للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِقَالَةِ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ.

(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ: عُمُومُ النَّهْيِ الَّذِي رَوَيْنَا إلَّا مِنْ حَيْثُ خُصَّ بِدَلِيلٍ، وَفِي الْبَابِ نَصٌّ خَاصٌّ، وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِرَبِّ السَّلَمِ «لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَكَ، أَوْ رَأْسَ مَالِك» ، وَفِي رِوَايَةٍ «خُذْ سَلَمَك، أَوْ رَأْسَ مَالِك» نَهَى النَّبِيُّ رَبَّ السَّلَمِ عَنْ الْأَخْذِ عَامًّا، وَاسْتَثْنَى أَخْذَ السَّلَمِ، أَوْ رَأْسَ الْمَالِ فَبَقِيَ أَخْذُ مَا وَرَاءَهُمَا عَلَى أَصْلِ النَّهْيِ، وَكَذَا إذَا انْفَسَخَ السَّلَمُ بَعْدَ صِحَّتِهِ لِمَعْنًى عَارِضٍ نَحْوَ ذِمِّيٍّ أَسْلَمَ إلَى ذِمِّيٍّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي خَمْرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَا، أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِ الْخَمْرِ حَتَّى بَطَلَ السَّلَمُ، وَوَجَبَ عَلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ رَدُّ رَأْسِ الْمَالِ لَا يَجُوزُ لِرَبِّ السَّلَمِ الِاسْتِبْدَالُ اسْتِحْسَانًا لِمَا رَوَيْنَا، وَلَوْ كَانَ السَّلَمُ فَاسِدًا مِنْ الْأَصْلِ وَوَجَبَ عَلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ رَدُّ رَأْسِ الْمَالِ لِفَسَادِ السَّلَمِ يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ إذَا كَانَ فَاسِدًا فِي الْأَصْلِ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ السَّلَمِ فَكَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الدُّيُونِ مِنْ الْقَرْضِ، وَثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَضَمَانِ الْغَصْبِ، وَالِاسْتِهْلَاكِ.

(وَأَمَّا) بَدَلُ الصَّرْفِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَهُوَ حَالُ بَقَاءِ الْعَقْدِ، وَيَجُوزُ فِي الِانْتِهَاءِ، وَهُوَ مَا بَعْدَ الْإِقَالَةِ، بِخِلَافِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الْحَالَيْنِ.

(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ: أَنَّ الْقِيَاسَ جَوَازُ الِاسْتِبْدَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ فِي النَّاسِ جَمِيعًا؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ، وَفَسْخُ الْعَقْدِ رَفْعُهُ مِنْ الْأَصْلِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ لَجَازَ الِاسْتِبْدَالُ فَكَذَا إذَا رُفِعَ، وَأُلْحِقَ بِالْعَدَمِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الِاسْتِبْدَالُ فِيهِمَا جَمِيعًا إلَّا أَنَّ الْحُرْمَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ ثَبَتَتْ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، وَهُوَ مَا رَوَيْنَا، وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي السَّلَمِ فَبَقِيَ جَوَازُ الِاسْتِبْدَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ فِي الصَّرْفِ عَلَى الْأَصْلِ، وَكَذَا الثِّيَابُ الْمَوْصُوفَةُ فِي الذِّمَّةِ الْمُؤَجَّلَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِلنَّهْيِ سَوَاءٌ كَانَ ثُبُوتُهَا فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدِ السَّلَمِ، أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ كَمَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلَةٌ بِطَرِيقِ السَّلَمِ تَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلَةً لَا بِطَرِيقِ السَّلَمِ بِأَنْ بَاعَ عَبْدًا بِثَوْبِ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَا يَكُونُ جَوَازُهُ بِطَرِيقِ السَّلَمِ بِدَلِيلٍ أَنَّ قَبْضَ الْعَبْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَقَبْضَ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ شَرْطُ جَوَازِ السَّلَمِ، وَكَذَا إذَا أَجَّرَ دَارِهِ بِثَوْبٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلٍ جَازَتْ الْإِجَارَةُ، وَلَا يَكُونُ سَلَمًا، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَصَالَحَهُ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلٍ جَازَ الصُّلْحُ، وَلَا يَكُونُ هَذَا سَلَمًا، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ بِالْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثُبُوتُهُ بِعَقْدِ السَّلَمِ فَهَذِهِ جُمْلَةُ الدُّيُونِ الَّتِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَمَا سِوَاهَا مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَالْقَرْضِ، وَقِيمَةِ الْمَغْصُوبِ، وَالْمُسْتَهْلَكِ، وَنَحْوِهَا فَيَجُوزُ بَيْعُهَا مِمَّنْ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : ثَمَنُ الْمَبِيعِ إذَا كَانَ عَيْنًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا لَا يَجُوزُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ عِنْدَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَرَادِفَةِ يَقَعَانِ عَلَى مُسَمًّى وَاحِدٍ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعًا فَكَانَ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَذَا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ عَامٌّ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الْمَبِيعِ، وَالثَّمَنِ وَأَمَّا عَلَى أَصْلِنَا فَالْمَبِيعُ، وَالثَّمَنُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَبَايِنَةِ فِي الْأَصْلِ يَقَعَانِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَوْضِعِهِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ مِمَّنْ عَلَيْهِ صَارَ مَخْصُوصًا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ.

(وَأَمَّا) بَيْعُ هَذِهِ الدُّيُونِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ، وَالشِّرَاءُ بِهَا مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ فَيُنْظَرُ: إنْ أَضَافَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ إلَى الدَّيْنِ لَمْ يَجُزْ بِأَنْ يَقُولَ لِغَيْرِهِ: بِعْت مِنْك الدَّيْنَ الَّذِي فِي ذِمَّةِ فُلَانٍ بِكَذَا، أَوْ يَقُولَ: اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الشَّيْءَ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّةِ فُلَانٍ؛ لِأَنَّ مَا فِي ذِمَّةِ فُلَانٍ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ فِي حَقِّهِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطُ انْعِقَادِ الْعَقْدِ عَلَى مَا مَرَّ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ بِالدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ مَا فِي ذِمَّتِهِ مُسَلَّمٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُضِفْ الْعَقْدَ إلَى الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ جَازَ، وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنِ دَيْنٍ، وَلَمْ يُضِفْ الْعَقْدَ إلَى الدَّيْنِ حَتَّى جَازَ، ثُمَّ أَحَالَ الْبَائِعُ عَلَى غَرِيمِهِ بِدَيْنِهِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ جَازَتْ الْحَوَالَةُ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي أُحِيلَ بِهِ دَيْنًا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ لَا يَجُوزُ كَالسَّلَمِ وَنَحْوِهِ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِدَيْنٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ بِقَبْضِ الدَّيْنِ فَإِنَّ الْمُحَالَ لَهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ لِلْمُحِيلِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ الْمُحْتَالِ لَهُ.

وَالتَّوْكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ جَائِزٌ أَيُّ دَيْنٍ كَانَ، وَيَكُونُ قَبْضُ وَكِيلِهِ كَقَبْضِ مُوَكِّلِهِ، وَلَوْ بَاعَ هَذَا الدَّيْنَ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ جَازَ بِأَنْ اشْتَرَى مِنْهُ شَيْئًا بِعَيْنِهِ بِدَيْنِهِ الَّذِي لَهُ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا هُوَ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ عِنْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>