الْأَلْفَاظِ يَجُوزُ، كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُنْتَقَى، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، أَوْ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ سَوَاءٌ قَوْله تَعَالَى: ﴿أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ﴾ [الإسراء: ١١٠] ، وَلِهَذَا يَجُوزُ الذَّبْحُ بِاسْمِ الرَّحْمَنِ، أَوْ بِاسْمِ الرَّحِيمِ، فَكَذَا هَذَا، وَاَلَّذِي يُحَقِّقُ مَذْهَبَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَنَا بِهِمْ أُسْوَةٌ هَذَا إذَا ذَكَرَ الِاسْمَ وَالصِّفَةَ، فَأَمَّا إذَا ذَكَر الِاسْمَ لَا غَيْرَ بِأَنْ قَالَ: " اللَّهُ " لَا يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا، وَكَذَا رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِالِاسْمِ وَالصِّفَةِ فَلَا يَجُوزُ الِاكْتِفَاءُ بِمُجَرَّدِ الِاسْمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّصَّ مَعْلُولٌ بِمَعْنَى التَّعْظِيمِ، وَأَنَّهُ يَحْصُلُ بِالِاسْمِ الْمُجَرَّدِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا بِقَوْلِهِ: " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ "، وَالشُّرُوعُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِقَوْلِهِ: " اللَّهُ " لَا بِالنَّفْيِ، وَلَوْ قَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي " لَا يَصِيرُ شَارِعًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلِصْ تَعْظِيمًا لِلَّهِ - تَعَالَى - بَلْ هُوَ لِلْمَسْأَلَةِ وَالدُّعَاءِ دُونَ خَالِصِ الثَّنَاءِ وَالتَّعْظِيمِ.
وَلَوْ قَالَ: " اللَّهُمَّ " اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ لِاخْتِلَافِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي مَعْنَاهُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِيرُ شَارِعًا؛ لِأَنَّ الْمِيمَ فِي قَوْلِهِ اللَّهُمَّ بَدَلٌ عَنْ النِّدَاءِ، كَأَنَّهُ قَالَ: " يَا اللَّهُ ".
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَصِيرُ شَارِعًا؛ لِأَنَّ الْمِيمَ فِي قَوْلِهِ: " اللَّهُمَّ " بِمَعْنَى السُّؤَالِ، مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ آمِنَّا بِخَيْرٍ، أَيْ أَرِدْنَا بِهِ فَيَكُونُ دُعَاءً لَا ثَنَاءً خَالِصًا كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِالْفَارِسِيَّةِ بِأَنْ قَالَ: خداي بزر كنر أَوْ خداي بزرك - يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَصِيرُ شَارِعًا إلَّا إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ.
وَلَوْ ذَبَحَ وَسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، فَأَبُو يُوسُفَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي مُرَاعَاةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ لَفْظَةُ التَّكْبِيرِ بِقَوْلِهِ ﷺ: «وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» ، وَهِيَ لَا تَحْصُلُ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَفِي بَابِ الذَّبْحِ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ هُوَ مُطْلَقُ الذِّكْرِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ [الحج: ٣٦] وَذَا يَحْصُلُ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَمُحَمَّدٌ فَرَّقَ فَجَوَّزَ النَّقْلَ إلَى لَفْظٍ آخَرَ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَمْ يُجَوِّزْ النَّقْلَ إلَى الْفَارِسِيَّةِ فَقَالَ: الْعَرَبِيَّةُ لِبَلَاغَتِهَا وَوَجَازَتِهَا تَدُلُّ عَلَى مَعَانٍ لَا تَدُلُّ عَلَيْهَا الْفَارِسِيَّةُ، فَتَحْتَمِلُ الْخَلَلَ فِي الْمَعْنَى عِنْدَ النَّقْلِ مِنْهَا إلَى الْفَارِسِيَّةِ، وَكَذَا لِلْعَرَبِيَّةِ مِنْ الْفَضِيلَةِ مَا لَيْسَ لِسَائِرِ الْأَلْسِنَةِ، وَلِهَذَا كَانَ الدُّعَاءُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَقْرَبَ إلَى الْإِجَابَةِ، وَلِذَلِكَ خَصَّ اللَّهُ - تَعَالَى - أَهْلَ كَرَامَتِهِ فِي الْجَنَّةِ بِالتَّكَلُّمِ بِهَذِهِ اللُّغَةِ؛ فَلَا يَقَعُ غَيْرُهَا مِنْ الْأَلْسِنَةِ مَوْقِعَ كَلَامِ الْعَرَبِ، إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يُحْسِنْ جَازَ لِمَكَانِ الْعُذْرِ وَأَبُو حَنِيفَةَ اعْتَمَدَ كِتَابَ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي اعْتِبَارِ مُطْلَقِ الذِّكْرِ، وَاعْتُبِرَ مَعْنَى التَّعْظِيمِ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَاصِلٌ بِالْفَارِسِيَّةِ ثُمَّ شَرْطُ صِحَّةِ التَّكْبِيرِ أَنْ يُوجَدَ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ فِي حَقِّ الْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ، سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ مُقْتَدِيًا، حَتَّى لَوْ كَبَّرَ قَاعِدًا ثُمَّ قَامَ لَا يَصِيرُ شَارِعًا، وَلَوْ وَجَدَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ الْقُعُودِ يَنْبَغِي أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا ثُمَّ يَتْبَعَهُ فِي الرُّكْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَلَوْ كَبَّرَ لِلِافْتِتَاحِ فِي الرُّكْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا لِعَدَمِ التَّكْبِيرِ قَائِمًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
(وَمِنْهَا) - تُقَدَّمُ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ الَّتِي يَتَذَكَّرُهَا إذَا كَانَتْ الْفَوَائِتُ قَلِيلَةً، وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ، هُوَ شَرْطُ جَوَازِ أَدَاءِ الْوَقْتِيَّةِ، فَهَذَا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلَقَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ شَرْطُ جَوَازِ الْأَدَاءِ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ بِمُسْقِطٍ، وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَصْلًا، وَيَجُوزُ أَدَاءُ الْوَقْتِيَّةِ قَبْلَ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ فَيَقَعُ الْكَلَامُ فِيهِ فِي الْأَصْلِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا - فِي اشْتِرَاطِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّرْتِيبِ، وَالثَّانِي - فِي بَيَانِ مَا يُسْقِطُهُ.
(أَمَّا) الْأَوَّلُ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا - التَّرْتِيبُ فِي أَدَاءِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَالثَّانِي - التَّرْتِيبُ فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ وَأَدَاءِ الْوَقْتِيَّةِ، وَالثَّالِثُ - التَّرْتِيبُ فِي الْفَوَائِتِ، وَالرَّابِعُ - التَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ.
(أَمَّا) الْأَوَّلُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا شَرْطُ جَوَازِ أَدَائِهَا، حَتَّى لَا يَجُوزَ أَدَاءُ الظُّهْرِ فِي وَقْتِ الْفَجْرِ، وَلَا أَدَاءُ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ لَا تَجِبُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، وَأَدَاءُ الْوَاجِبِ قَبْلَ وُجُوبِهِ مُحَالٌ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ.
(أَمَّا) التَّرْتِيبُ بَيْنَ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ وَأَدَاءِ الْوَقْتِيَّةِ فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّهُ شَرْطٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ بِشَرْطٍ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ هَذَا الْوَقْتَ صَارَ لِلْوَقْتِيَّةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، فَيَجِبُ أَدَاؤُهَا فِي وَقْتِهَا كَمَا فِي حَالِ ضِيقِ الْوَقْتِ وَكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ وَالنِّسْيَانِ.
(وَلَنَا) قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلِيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «لَا وَقْتَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ، فَقَدْ جَعَلَ وَقْتَ التَّذَكُّرِ وَقْتَ الْفَائِتَةِ» ، فَكَانَ أَدَاءُ الْوَقْتِيَّةِ قَبْلَ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ أَدَاءً قَبْلَ وَقْتِهَا فَلَا يَجُوزُ