عَلَيْهِ لَكِنْ بِثَلَاثِ قَعَدَاتٍ فَيَقْعُدُ، عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ وَهُوَ قَوْلُ بِشْرٍ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَتْرُوكَةُ فَجْرًا لَجَازَتْ لِقُعُودِهِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَالثَّانِي يَكُونُ تَطَوُّعًا، وَلَوْ كَانَتْ الْمَغْرِبَ لَجَازَتْ لِقُعُودِهِ عَلَى ثَلَاثٍ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ كَانَتْ كُلُّهَا فَرْضًا وَخَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ، إلَّا أَنَّ مَا قُلْنَاهُ أَحْوَطُ؛ لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ صَلَاةٌ أُخْرَى كَانَ تَرَكَهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَلَوْ نَوَى مَا عَلَيْهِ يَنْصَرِفُ إلَى تِلْكَ الصَّلَاةِ أَوْ يَقَعُ التَّعَارُضُ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى هَذِهِ الَّتِي يُصَلِّي، فَيُعِيدُ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِيَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا عَلَيْهِ بِيَقِينٍ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ صُلْبِ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَلَمْ يَدْرِ أَيَّةَ صَلَاةٍ هِيَ - يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ خَمْسِ صَلَوَاتٍ لِأَنَّهَا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، فَصَارَ الشَّكُّ فِيهَا كَالشَّكِّ فِي الصَّلَاةِ.
(وَأَمَّا) بَيَانُ مَا يَسْقُطُ بِهِ التَّرْتِيبُ فَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ وَأَدَاءِ الْوَقْتِيَّةِ يَسْقُطُ بِأَحَدِ خِصَالٍ ثَلَاثٍ: أَحَدُهَا - ضِيقُ الْوَقْتِ بِأَنْ يَذْكُرَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْفَائِتَةِ يَخْرُجُ الْوَقْتُ قَبْلَ أَدَاءِ الْوَقْتِيَّةِ، سَقَطَ عَنْهُ التَّرْتِيبُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ فِي مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِيهَا إبْطَالُ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ الْمَقْطُوعِ بِهِ بِدَلِيلٍ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ تَذَّكَّر صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ بَعْدَ مَا تَغَيَّرَتْ الشَّمْسُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَلَا يُجْزِئُهُ قَضَاءُ الظُّهْرِ، لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ قَضَاءَ الصَّلَاةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ قَضَاءُ الْكَامِلِ بِالنَّاقِصِ، بِخِلَافِ عَصْرِ يَوْمِهِ.
وَأَمَّا إذَا تَذَكَّرَهَا قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ لَكِنَّهُ بِحَالٍ لَوْ اشْتَغَلَ بِقَضَائِهَا لَدَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ - لَمْ يُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ الْعَصْرَ قَبْلَ أَنْ يُرَاعِيَ التَّرْتِيبَ فَيَقْضِيَ الظُّهْرَ ثُمَّ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ خُرُوجَ الْوَقْتِ، فَلَمْ يَتَضَيَّقِ الْوَقْتُ فَبَقِيَ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا.
بَلْ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ فَيُصَلِّي الْعَصْرَ قَبْلَ الظُّهْرِ ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ وَقَالَ: هَذَا عِنْدِي عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ تَذَكَّرَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْفَجْرَ وَلَوْ اشْتَغَلَ بِالْفَجْرِ يَخَافُ فَوْتَ الْجُمُعَةِ، وَلَا يَخَافُ فَوْتَ الْوَقْتِ: عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُصَلِّي الْفَجْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ، فَلَمْ يَجْعَلَا فَوْتَ الْجُمُعَةِ عُذْرًا فِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ ثُمَّ الْفَجْرَ، فَجَعَلَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ عُذْرًا فِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ، فَكَذَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، عَلَى قَوْلِهِمَا يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْعَصْرُ وَعَلَيْهِ الظُّهْرُ فَيُصَلِّيَ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ.
وَلَوْ افْتَتَحَ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ وَأَطَالَ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ شُرُوعَهُ فِي الْعَصْرِ مَعَ تَرْكِ الظُّهْرِ لَمْ يَصِحَّ، فَيَقْطَعُ ثُمَّ يَفْتَتِحُهَا ثَانِيًا ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ.
وَلَوْ افْتَتَحَهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ حَتَّى دَخَلَ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ ثُمَّ تَذَكَّرَ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ لِلتَّرْتِيبِ قَدْ وُجِدَ عِنْد افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَاخْتِتَامِهَا، وَهُوَ النِّسْيَانُ وَضِيقُ الْوَقْتِ وَلَوْ افْتَتَحَ الْعَصْرَ فِي حَالِ ضِيقِ الْوَقْتِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ فَلَمَّا صَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ غَرَبَتْ الشَّمْسُ - الْقِيَاسُ أَنْ يَفْسُدَ الْعَصْرُ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ قَدْ زَالَ وَهُوَ ضِيقُ الْوَقْتِ فَعَادَ التَّرْتِيبُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَمْضِي فِيهَا ثُمَّ يَقْضِي الظُّهْرَ ثُمَّ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ذَكَرَهُ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ.
(وَالثَّانِي) - النِّسْيَانُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ جَعَلَ وَقْتَ التَّذَكُّرِ وَقْتًا لِلْفَائِتَةِ، وَلَا تَذَكُّرَ هَهُنَا، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالدَّلِيلِ الْمَقْطُوعِ بِهِ.
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ «صَلَّى الْمَغْرِبَ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ: رَآنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ صَلَّيْتُ الْعَصْرَ؟ فَقَالُوا: لَا فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُعِدْ الْمَغْرِبَ» ، وَلَوْ وَجَبَ التَّرْتِيبُ لَأَعَادَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَصَلَّى الْعَصْرَ بِوُضُوءٍ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِمَا صَنَعَ فَأَعَادَ الظُّهْرَ وَلَمْ يُعِدْ الْعَصْرَ، وَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْعَصْرَ تُجْزِئُهُ أَعَادَ الْعَصْرَ وَلَمْ يُعِدْ الْمَغْرِبَ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الظُّهْرِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَالِامْتِنَاعَ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ فَوَاتِ شَرْطِ أَهْلِيَّةِ الصَّلَاةِ، فَحِينَ صَلَّى الْعَصْرَ صَلَّى وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الظُّهْرَ غَيْرُ جَائِزَةٍ.
وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَكَانَ يَظُنُّ أَنَّهَا جَائِزَةٌ لَمْ يَكُنْ هَذَا الظَّنُّ مُعْتَبَرًا؛ لِأَنَّهُ نَشَأَ عَنْ جَهْلٍ، وَالظَّنُّ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا نَشَأَ عَنْ دَلِيلٍ أَوْ شُبْهَةِ دَلِيلٍ، وَلَمْ يُوجَدْ فَكَانَ هَذَا جَهْلًا مَحْضًا، فَقَدْ صَلَّى الْعَصْرَ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ فَكَانَ مُصَلِّيًا الْعَصْرَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَلَمْ يَجُزْ، وَلَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ إعَادَتِهِمَا جَمِيعًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ فَصَارَ الْمَغْرِبُ فِي، وَقْتِ الظُّهْرِ فَلَمْ يَجُزْ فَأَمَّا لَوْ كَانَ أَعَادَ الظُّهْرَ وَلَمْ يُعِدْ الْعَصْرَ فَظَنَّ جَوَازَهَا ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ - فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الْعَصْرِ وَلَا يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّ ظَنَّهُ أَنَّ عَصْرَهُ جَائِزٌ ظَنٌّ مُعْتَبَرٌ؛ لِأَنَّهُ نَشَأَ عَنْ شُبْهَةِ دَلِيلٍ، وَلِهَذَا خَفِيَ عَلَى الشَّافِعِيِّ فَحِين