الْوَلَدِ كَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ هَذَا فِي الْأُضْحِيَّةَ الْمُوجَبَةِ بِالنَّذْرِ كَالْفَقِيرِ إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ، فَأَمَّا الْمُوسِرُ إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فَوَلَدَتْ لَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الْوُجُوبُ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ وَفِي الثَّانِي لَمْ يَتَعَيَّنْ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِغَيْرِهَا فَكَذَا وَلَدُهَا.
وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ ﵀ وَقَالَ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ يَجِبُ ذَبْحُ الْوَلَدُ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَسْرِ إلَيْهِ وَلَكِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَكَانَ كَجِلَالِهَا وَخِطَامِهَا فَإِنْ ذَبَحَهُ تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ وَإِنْ بَاعَهُ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ، وَلَا يَبِيعُهُ وَلَا يَأْكُلُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ذَبَحَهُ أَيَّامَ النَّحْرِ وَأَكَلَ مِنْهُ كَالْأُمِّ وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ أَمْسَكَ الْوَلَدَ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ تَصَدَّقَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ ذَبْحُهُ فَصَارَ كَالشَّاةِ الْمَنْذُورَةِ.
وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى: إذَا وَضَعَتْ الْأُضْحِيَّةُ فَذَبَحَ الْوَلَدَ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ الْأُمِّ أَجْزَأَهُ، فَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ يَوْمَ الْأَضْحَى قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ، قَالَ الْقُدُورِيُّ ﵀: وَهَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - أَنَّ الصِّغَارَ تَدْخُلُ فِي الْهَدَايَا وَيَجِبُ ذَبْحُهَا، وَلَوْ وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ تَعَلَّقَ بِوَلَدِهَا مِنْ الْحُكْمِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ فَاتَ بِمُضِيِّ الْأَيَّامِ.
وَيُكْرَهُ لَهُ رُكُوبُ الْأُضْحِيَّةَ وَاسْتِعْمَالُهَا وَالْحَمْلُ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقَصَهَا ذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِنُقْصَانِهَا، وَلَوْ آجَرَهَا صَاحِبُهَا لِيُحْمَلَ عَلَيْهَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: يَنْبَغِي أَنْ يَغْرَمَ مَا نَقَصَهَا الْحَمْلُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى فِي رَجُلٍ أَهْدَى نَاقَةً ثُمَّ آجَرَهَا ثُمَّ حَمَلَ عَلَيْهَا فَإِنَّ صَاحِبَهَا يَغْرَمُ مَا نَقَصَهَا ذَلِكَ وَيَتَصَدَّقُ بِالْكِرَاءِ كَذَا هَهُنَا.
(وَأَمَّا) الَّذِي هُوَ فِي حَالِ التَّضْحِيَةِ فَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ التَّضْحِيَةِ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى مَنْ عَلَيْهِ التَّضْحِيَةُ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْأُضْحِيَّةَ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى وَقْتِ التَّضْحِيَةِ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى آلَةِ التَّضْحِيَةِ: أَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ التَّضْحِيَةِ فَمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ وَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ هُوَ الذَّبْحُ فِي الشَّاةِ وَالْبَقَرِ وَالنَّحْرُ فِي الْإِبِلِ وَيُكْرَهُ الْقَلْبُ مِنْ ذَلِكَ وَقَطْعُ الْعُرُوقِ الْأَرْبَعَةِ كُلِّهَا وَالتَّذْفِيفُ فِي ذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ الذَّبْحُ مِنْ الْحُلْقُومِ لَا مِنْ الْقَفَا.
(وَأَمَّا) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى مَنْ عَلَيْهِ التَّضْحِيَةُ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَ بِنَفْسِهِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فَمُبَاشَرَتُهَا بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنْ تَوْلِيَتِهَا غَيْرَهُ كَسَائِرِ الْقُرُبَاتِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فَنَحَرَ مِنْهَا نَيِّفًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ ﵊ ثُمَّ أَعْطَى الْمُدْيَةَ سَيِّدَنَا عَلِيًّا ﵁ فَنَحَرَ الْبَاقِينَ» وَهَذَا إذَا كَانَ الرَّجُلُ يُحْسِنُ الذَّبْحَ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يُحْسِنْ فَتَوْلِيَتُهُ غَيْرَهُ فِيهِ أَوْلَى، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: نَحَرْتُ بَدَنَةً قَائِمَةً مَعْقُولَةً فَلَمْ أَشُقَّ عَلَيْهَا فَكِدْتُ أُهْلِكُ نَاسًا لِأَنَّهَا نَفَرَتْ فَاعْتَقَدْتُ أَنْ لَا أَنْحَرَهَا إلَّا بَارِكَةً مَعْقُولَةً وَأُوَلِّيَ مَنْ هُوَ أَقْدَرُ عَلَى ذَلِكَ مِنِّي.
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ ﵁ «أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ قَالَ أَنَسٌ: فَرَأَيْت النَّبِيَّ ﵊ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا أَيْ عَلَى جَوَانِبِ عُنُقِهِمَا وَهُوَ يَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ ﵊ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَذَبَحَ الْأَوَّلَ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ آلِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ذَبَحَ الْآخَرَ وَقَالَ ﵊ اللَّهُمَّ هَذَا عَمَّنْ شَهِدَ لَك بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لِي بِالْبَلَاغِ» وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ حَالَ الذَّبْحِ مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ لِمَا رَوَيْنَا وَإِذَا لَمْ يَذْبَحْ بِنَفْسِهِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ مُسْلِمًا فَإِنْ أَمَرَ كِتَابِيًّا يُكْرَهُ لِمَا قُلْنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْضُرَ الذَّبْحَ لِمَا رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ قَالَ لِسَيِّدَتِنَا فَاطِمَةَ ﵂ «يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ قُومِي فَاشْهَدِي ضَحِيَّتَكِ فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا مَغْفِرَةً لِكُلِّ ذَنْبٍ أَمَا إنَّهُ يُجَاءُ بِدَمِهَا وَلَحْمِهَا فَيُوضَعُ فِي مِيزَانِك وَسَبْعُونَ ضِعْفًا فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ ﵁ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً فَإِنَّهُمْ أَصْلٌ لِمَا خُصُّوا بِهِ مِنْ الْخَيْرِ أَمْ لِآلِ مُحَمَّدٍ وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً فَقَالَ: هَذَا لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً» .
وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «يَا فَاطِمَةُ قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَكِ فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلْتِيهِ وَقُولِي إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ» وَأَنْ يَدْعُوَ فَيَقُولَ: اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِمَا رَوَيْنَا، وَأَنْ يَقُولَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ ﵁ قَالَ: «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِكَبْشَيْنِ فَقَالَ حِينَ وَجَّهَهُمَا: وَجَّهَتْ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ