فِي كَفَّارَةِ الْحَلْقِ؛ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ﵁ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَفِي الْقَتْلِ، وَالظِّهَارِ، وَالْإِفْطَارِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ لِوُرُودِ النَّصِّ بِهِ (وَأَمَّا) شَرْطُ جَوَازِ هَذِهِ الصِّيَامَات فَلِجَوَازِ صِيَامِ الْكَفَّارَةِ شَرَائِطُ مَخْصُوصَةٌ مِنْهَا: النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى لَا يَجُوزَ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ غَيْرُ عَيْنٍ، فَيَسْتَدْعِي وُجُوبَ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ.
(وَمِنْهَا) التَّتَابُعُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ وَالْقَتْلِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ التَّتَابُعَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْكَفَّارَاتِ الثَّلَاثَةِ قَالَ اللَّهُ ﵎ فِي كَفَّارَتَيْ الْقَتْلِ وَالْإِفْطَارِ: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ [النساء: ٩٢] «وَقَالَ النَّبِيُّ ﵊ لِلْأَعْرَابِيِّ: صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» بِخِلَافِ صَوْمِ قَضَاءِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ ﷾ أَمَرَ بِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّتَابُعِ بِقَوْلِهِ ﵎: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٤] .
(وَأَمَّا) صَوْمُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّتَابُعُ أَيْضًا عِنْدَنَا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ، وَاحْتَجَّ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ ﵎ ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّتَابُعِ.
(وَلَنَا) قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵄ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ، وَقِرَاءَتُهُ كَانَتْ مَشْهُورَةً فِي الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ لِقَبُولِ الصَّحَابَةِ ﵃ إيَّاهَا تَفْسِيرًا لِلْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، إنْ لَمْ يَقْبَلُوهَا فِي كَوْنِهَا قُرْآنًا، فَكَانَتْ مَشْهُورَةً فِي حَقِّ حُكْمِ الصَّحَابَةِ ﵃ إيَّاهَا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعَمَلِ، فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ الْكَرِيمِ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَيَجُوزُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَكَذَا عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا أَفْطَرَ فِي خِلَالِ الصَّوْمِ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الصَّوْمَ، سَوَاءٌ أَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَوْ لِعُذْرِ مَرَضٍ، أَوْ سَفَرٍ؛ لِفَوْتِ شَرْطِ التَّتَابُعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَفْطَرَ يَوْمَ الْفِطْرِ أَوْ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الصِّيَامَ سَوَاءٌ أَفْطَرَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَوْ لَمْ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لَا يَصْلُحُ لِإِسْقَاطِ مَا فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ مَا فِي ذِمَّتِهِ كَامِلٌ وَالصَّوْمَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ نَاقِصٌ لِمُجَاوَرَةِ الْمَعْصِيَةِ إيَّاهُ، وَالنَّاقِصُ لَا يَنُوبُ عَنْ الْكَامِلِ وَلَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ فَصَامَتْ عَنْ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ، أَوْ عَنْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، فَحَاضَتْ فِي خِلَالِ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهَا الِاسْتِقْبَالُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ صَوْمَ شَهْرَيْنِ لَا تَحِيضُ فِيهِمَا فَكَانَتْ مَعْذُورَةً، وَعَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ أَيَّامَ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْحَيْضِ بِمَا قَبْلَهُ حَتَّى لَوْ لَمْ تُصَلِّي وَأَفْطَرَتْ يَوْمًا بَعْدَ الْحَيْضِ اسْتَقْبَلَتْ؛ لِأَنَّهَا تَرَكَتْ التَّتَابُعَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَوْ نَفِسَتْ تَسْتَقْبِلُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهَا تَجِدُ شَهْرَيْنِ لَا نِفَاسَ فِيهِمَا، وَلَوْ كَانَتْ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، فَحَاضَتْ فِي خِلَالِ ذَلِكَ تَسْتَقْبِلُ؛ لِأَنَّهَا تَجِدُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا حَيْضَ فِيهَا فَلَا ضَرُورَةَ إلَى سُقُوطِ اعْتِبَارِ الشَّرْطِ وَلَوْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ الَّتِي لَمْ يُظَاهِرْ مِنْهَا بِالنَّهَارِ نَاسِيًا، أَوْ بِاللَّيْلِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا، أَوْ أَكَلَ بِالنَّهَارِ نَاسِيًا، لَا يَسْتَقْبِلُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَمْ يَفْسُدْ فَلَمْ يَفُتْ شَرْطُ التَّتَابُعِ (وَمِنْهَا) عَدَمُ الْمَسِيسِ فِي الشَّهْرَيْنِ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، سَوَاءٌ فَسَدَ الصَّوْمُ أَوْ لَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الشَّرْطُ عَدَمُ فَسَادِ الصَّوْمِ حَتَّى لَوْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا بِاللَّيْلِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا، أَوْ بِالنَّهَارِ نَاسِيًا، اسْتَقْبَلَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يَمْضِي عَلَى صَوْمِهِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ هَذَا الْجِمَاعَ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ التَّتَابُعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ فَلَا يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ، كَمَا لَوْ جَامَعَ امْرَأَةً أُخْرَى، ثُمَّ ظَاهَرَ مِنْهَا وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَا مَسِيسَ فِيهِمَا، بِقَوْلِهِ ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة: ٤] ، فَإِذَا جَامَعَ فِي خِلَالِهِمَا، فَلَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ، وَلَوْ جَامَعَهَا بِالنَّهَارِ عَامِدًا اسْتَقْبَلَ بِالِاتِّفَاقِ (أَمَّا) عِنْدَهُمَا فَلِوُجُودِ الْمَسِيسِ، (وَأَمَّا) عِنْدَهُ فَلِانْقِطَاعِ التَّتَابُعِ لِوُجُودِ فَسَادِ الصَّوْمِ (وَأَمَّا) وُجُوبُ كَفَّارَةِ الْحَلْقِ، فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَرَّقَ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ ﵎ ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ.
(وَأَمَّا) الْإِطْعَامُ فِي كَفَّارَتَيْ الظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ فَالْكَلَامُ فِي جَوَازِهِ صِفَةً وَقَدْرًا وَمَحَلًّا كَالْكَلَامِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَعَدَمُ الْمَسِيسِ فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ جَامَعَ فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ لِأَنَّ اللَّهَ ﵎ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْكَفَّارَةِ لِقَوْلِهِ ﷾ ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ [المجادلة: ٤] مِنْ غَيْرِ شَرْطِ تَرْكِ الْمَسِيسِ، إلَّا أَنَّهُ مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ قَبْلَهُ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الصَّوْمِ أَوْ الِاعْتِكَافِ، فَتَنْتَقِلُ الْكَفَّارَةُ إلَيْهِمَا، فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْوَطْءَ كَانَ حَرَامًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الظِّهَارِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute