للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الْحَيَاةِ وَهَذَا لَا يُعْلَمُ فِي الْجَنِينِ فَالْجَوَابُ أَنَّ تَقَدُّمَ الْحَيَاةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِإِطْلَاقِ اسْمِ الْمَيِّتِ، قَالَ اللَّهُ ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨] عَلَى أَنَّا إنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا فَمَاتَ بِمَوْتِ الْأُمِّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَيُحَرَّمُ احْتِيَاطًا؛ وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْحَيَاة فَيَكُونُ لَهُ أَصْلٌ فِي الذَّكَاةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْحَيَاةِ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ حَيًّا بَعْدَ ذَبْحِ الْأُمِّ.

وَلَوْ كَانَ تَبَعًا لِلْأُمِّ فِي الْحَيَاةِ لَمَا تُصُوِّرَ بَقَاؤُهُ حَيًّا بَعْدَ زَوَالِ الْحَيَاةِ عَنْ الْأُمِّ وَإِذَا كَانَ أَصْلًا فِي الْحَيَاةِ يَكُونُ أَصْلًا فِي الذَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ تَفْوِيتُ الْحَيَاةِ وَلِأَنَّهُ إذَا تُصُوِّرَ بَقَاؤُهُ حَيًّا بَعْدَ ذَبْحِ الْأُمِّ لَمْ يَكُنْ ذَبْحُ الْأُمِّ سَبَبًا لِخُرُوجِ الدَّمِ عَنْهُ إذْ لَوْ كَانَ لَمَا تُصُوِّرَ بَقَاؤُهُ حَيًّا بَعْدَ ذَبْحِ الْأُمِّ إذْ الْحَيَوَانُ الدَّمَوِيُّ لَا يَعِيشُ بِدُونِ الدَّمِ عَادَةً فَبَقِيَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ فِيهِ وَلِهَذَا إذَا جُرِحَ يَسِيلُ مِنْهُ الدَّمُ، وَأَنَّهُ حُرِّمَ بِقَوْلِهِ ﴿دَمًا مَسْفُوحًا﴾ [الأنعام: ١٤٥] وَقَوْلُهُ عَزَّ شَأْنُهُ ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ﴾ [المائدة: ٣] وَلَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ لَحْمِهِ وَدَمِهِ فَيَحْرُمُ لَحْمُهُ أَيْضًا.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ رُوِيَ بِنَصْبِ الذَّكَاةِ الثَّانِيَةِ مَعْنَاهُ كَذَكَاةِ أُمِّهِ إذْ التَّشْبِيهُ قَدْ يَكُونُ بِحَرْفِ التَّشْبِيهِ وَقَدْ يَكُونُ بِحَذْفِ حَرْفِ التَّشْبِيهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾ [النمل: ٨٨] ، وَقَالَ عَزَّ شَأْنُهُ ﴿يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾ [محمد: ٢٠] أَيْ كَنَظَرِ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّ تَشْبِيهَ ذَكَاةِ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ يَقْتَضِي اسْتِوَاءَهُمَا فِي الِافْتِقَارِ إلَى الذَّكَاةِ.

وَرِوَايَةُ الرَّفْعِ تَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ أَيْضًا قَالَ اللَّهُ ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ﴾ [آل عمران: ١٣٣] أَيْ: عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَوَاتِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْكُمْ وَيُحْتَمَلُ الْكِنَايَةُ كَمَا قَالُوا فَلَا تَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ وَرَدَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَأَنَّهُ دَلِيلُ عَدَمِ الثُّبُوتِ إذْ لَوْ كَانَ ثَابِتًا لَاشْتَهَرَ.

وَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ الدَّجَاجَةِ الْمَيِّتَةِ بَيْضَةٌ تُؤْكَلُ عِنْدَنَا سَوَاءٌ اشْتَدَّ قِشْرُهَا أَوْ لَمْ يَشْتَدَّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنْ اشْتَدَّ قِشْرُهَا تُؤْكَلُ وَإِلَّا فَلَا.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَدَّ قِشْرُهَا فَهِيَ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ فَتَحْرُمُ بِتَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ وَإِذَا اشْتَدَّ قِشْرُهَا فَقَدْ صَارَ شَيْئًا آخَرَ وَهُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْ الدَّجَاجَةِ فَيَحِلُّ.

(وَلَنَا) أَنَّهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فِي نَفْسِهِ مُودَعٌ فِي الطَّيْرِ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ لَيْسَ مِنْ أَجْزَائِهِ فَتَحْرِيمُهَا لَا يَكُونُ تَحْرِيمًا لَهُ كَمَا إذَا اشْتَدَّ قِشْرُهَا.

وَلَوْ مَاتَتْ شَاةٌ وَخَرَجَ مِنْ ضَرْعِهَا لَبَنٌ يُؤْكَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يُؤْكَلُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ جَمِيعًا إلَّا أَنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُؤْكَلُ لِكَوْنِهِ مَيْتَةً وَعِنْدَهُمَا لَا يُؤْكَلُ لِنَجَاسَةِ الْوِعَاءِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ قَوْلُهُ ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾ [النحل: ٦٦] وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْآيَةِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدِهَا: أَنَّهُ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ خَالِصًا فَيَقْتَضِي أَنْ لَا يَشُوبَهُ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ وَالْحَرَامُ لَا يَسُوغُ لِلْمُسْلِمِ، وَالثَّالِثِ: أَنَّهُ مَنَّ عَلَيْنَا بِذَلِكَ إذْ الْآيَةُ خَرَجَتْ مَخْرَجَ الْمِنَّةِ، وَالْمِنَّةُ بِالْحَلَالِ لَا بِالْحَرَامِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِنْفَحَةُ إذَا كَانَتْ مَائِعَةً وَإِنْ كَانَتْ صُلْبَةً فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : تُؤْكَلُ وَتُسْتَعْمَلُ فِي الْأَدْوِيَةِ كُلِّهَا وَعِنْدَهُمَا يُغْسَلُ ظَاهِرُهَا وَتُؤْكَلُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تُؤْكَلُ أَصْلًا.

(وَأَمَّا) الِاضْطِرَارِيَّةُ فَرُكْنُهَا الْعَقْرُ وَهُوَ الْجَرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ وَذَلِكَ فِي الصَّيْدِ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى الصَّيْدِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْدُورًا وَلَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِ الدَّمِ لِإِزَالَةِ الْمُحَرَّمِ وَتَطْيِيبِ اللَّحْمِ وَهُوَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيُقَامُ سَبَبُ الذَّبْحِ مَقَامَهُ وَهُوَ الْجَرْحُ عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ مِنْ إقَامَةِ السَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبِّبِ عِنْدَ الْعُذْرِ وَالضَّرُورَةِ كَمَا يُقَامُ السَّفَرُ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ، وَالنِّكَاحُ مَقَامَ الْوَطْءِ، وَالنَّوْمُ مُضْطَجِعًا أَوْ مُتَوَرِّكًا مَقَامَ الْحَدَثِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ مَا نَدَّ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الصَّيْدِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْنِسًا وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ بَعِيرًا نَدَّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ فَرَمَاهُ رَجُلٌ فَقَتَلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ إنَّ لِهَذِهِ الْإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَإِذَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْءٌ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا» وَسَوَاءٌ نَدَّ الْبَعِيرُ وَالْبَقَرُ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي الْمِصْرِ فَذَكَاتُهُمَا الْعَقْرُ كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا فَلَا يُقْدَرُ عَلَيْهِمَا قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالْبَعِيرُ الَّذِي نَدَّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَدَلَّ أَنَّ نَدَّ الْبَعِيرِ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْمِصْرِ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ.

(وَأَمَّا) الشَّاةُ فَإِنْ نَدَّتْ فِي الصَّحْرَاءِ فَذَكَاتُهَا الْعَقْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْدَرُ عَلَيْهَا وَإِنْ نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَمْ يَجُزْ عَقْرُهَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَخْذُهَا إذْ هِيَ لَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا فَكَانَ الذَّبْحُ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ الْعَقْرُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَقْرَ خَلَفٌ مِنْ الذَّبْحِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْأَصْلِ تَمْنَعُ الْمَصِيرَ إلَى الْخَلَفِ كَمَا فِي التُّرَابِ مَعَ الْمَاءِ وَالْأَشْهُرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>