للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَهَبَ الْبَعِيرُ فَلَمْ يَعْلَمْ أَنَادٌّ أَوْ غَيْرُ نَادٍّ لَمْ يُؤْكَلْ الصَّيْدُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الْبَعِيرَ كَانَ نَادًّا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِبِلِ الِاسْتِئْنَاسُ فَيُتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ حَتَّى يَظْهَرَ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ.

وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ رَمَى سَمَكَةً أَوْ جَرَادَةً فَأَصَابَ صَيْدًا فَقَالَ فِي رِوَايَةٍ: لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ السَّمَكَ وَالْجَرَادَ لَا ذَكَاةَ لَهُمَا وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ الْمَرْمِيَّ إلَيْهِ مِنْ جُمْلَةِ الصَّيْدِ وَإِنْ كَانَ لَا ذَكَاةَ لَهُ.

وَقَالُوا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى ظَبْيٍ مُوثَقٍ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّ الْمُوثَقَ لَيْسَ بِصَيْدٍ لِعَدَمِ مَعْنَى الصَّيْدِ فِيهِ وَهُوَ الِامْتِنَاعُ فَأَشْبَهَ شَاةً وَلَوْ أَرْسَلَ بَازَهُ عَلَى ظَبْيٍ وَهُوَ لَا يَصِيدُ الظَّبْيَ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّ هَذَا إرْسَالٌ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الِاصْطِيَادُ فَصَارَ كَمَنْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ فَأَصَابَ صَيْدًا.

(وَمِنْهَا) أَنْ لَا يَكُونَ ذُو النَّابِ الَّذِي يَصْطَادُ بِهِ مِنْ الْجَوَارِحِ مُحَرَّمَ الْعَيْنِ فَإِنْ كَانَ مُحَرَّمَ الْعَيْنِ وَهُوَ الْخِنْزِيرُ فَلَا يُؤْكَلُ صَيْدُهُ؛ لِأَنَّ مُحَرَّمَ الْعَيْنِ مُحَرَّمُ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَالِاصْطِيَادُ بِهِ انْتِفَاعٌ بِهِ فَكَانَ حَرَامًا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحِلُّ.

(وَأَمَّا) مَا سِوَاهُ مِنْ ذِي النَّابِ جَمِيعًا: كُلُّ ذِي مِخْلَبٍ وَذِي نَابٍ عُلِّمَ فَتَعَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّمَ الْعَيْنِ فَصِيدَ بِهِ كَانَ صَيْدُهُ حَلَالًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ عَزَّ شَأْنُهُ ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ﴾ [المائدة: ٤] وَقَالُوا فِي الْأَسَدِ وَالذِّئْبِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ الصَّيْدُ بِهِمَا لَا لِمَعْنًى يَرْجِعُ إلَى ذَاتِهِمَا بَلْ لِعَدَمِ احْتِمَالِ التَّعَلُّمِ؛ لِأَنَّ التَّعَلُّمَ بِتَرْكِ الْعَادَةِ وَذَلِكَ بِتَرْكِ الْأَكْلِ، وَقِيلَ: إنَّ مِنْ عَادَتِهِمَا أَنَّهُمَا إذَا أَخَذَا صَيْدًا لَا يَأْكُلَانِهِ فِي الْحَالِ فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِتَرْكِ الْأَكْلِ فِيهِمَا عَلَى التَّعَلُّمِ حَتَّى لَوْ تُصُوِّرَ تَعْلِيمُهُمَا يَجُوزُ وَذَكَر هِشَامُ وَقَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ الذِّئْبِ إذَا عُلِّمَ فَصَادَ، فَقَالَ: هَذَا أَرَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ فَإِنْ كَانَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ صَيْدِ ابْنِ عِرْسٍ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: إذَا عُلِّمَ فَتَعَلَّمَ فَكُلْ مِمَّا صَادَ فَصَادَ الْأَصْلُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَا لَا يَكُونُ مُحَرَّمَ الْعَيْنِ مِنْ الْجَوَارِحِ إذَا عُلِّمَ فَتَعَلَّمَ يُؤْكَلُ صَيْدُهُ وَاَللَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ أَعْلَمُ.

(وَمِنْهَا) أَنْ يُعَلَّمَ أَنَّ تَلَفَ الصَّيْدِ بِإِرْسَالٍ أَوْ رَمْيٍ هُوَ سَبَبُ الْحِلِّ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ فَإِنْ شَارَكَهُمَا مَعْنًى أَوْ سَبَبٌ يَحْتَمِلُ حُصُولَ التَّلَفِ بِهِ وَالتَّلَفُ بِهِ مِمَّا لَا يُفِيدُ الْحِلُّ لَا يُؤْكَلُ إلَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا اُحْتُمِلَ حُصُولُ التَّلَفِ بِمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحِلُّ فَقَدْ اُحْتُمِلَ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ فَيُرَجَّحُ جَانِبُ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهُ إنْ أَكَلَ عَسَى أَنَّهُ أَكَلَ الْحَرَامَ فَيَأْثَمُ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالتَّحَرُّزُ عَنْ الضَّرَرِ وَاجِبٌ عَقْلًا وَشَرْعًا وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ لِوَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ : «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ فَدَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : مَا اُجْتُمِعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ فِي شَيْءٍ إلَّا وَقَدْ غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ.

وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا رَمَى صَيْدًا وَهُوَ يَطِيرُ فَأَصَابَهُ فَسَقَطَ عَلَى جَبَلٍ ثُمَّ سَقَطَ مِنْهُ عَلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْمُتَرَدِّي؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ الرَّمْيِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاتَ بِسُقُوطِهِ عَنْ الْجَبَلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَى جَبَلٍ فَأَصَابَهُ فَسَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى الْجَبَلِ ثُمَّ سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ أَوْ كَانَ عَلَى سَطْحٍ فَأَصَابَهُ فَهَوَى فَأَصَابَ حَائِطَ السَّطْحِ ثُمَّ سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ، أَوْ كَانَ عَلَى نَخْلَةٍ، أَوْ شَجَرَةٍ فَسَقَطَ مِنْهَا عَلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ، أَوْ نَدَّ مِنْ الشَّجَرَةِ ثُمَّ سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ، أَوْ وَقَعَ عَلَى رُمْحٍ مَرْكُوزٍ فِي الْأَرْضِ وَفِيهِ سِنَانٌ فَوَقَعَ عَلَى السِّنَانِ ثُمَّ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ، أَوْ نَشِبَ فِيهِ السِّنَانُ فَمَاتَ عَلَيْهِ، أَوْ أَصَابَ سَهْمُهُ صَيْدًا فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ فَمَاتَ فِيهِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاتَ بِالرَّمْيِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاتَ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ الْمَوْجُودَةِ بَعْدَهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْهُ فَلَعَلَّ الْمَاءَ قَتَلَهُ» بَيَّنَ الْحُكْمَ وَعَلَّلَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ احْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ وُقُوعُهُ فِي الْمَاءِ، وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّلُ بَعْلَةٍ يَتَعَمَّمُ بِعُمُومِ الْعِلَّةِ.

وَلَوْ أَصَابَهُ السَّهْمُ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُؤْكَلَ لِجَوَازِ مَوْتِهِ بِسَبَبِ وُقُوعِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ وُقُوعِ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ فَلَوْ اُعْتُبِرَ هَذَا الِاحْتِمَالُ لَوَقَعَ النَّاسُ فِي الْحَرَجِ، وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى فِي الصَّيْدِ إذَا وَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْشَقَّ بَطْنُهُ أَوْ انْقَطَعَ رَأْسُهُ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ قَالَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ الشَّهِيدُ الْمَرْوَزِيِّ وَهَذَا خِلَافُ جَوَابِ الْأَصْلِ قَالَ الْقُدُورِيُّ وَعَنَى بِهِ أَنَّهُ خِلَافُ عُمُومِ جَوَابِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ لَوْ وَقَعَ عَلَى آجُرَّةٍ مَوْضُوعَةٍ فِي الْأَرْضِ أُكِلَ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ انْشَقَّ بَطْنُهُ أَوْ لَمْ يَنْشَقْ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُؤْكَلَ فِي الْحَالَيْنِ فَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْحَالَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>