بِدِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ إلَّا فِي قَفِيزٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَجُوزُ فِي الْبَاقِي إلَّا إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي جُمْلَةَ الْقُفْزَانِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِأَنْ كَالَهَا فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَ كُلَّ قَفِيزٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى افْتَرَقَا عَنْ الْمَجْلِسِ تَقَرَّرَ الْفَسَادُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ فِي كُلِّ الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ سَوَاءً عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ: كُلُّ قَفِيزٍ مِنْهَا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ كُلُّ ثَلَاثَةِ أَقْفِزَةٍ مِنْهَا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْوَزْنُ الَّذِي لَا ضَرَرَ فِي تَبْعِيضِهِ كَالزَّيْتِ وَتِبْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ إذَا لَمْ يُسَمِّ جُمْلَتَهَا.
(وَأَمَّا) الذَّرْعِيَّاتُ: فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ جُمْلَةَ الذُّرْعَانِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُ مِنْكَ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ هَذِهِ الْخَشَبَةَ كُلَّ ذِرَاعٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي الْكُلِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ إلَّا إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي جُمْلَةَ الذُّرْعَانِ فِي الْمَجْلِسِ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى إذَا تَفَرَّقَا تَقَرَّرَ الْفَسَادُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ وَيَلْزَمُهُ كُلُّ ذِرَاعٍ مِنْهُ بِدِرْهَمٍ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ: كُلُّ ذِرَاعَيْنِ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ كُلُّ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَفَاوِتَةُ كَالْأَغْنَامِ وَالْعَبِيدِ بِأَنْ قَالَ: بِعْتُ مِنْكَ هَذَا الْقَطِيعَ مِنْ الْغَنَمِ كُلَّ شَاةٍ مِنْهَا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَمْ يُسَمِّ جُمْلَةَ الشِّيَاهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْوَزْنِيُّ الَّذِي فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ كَالْمَصُوغِ مِنْ الْأَوَانِي وَالْقُلْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ أَنَّ جُمْلَةَ الْبَيْعِ مَعْلُومَةٌ وَجُمْلَةَ الثَّمَنِ مُمْكِنُ الْوُصُولِ إلَى الْعِلْمِ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالْعَدَدِ وَالذَّرْعِ فَكَانَتْ هَذِهِ جَهَالَةٌ مُمْكِنَةَ الرَّفْعِ وَالْإِزَالَةِ وَمِثْلُ هَذِهِ الْجَهَالَةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَمَا إذَا بَاعَ بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ ذَهَبًا، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ جُمْلَةَ الثَّمَنِ مَجْهُولَةٌ حَالَةَ الْعَقْدِ جَهَالَةً مُفْضِيَةً إلَى الْمُنَازَعَةِ فَتُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ كَمَا إذَا بَاعَ الشَّيْءَ بِرَقْمِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ جَهَالَةَ الثَّمَنِ حَالَةَ الْعَقْدِ مَجْهُولَةٌ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ كُلَّ قَفِيزٍ مِنْ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ وَجُمْلَةُ الْقُفْزَانِ لَيْسَتْ بِمَعْلُومَةٍ حَالَةَ الْعَقْدِ فَلَا تَكُونُ جُمْلَةُ الثَّمَنِ مَعْلُومَةً ضَرُورَةً، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ وَالْمَذْرُوعِ.
وَقَوْلُهُمَا يُمْكِنُ رَفْعُ هَذِهِ الْجَهَالَةِ مُسَلَّمٌ لَكِنَّهَا ثَابِتَةٌ لِلْحَالِ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ، وَعِنْدَنَا إذَا ارْتَفَعَتْ فِي الْمَجْلِسِ يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ إلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ وَإِنْ طَالَ فَلَهُ حُكْمُ سَاعَةِ الْعَقْدِ، وَالْبَيْعُ بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ ذَهَبًا مَمْنُوعٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الْمِثْلِيَّاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ وَجْهٍ حَيْثُ جَوَّزَ الْبَيْعَ فِي وَاحِدٍ فِي بَابِ الْأَمْثَالِ وَلَمْ يُجِزْ فِي غَيْرِهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الصِّحَّةِ جَهَالَةُ الثَّمَنِ لِكَوْنِهَا مُفْضِيَةً إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَجَهَالَةُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ غَيْرُ مَانِعَةٍ مَعَ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ أَلَا تَرَى لَوْ اشْتَرَى قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ ابْتِدَاءً جَازَ؟ فَإِذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِعُمُومِ كَلِمَةِ.
(كُلَّ) صُرِفَتْ إلَى الْخُصُوصِ؛ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْهُودِ فِي صِيغَةِ الْعَامِّ إذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِعُمُومِهَا أَنَّهَا تُصْرَفُ إلَى الْخُصُوصِ عِنْدَ إمْكَانِ الصَّرْفِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ شَاةٍ مِنْ قَطِيعٍ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ جَهَالَةٌ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ وَشَاةٍ مِنْ قَطِيعٍ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِعُمُومِ كَلِمَةِ (كُلَّ) فَفَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُ مِنْكَ هَذَا الْقَطِيعَ مِنْ الْغَنَمِ كُلَّ شَاتَيْنِ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي الْكُلِّ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي عَدَدَ الْجُمْلَةِ فِي الْمَجْلِسِ وَاخْتَارَ الْبَيْعَ فُرِّقَ بَيْنَ الْمَعْدُودِ الْمُتَفَاوِتِ وَبَيْنَ الْمَذْرُوعِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ الْمُتَقَارِبِ أَنَّ الْوَاحِدَ وَالِاثْنَيْنِ هُنَاكَ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَإِذَا عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ وَاخْتَارَ الْبَيْعَ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَهَهُنَا لَا يَجُوزُ فِي الِاثْنَيْنِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ عَلِمَ وَاخْتَارَ الْبَيْعَ.
(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ أَنَّ الْمَانِعَ هُنَاكَ جَهَالَةُ الثَّمَنِ وَهِيَ مُحْتَمِلَةُ الِارْتِفَاعِ وَالزَّوَالِ ثَمَّةَ بِالْعِلْمِ فِي الْمَجْلِسِ فَكَانَ الْمَانِعُ يَحْتَمِلُ الزَّوَالَ، وَالْجَهَالَةُ هَهُنَا لَا تَحْتَمِلُ الِارْتِفَاعَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ ثَمَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى كَمْ هُوَ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُ مِنْكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّ جُمْلَةَ الصُّبْرَةِ وَلَكِنَّهُ سَمَّى جُمْلَةَ الثَّمَنِ، لَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي الْأَصْلِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ ﵀ أَنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ جَهَالَةُ الثَّمَنِ وَلَمْ تُوجَدْ حَيْثُ سَمَّاهَا وَصَارَتْ تَسْمِيَةُ جُمْلَةِ الثَّمَنِ بِمَنْزِلَةِ تَسْمِيَةِ جُمْلَةِ الْمَبِيعِ، وَلَوْ سَمَّى جُمْلَةَ الْمَبِيعِ لَجَازَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ كَذَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا لَمْ يُسَمِّ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَذْرُوعَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ، فَأَمَّا إذَا أَسْمَاهَا بِأَنْ قَالَ: بِعْتُ مِنْكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيزٍ كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، أَوْ قَالَ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيزٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقُفْزَانِ ثَمَنًا عَلَى حِدَةٍ أَوْ سَمَّى لِلْكُلِّ ثَمَنًا وَاحِدًا هُمَا سَوَاءٌ، فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ مَعْلُومَةٌ وَجُمْلَةَ الثَّمَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute