للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ أَجِبْ مُحَمَّدًا فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَ بِي نَسَمَةً مِنْ النَّارِ» وَلِأَنَّ عِيَادَةَ الْجَارِ قَضَاءُ حَقِّ الْجِوَارِ وَأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ ﴿وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ [النساء: ٣٦] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ مَعَ مَا فِي الْعِيَادَةِ مِنْ الدَّعْوَةِ إلَى الْإِيمَانِ رَجَاءَ الْإِيمَانِ فَكَيْفَ يَكُونُ مَكْرُوهًا؟ .

وَيُكْرَهُ الِابْتِدَاءِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ لِأَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ لِكُلِّ بِرٍّ وَخَيْرٍ وَلَا يَجُوزُ مِثْلُ هَذَا الدُّعَاءِ لِلْكَافِرِ إلَّا أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ لَا بَأْسَ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ مُجَازَاةً لَهُ وَلَكِنْ لَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْك لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «إنَّ الْيَهُودَ إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدُهُمْ فَإِنَّمَا يَقُولُ السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقُولُوا وَعَلَيْك» .

وَلَا بَأْسَ بِدُخُولِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْمَسَاجِدَ عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَحِلُّ لَهُمْ دُخُولُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ احْتَجَّ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ ﷿ ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التوبة: ٢٨] وَتَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَنْ النَّجَسِ وَاجِبٌ يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ يَجِبُ تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَنْ بَعْضِ الطَّاهِرَاتِ كَالنُّخَامَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «إنَّ الْمَسْجِدَ لَيَنْزَوِي مِنْ النُّخَامَةِ كَمَا تَنْزَوِي الْجِلْدَةُ مِنْ النَّارِ» فَعَنْ النَّجَاسَةِ أَوْلَى وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا ﴿فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: ٢٨] خَصَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بِالنَّهْيِ عَنْ قُرْبَانِهِ فَيَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ حُرْمَةِ الدُّخُولِ بِهِ لِيَكُونَ التَّخْصِيصُ مُفِيدًا.

(وَلَنَا) أَنَّ الْمُشْرِكِينَ مِنْ وُفُودِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ كَانُوا يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَكَذَا وَفْدُ ثَقِيفٍ دَخَلُوا الْمَسْجِدَ «وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ» جَعَلَ الْمَسْجِدَ مَأْمَنًا وَدَعَاهُمْ إلَى دُخُولِهِ وَمَا كَانَ لِيَدْعُوَ إلَى الْحَرَامِ (وَأَمَّا) الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ نَجَسُ الِاعْتِقَادِ وَالْأَفْعَالِ لَا نَجَسُ الْأَعْيَانِ إذْ لَا نَجَاسَةَ عَلَى أَعْيَانِهِمْ حَقِيقَةً وَقَوْلُهُ ﷿ ﴿فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: ٢٨] نَهْيٌ عَنْ دُخُولِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ لَا عَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ﴾ [التوبة: ٢٨] .

وَمَعْلُومٌ أَنَّ خَوْفَ الْعَيْلَةِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِمَنْعِهِمْ عَنْ دُخُولِ مَكَّةَ لَا عَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُمْ إذَا دَخَلُوا مَكَّةَ وَلَمْ يَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لَا يَتَحَقَّقُ خَوْفُ الْعَيْلَةِ وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَعَثَ سَيِّدَنَا عَلِيًّا يُنَادِي أَلَا لَا يَحُجُّنَّ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ مُشْرِكٌ» فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا نَهْيٌ عَنْ دُخُولِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ إلَّا أَنَّهُ ذَكَر الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِمَا أَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ إتْيَانِ مَكَّةَ الْبَيْتُ وَالْبَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمُسْلَمٌ بَاعَ خَمْرًا وَأَخَذَ ثَمَنَهَا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُكْرَهُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ نَصْرَانِيًّا فَلَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ (وَوَجْهُ) الْفَرْقِ أَنَّ بَيْعَ الْخَمْرِ مِنْ الْمُسْلِمِ بَاطِلٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَلَا يَمْلِكُ ثَمَنَهَا فَبَقِيَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَصِحُّ قَضَاءُ الدَّيْنُ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ نَصْرَانِيًّا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ لِكَوْنِهَا مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي حَقِّهِ فَمَلَكَ ثَمَنَهَا فَصَحَّ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

رَجُلٌ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ أَوْ طَعَامٍ وَهُنَاكَ لَعِبٌ أَوْ غِنَاءٌ جُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ هَذَا فِي الْأَصْلِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا أَنَّ هُنَاكَ ذَاكَ وَإِمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَإِنْ كَانَ مِنْ غَالِبِ رَأْيِهِ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّغْيِيرُ يُجِيبُ لِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَى مَسْنُونَةٌ قَالَ النَّبِيُّ «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى وَلِيمَةٍ فَلْيَأْتِهَا» وَتَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ مَفْرُوضٌ فَكَانَ فِي الْإِجَابَةِ إقَامَةُ الْفَرْضِ وَمُرَاعَاةُ السُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي غَالِبِ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّغْيِيرُ لَا بَأْسَ بِالْإِجَابَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ مَسْنُونَةٌ وَلَا تُتْرَكُ السُّنَّةُ لِمَعْصِيَةٍ تُوجَدُ مِنْ الْغَيْرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ تَشْيِيعُ الْجِنَازَةِ وَشُهُودُ الْمَأْتَمِ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَعْصِيَةٌ مِنْ النِّيَاحَةِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؟ كَذَا هَهُنَا.

وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الْمَدْعُوُّ إمَامًا يُقْتَدَى بِهِ بِحَيْثُ يُحْتَرَمُ وَيُحْتَشَمُ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَتَرْكُ الْإِجَابَةِ وَالْقُعُودِ عَنْهَا أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا حَتَّى ذَهَبَ فَوَجَدَ هُنَاكَ لَعِبًا أَوْ غِنَاءً فَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّغْيِيرُ غَيَّرَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْعُدَ وَيَأْكُلَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ اُبْتُلِيت بِهَذَا مَرَّةً لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ أَمْرٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَلَا يُتْرَكُ لَأَجْلِ مَعْصِيَةٍ تُوجَدُ مِنْ الْغَيْرِ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى دَخَلَ فَإِنْ عَلِمَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ يَرْجِعْ وَلَا يَدْخُلُ وَقِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ إمَامًا يُقْتَدَى بِهِ فَإِنْ كَانَ لَا يَمْكُثُ بَلْ يَخْرُجُ لِأَنَّ فِي الْمُكْثِ اسْتِخْفَافًا بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ وَتَجْرِئَةً لِأَهْلِ الْفِسْقِ عَلَى الْفِسْقِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَصَبْرُ أَبِي حَنِيفَةَ مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتٍ لَمْ يَصِرْ فِيهِ مُقْتَدًى بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَوْ صَارَ لَمَا صَبَرَ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْغِنَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>