للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّمَلُّكَ بِهَذَا الْجِنْسِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَعْرَفُ بِجِنْسِ الثَّمَنِ مِنْ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ وُجِدَ مِنْهُ لَا مِنْ الشَّفِيعِ فَكَانَ أَعْرَفَ بِهِ مِنْ الشَّفِيعِ فَيَرْجِعُ فِي مَعْرِفَةِ الْجِنْسِ إلَيْهِ.

وَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ بِأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ بِأَلْفَيْنِ وَقَالَ الشَّفِيعُ: بِأَلْفٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الشَّفِيعِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَدَّعِي التَّمَلُّكَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ وَلَوْ صَدَّقَ الْبَائِعُ الشَّفِيعَ بِأَنْ قَالَ: بِعْتُ بِأَلْفٍ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ الْبَائِعُ مَا قَبَضَ الثَّمَنَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَالشَّفِيعُ يَأْخُذُ بِالْأَلْفِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَوْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يَكُنْ نَقَدَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا لَمْ يَكُنْ قَبَضَ الثَّمَنَ فَالتَّمَلُّكُ يَقَعُ عَلَيْهِ بِتَمْلِيكِهِ فَيَرْجِعُ فِي مِقْدَارِ مَا مَلَكَ بِهِ إلَى قَوْلِهِ وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ لَوْ وَقَعَ بِأَلْفٍ كَمَا قَالَهُ الْبَائِعُ أَخَذَ الشَّفِيعُ بِهِ وَإِنْ وَقَعَ بِأَلْفَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْمُشْتَرِي كَانَ قَوْلُ الْبَائِعِ بِعْتُ بِأَلْفٍ حَطَّ بَعْضِ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَحَطُّ بَعْضِ الثَّمَنِ يَصِحُّ وَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ عَلَى مَا مَرَّ.

وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ قَبَضَ الثَّمَنَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى تَصْدِيقِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ فِي الْمَبِيعِ أَصْلًا وَصَارَ أَجْنَبِيًّا فَالْتُحِقَ تَصْدِيقُهُ بِالْعَدَمِ، وَقِيلَ إنَّهُ يُرَاعَى التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي تَصْدِيقِ الْبَائِعِ فَإِنْ بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ بِأَنْ قَالَ: بِعْتُ الدَّارَ بِأَلْفٍ وَقَبَضْتُ الثَّمَنَ فَالشَّفِيعُ يَأْخُذُهَا بِأَلْفٍ، وَإِنْ بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ بِأَنْ قَالَ: قَبَضْتُ الثَّمَنَ وَهُوَ الْأَلْفُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ فَقَالَ بِعْتُ بِأَلْفٍ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ فَهُوَ بِقَوْلِهِ قَبَضْتُ الثَّمَنَ يُرِيدُ إسْقَاطَ حَقٍّ مُتَعَلِّقٍ بِقَوْلِهِ فَلَا يُصَدَّقُ، وَإِذَا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ فَقَدْ صَارَ أَجْنَبِيًّا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ.

وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَأَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ وَزَعَمَ أَنَّهُ أَلْفٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَالتَّمَلُّكُ يَقَعُ عَلَيْهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ مَعَ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعِ وَالدَّارُ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي لَكِنَّهُ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْبَائِعِ، وَالْبَائِعُ مَعَ الْمُشْتَرِي يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ، وَالشَّفِيعُ يَأْخُذُ الدَّارَ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ إنْ شَاءَ، أَمَّا التَّحَالُفُ وَالتَّرَادُّ فِيمَا بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَلِقَوْلِهِ «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» .

وَأَمَّا أَخْذُ الشَّفِيعِ بِقَوْلِ الْبَائِعِ " إنْ شَاءَ "؛ فَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ فَالتَّمَلُّكُ يَقَعُ عَلَيْهِ فَكَانَ الْقَوْلُ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَجْنَبِيًّا عَلَى مَا بَيَّنَّا هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ لَا لِلشَّفِيعِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ قَامَتْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي تُظْهِرُ زِيَادَةً فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْقَبُولِ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُ بِأَلْفَيْنِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِأَلْفٍ، وَأَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ لِمَا قُلْنَا، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي تُظْهِرُهَا إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لَا مُعَارِضَ لَهَا فَتُقْبَلُ فِي قَدْرِ الزِّيَادَةِ لِخُلُوِّهَا عَنْ الْمُعَارِضِ وَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْقَبُولِ فِي الْكُلِّ فَتُقْبَلُ فِي الْكُلِّ ضَرُورَةً، وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَيِّنَةَ الْمُظْهِرَةَ لِلزِّيَادَةِ مُثْبِتَةٌ وَالْأُخْرَى نَافِيَةٌ، وَالْمُثْبِتُ يَتَرَجَّحُ عَلَى النَّافِي.

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ طَرِيقَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا ذَكَرَهَا أَبُو يُوسُفَ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَأْخُذْ بِهَا، وَالثَّانِيَةُ ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ وَأَخَذَ بِهَا أَمَّا الْأُولَى فَهِيَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ جُعِلَتْ حُجَّةً لِلْمُدَّعِي قَالَ النَّبِيُّ : «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» وَالْمُدَّعِي هَهُنَا هُوَ الشَّفِيعُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَى الْخُصُومَةِ فِي الشُّفْعَةِ بَلْ إذَا تَرَكَهَا تَرَكَ وَالْمُشْتَرِي مَجْبُورٌ عَلَى التَّمَلُّكِ عَلَيْهِ، بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَ الْخُصُومَةَ لَا يَتْرُكُ فَكَانَ الْمُدَّعِي مِنْهُمَا هُوَ الشَّفِيعُ فَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ حُجَّتَهُ.

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَهِيَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مِنْ حُجَجِ الشَّرْعِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا مَا أَمْكَنَ وَهَهُنَا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ بِأَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ وُجِدَ عَقْدَانِ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ لَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَإِنْ كَانَ يُوجِبُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِأَلْفٍ ثُمَّ بَاعَ بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِأَلْفٍ دَلَّ أَنَّ الْبَيْعَيْنِ قَائِمَانِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَأَنَّ الْفَسْخَ الْأَوَّلَ فِي حَقِّهِمَا فَأَمْكَنَ تَقْدِيرُ عَقْدَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَمَّا عَلَى الطَّرِيقِ الْأُولَى؛ فَلِأَنَّ الْبَائِعَ هُنَاكَ هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>