للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلِهِ ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ١٠] شَرَعَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالتِّجَارَةَ وَابْتِغَاءَ الْفَضْلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا إذَا وُجِدَ مِنْ الْمَالِكِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَبَيْنَ مَا إذَا وُجِدَ مِنْ الْوَكِيلِ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ بَيْنَ مَا إذَا، وُجِدَتْ الْإِجَارَةُ مِنْ الْمَالِكِ فِي الِانْتِهَاءِ وَبَيْنَ وُجُودِ الرِّضَا فِي التِّجَارَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِإِطْلَاقِهَا إلَّا مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ.

وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ «أَنَّهُ دَفَعَ دِينَارًا إلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ، ثُمَّ بَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجَاءَ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ إلَى النَّبِيِّ فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ» ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَكِيمٌ مَأْمُورًا بِبَيْعِ الشَّاةِ فَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ تَصَرُّفُهُ لَمَا بَاعَ، وَلَمَا دَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ بِالْخَيْرِ، وَالْبَرَكَةِ عَلَى مَا فَعَلَ، وَلَأَنْكَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ يُنْكَرُ، وَلِأَنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِلِ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَجْهِ الْأَحْسَنِ مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الْأَحْسَنِ هَهُنَا، وَقَدْ قَصَدَ الْبِرَّ بِهِ وَالْإِحْسَانَ إلَيْهِ بِالْإِعَانَةِ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لِلْمَالِكِ فِي زَعْمِهِ لِعِلْمِهِ بِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ لَكِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لِمَوَانِعَ، وَقَدْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُ الْمَانِعِ فَأَقْدَمَ عَلَيْهِ نَظَرًا لِصَدِيقِهِ، وَإِحْسَانًا إلَيْهِ لِبَيَانِ الْمَحْمَدَةِ وَالثَّنَاءِ لِتُحْمَلَ مُؤْنَةُ مُبَاشَرَةِ التَّصَرُّفِ الَّذِي هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَالثَّوَابُ مِنْ اللَّهِ ﷿ بِالْإِعَانَةِ عَلَى الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ قَالَ اللَّهُ ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٢] ، وَقَالَ - تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ - ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ١٩٥] إلَّا أَنَّ فِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ ضَرَرًا فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ لِلنَّاسِ رَغَائِبَ فِي الْأَعْيَانِ، وَقَدْ يُقْدِمُ الرَّجُلُ عَلَى شَيْءٍ ظَهَرَتْ لَهُ الْحَاجَةُ عَنْهُ بِإِزَالَتِهِ عَنْ مِلْكِهِ لِحُصُولِ غَرَضِهِ بِدُونِ ذَلِكَ وَنَحْو ذَلِكَ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ظَنَّهُ مُبَاشِرَ التَّصَرُّفِ إجَازَةً وَحَصَلَ لَهُ النَّفْعُ مِنْ جِهَتِهِ، فَيَنَالُ الثَّوَابَ وَالثَّنَاءَ وَإِلَّا فَلَا يُجِيزُهُ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِقَصْدِ الْإِحْسَانِ وَإِيصَالِ النَّفْعِ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِإِهْدَارِ هَذَا التَّصَرُّفِ، وَإِلْحَاقُ كَلَامِهِ، وَقَصْدُهُ بِكَلَامِ الْمَجَانِينِ، وَقَصْدِهِمْ مَعَ نَدْبِ اللَّهِ ﷿ إلَى ذَلِكَ، وَحَثِّهِ عَلَيْهِ لِمَا تَلَوْنَا مِنْ الْآيَاتِ، وَقَوْلُهُ صِحَّةُ التَّصَرُّفِ عِبَارَةٌ عَنْ اعْتِبَارِهِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ قُلْنَا نَعَمْ، وَعِنْدَنَا هَذَا التَّصَرُّفُ مُفِيدٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِيمَا يَتَضَرَّرُ الْمَالِكُ بِزَوَالِهِ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ إمَّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ بِوَجْهٍ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ التَّوَقُّفِ عِنْدَنَا أَنْ يَتَوَقَّفَ فِي الْجَوَابِ فِي الْحَالِ أَنَّهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْحُكْمِ أَمْ لَا، وَلَا يَقْطَعُ الْقَوْلَ بِهِ لِلْحَالِ، وَلَكِنْ يَقْطَعُ الْقَوْلَ بِصِحَّتِهِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ، وَهَذَا جَائِزٌ، وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الشَّرْعِ، وَهُوَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا عُرِفَ.

(وَأَمَّا) شِرَاءُ الْفُضُولِيِّ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهِ.

ثُمَّ الْإِجَازَةُ إنَّمَا تَلْحَقُ تَصَرُّفَ الْفُضُولِيِّ عِنْدَنَا بِشَرَائِطَ.

(مِنْهَا) أَنْ يَكُونَ لَهُ مُجِيزٌ عِنْدَ وُجُودِهِ فَمَا لَا مُجِيزَ لَهُ عِنْدَ وُجُودِهِ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ؛ لِأَنَّ مَا لَهُ مُجِيزٌ مُتَصَوَّرٌ مِنْهُ الْإِذْنُ لِلْحَالِ، وَبَعْدَ وُجُودِ التَّصَرُّفِ فَكَانَ الِانْعِقَادُ عِنْدَ الْإِذْنِ الْقَائِمِ مُفِيدًا فَيَنْعَقِدُ، وَمَا لَا مُجِيزَ لَهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِذْنُ بِهِ لِلْحَالِ، وَالْإِذْنُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَدْ يَحْدُثُ، وَقَدْ لَا يَحْدُثُ فَإِنْ حَدَثَ كَانَ الِانْعِقَادُ مُفِيدًا، وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا فَلَا يَنْعَقِدْ مَعَ الشَّكِّ فِي حُصُولِ الْفَائِدَةِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْهُودِ أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِيَقِينٍ لَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ، وَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لِلْمُنْعَقِدِ، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا طَلَّقَ الْفُضُولِيُّ امْرَأَةَ الْبَالِغِ، أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ وَهَبَ مَالَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الْبَالِغَ يَمْلِكُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بِنَفْسِهِ فَكَانَ لَهَا مُجِيزًا حَالَ وُجُودِهَا فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ، وَبِمِثْلِهِ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى الصَّبِيِّ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بِنَفْسِهِ أَلَا تَرَى لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ لَا تَنْعَقِدُ؟ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا مُجِيزٌ حَالَ وُجُودِهَا فَلَمْ تَنْعَقِدْ.

وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ إذَا بَاعَ مَالَ نَفْسِهِ أَوْ اشْتَرَى أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ أَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ أَوْ فَعَلَ بِنَفْسِهِ مَا لَوْ فَعَلَ عَلَيْهِ، وَلِيُّهُ لَجَازَ عَلَيْهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ، وَلِيِّهِ مَا دَامَ صَغِيرًا أَوْ عَلَى إجَازَتِهِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ إنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ وَلِيِّهِ فِي حَالِ صِغَرِهِ حَتَّى لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ قَبْلَ إجَازَةِ الْوَلِيِّ فَأَجَازَ بِنَفْسِهِ جَازَ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَفْسِ الْبُلُوغِ مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَهَا مُجِيزٌ حَالَ، وُجُودِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهَا، وَلِيُّهُ جَازَتْ فَاحْتُمِلَ التَّوَقُّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ بِنَفْسِهِ أَيْضًا بَعْدَ الْبُلُوغِ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ، وَلِيِّهِ فِي حَالِ صِغَرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَلَغَ فَقَدْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ فَأَوْلَى أَنْ يَمْلِكَ الْإِجَازَةَ، وَلِأَنَّ، وَلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَوْقَ، وَلَايَةِ، وَلِيِّهِ عَلَيْهِ فِي حَالِ صِغَرِهِ فَلَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>