَّرِيكُ الْتَحَقَتْ شَرِكَتُهُ بِالْعَدَمِ وَجُعِلَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فَيُرَاعَى التَّرْتِيبُ فِي الْبَاقِي، كَمَا لَوْ اجْتَمَعَتْ الْخُلْطَةُ وَالْجِوَارُ ابْتِدَاءً، وَبَيَانُ هَذَا فِي مَسَائِلَ: دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ طَرِيقُهَا مِنْ هَذِهِ السِّكَّةِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، فَالشُّفْعَةُ لِشَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ شَرِكَتَهُ فِي عَيْنِ الدَّارِ، وَشَرِكَةَ أَهْلِ السِّكَّةِ فِي الْحُقُوقِ فَكَانَ الشَّرِيكُ فِي عَيْنِ الدَّارِ أَوْلَى بِالشُّفْعَةِ فَإِذَا سَلَّمَ فَالشُّفْعَةُ لِأَهْلِ السِّكَّةِ كُلِّهِمْ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُلَاصِقُ، وَغَيْرُ الْمُلَاصِقِ؛ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ خُلَطَاءُ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ سَلَّمُوا فَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ.
وَعَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا سَلَّمَ الشَّرِيكُ سَقَطَتْ الشُّفْعَةُ، أَصْلًا وَلَوْ انْشَعَبَتْ مِنْ هَذِهِ السِّكَّةِ سِكَّةٌ أُخْرَى غَيْرُ نَافِذَةٍ، فَبِيعَتْ دَارٌ فِيهَا فَالشُّفْعَةُ لِأَهْلِ هَذِهِ السِّكَّةِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ خُلْطَةَ أَهْلِ هَذِهِ السِّكَّةِ السُّفْلَى أَخَصُّ مِنْ خُلْطَةِ أَهْلِ السِّكَّةِ الْعُلْيَا، وَلَوْ بِيعَتْ دَارٌ فِي السِّكَّةِ الْعُلْيَا اسْتَوَى فِي شُفْعَتِهَا أَهْلُ السِّكَّةِ الْعُلْيَا، وَأَهْلُ السِّكَّةِ السُّفْلَى؛ لِأَنَّ خُلْطَتَهُمْ فِي السِّكَّةِ الْعُلْيَا سَوَاءٌ، فَيَسْتَوُونَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ ﵀ أَهْلُ الدَّرْبِ يَسْتَحِقُّونَ الشُّفْعَةَ بِالطَّرِيقِ إذَا كَانَ مِلْكَهُمْ أَوْ كَانَ فِنَاءً غَيْرَ مَمْلُوكٍ، أَمَّا إذَا كَانَ مِلْكًا لَهُمْ فَظَاهِرٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute