للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَدَّ مِثْلَهُ وَلَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ رَدُّ عَيْنِ الدِّينَارِ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا فِي الْعَقْدِ، فَلَا يَكُونُ مُتَعَيِّنًا فِي الْفَسْخِ، وَالِاعْتِبَارُ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ ظَهَرَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُجِزْ الْمُسْتَحِقُّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بَاطِلًا مِنْ حِينِ وُجُودِهِ وَهُنَاكَ الْعَقْدُ وَقَعَ صَحِيحًا وَإِنَّمَا بَطَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِعَارِضٍ طَرَأَ عَلَيْهِ بَعْدَ الصِّحَّةِ فَلَا يَظْهَرُ بُطْلَانُهُ مِنْ الْأَصْلِ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا أَخَذُوا بِقَوْلِ عِيسَى وَنَصَرُوهُ وَحَمَلُوا جَوَابَ الْكِتَابِ عَلَى مَا إذَا اخْتَارَ قَابِضُ الدِّينَارِ رَدَّ عَيْنِ الدِّينَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا وُجِدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا أَوْ زُيُوفًا أَوْ سُتُّوقًا، فَأَمَّا إذَا وُجِدَ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ فَفِي الِاسْتِحْقَاقِ إذَا لَمْ يُجِزْ الْمُسْتَحِقُّ يُنْقَصُ الْعَقْدُ بِقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ، سَوَاءٌ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ انْتَقَصَ فِيهِ بِقَدْرِهِ، وَكَذَا فِي السَّتُّوقِ، وَالرَّصَاصِ فَبَطَلَ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا بِالْإِجْمَاعِ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا هَذَا فِي الصَّرْفِ غَيْرَ أَنَّ هُنَاكَ قَابِضَ السَّتُّوقَةِ يَصِيرُ شَرِيكًا لِقَابِضِ الدِّينَارِ فِي الدِّينَارِ الَّذِي دَفَعَهُ بَدَلًا عَنْ الدَّرَاهِمِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَعَلَى قَوْلِ عِيسَى: قَابِضُ الدِّينَارِ بِالْخِيَارِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

وَأَمَّا فِي الزُّيُوفِ، وَالنَّبَهْرَجَةِ فَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُنْقَصَ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ إذَا لَمْ يَتَجَوَّزْ، وَرَدَّهُ - اسْتَبْدَلَ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ أَوْ لَا - وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ قَبْضَ الْمَرْدُودِ لَمْ يَصِحَّ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الِافْتِرَاقَ حَصَلَ لَا عَنْ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ فِي قَدْرِ الْمَرْدُودِ فَيَبْطُلُ السَّلَمُ بِقَدْرِهِ، إلَّا أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ فِي الْقَلِيلِ، وَقَالَ: إنْ كَانَ قَلِيلًا فَرَدَّهُ وَاسْتَبْدَلَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَالْعَقْدُ مَاضٍ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِقَدْرِ الْمَرْدُودِ؛ لِأَنَّ الزِّيَافَةَ فِي الْقَلِيلِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَخْلُو عَنْ ذَلِكَ فَكَانَتْ مُلْحَقَةً بِالْعَدَمِ، بِخِلَافِ الْكَثِيرِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مَعَ اتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنَّ الثُّلُثَ قَلِيلٌ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ يَكُونُ كَثِيرًا، وَفِي رِوَايَةٍ النِّصْفِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ الزَّائِدُ عَلَى النِّصْفِ، وَكَذَا هَذَا فِي الصَّرْفِ غَيْرَ أَنَّ هُنَاكَ إذَا كَثُرَتْ الزُّيُوفُ فَرَدَّ حَتَّى بَطَلَ الْعَقْدُ فِي قَدْرِ الْمَرْدُودِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ شَرِيكًا لِقَابِضِ الدِّينَارِ فَيَسْتَرِدُّ مِنْهُ عَيْنَهُ.

وَعَلَى قَوْلِ عِيسَى: قَابِضُ الدِّينَارِ بِالْخِيَارِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ كَانَ تَصَرَّفَ فِيهِ أَوْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا يُفْسَخُ عَلَيْهِ تَصَرُّفُهُ وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَلَى مَا مَرَّ، وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْتَهُ فِي السَّلَمِ وَالصَّرْفِ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي عَقْدٍ تَتَعَلَّقُ صِحَّتُهُ بِالْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ مِمَّا سِوَى الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ كَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ دَنَانِيرُ فَصَالَحَ مِنْهَا عَلَى دَرَاهِمَ، أَوْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ مَكِيلٌ، أَوْ مَوْزُونٌ مَوْصُوفٌ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ غَيْرُهُمَا مِمَّا يَثْبُتُ مِثْلُهُ فِي الذِّمَّةِ دَيْنًا فَصَالَحَ مِنْهَا عَلَى دَرَاهِمَ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ مِمَّا يَكُونُ قَبْضُ الدَّرَاهِمِ فِيهِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْمَجْلِسِ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، فَقَبَضَ الدَّرَاهِمَ، ثُمَّ وَجَدَهَا مُسْتَحَقَّةً، أَوْ زُيُوفًا، أَوْ نَبَهْرَجَةً، أَوْ سَتُّوقَةً، أَوْ رَصَاصًا كُلَّهَا، أَوْ بَعْضَهَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، أَوْ بَعْدَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَعَلَى هَذَا تَخْرُجُ مُقَاصَّةُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بِدَيْنٍ آخَرَ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِأَنْ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُ رَأْسِ الْمَالِ أَنَّهُ هَلْ يَصِيرُ رَأْسُ الْمَالِ قِصَاصًا بِذَلِكَ الدَّيْنِ أَمْ لَا؟ فَهَذَا لَا يَخْلُو إمَّا إنْ وَجَبَ دَيْنٌ آخَرُ بِالْعَقْدِ.

وَإِمَّا إنْ وَجَبَ بِعَقْدٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى عَقْدِ السَّلَمِ، وَإِمَّا إنْ وَجَبَ بِعَقْدٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ، فَإِنْ وَجَبَ بِعَقْدٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى السَّلَمِ بِأَنْ كَانَ رَبُّ السَّلَمِ بَاعَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْعَشَرَةَ حَتَّى أَسْلَمَ إلَيْهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ، فَإِنْ جَعَلَا الدَّيْنَيْنِ قِصَاصًا، أَوْ تَرَاضَيَا بِالْمُقَاصَّةِ يَصِيرُ قِصَاصًا، وَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا لَا يَصِيرُ قِصَاصًا وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِيرَ قِصَاصًا كَيْفَ مَا كَانَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ: أَنَّ قَبْضَ رَأْسِ الْمَالِ شَرْطٌ، وَالْحَاصِلُ بِالْمُقَاصَّةِ لَيْسَ بِقَبْضٍ حَقِيقَةً فَكَانَ الِافْتِرَاقُ حَاصِلًا لَا عَنْ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ فَبَطَلَ السَّلَمُ.

(وَلَنَا) أَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِلْقَبْضِ حَقِيقَةً لَوْلَا الْمُقَاصَّةُ، فَإِذَا تَقَاصَّا تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ مُوجِبًا قَبْضًا بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ، وَقَدْ وُجِدَ.

وَنَظِيرُهُ مَا قُلْنَا فِي الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا وَتَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ بِالزِّيَادَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَعَلَى الزِّيَادَةِ جَمِيعًا كَذَا هَذَا، وَإِنْ وَجَبَ بِعَقْدٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ السَّلَمِ لَا يَصِيرُ قِصَاصًا وَإِنْ جَعَلَاهُ قِصَاصًا، إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ شَاذَّةً؛ لِأَنَّ بِالْمُقَاصَّةِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ مُوجِبًا قَبْضًا بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ مِنْ حِينِ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقَاصَّةَ تَسْتَدْعِي قِيَامَ دَيْنَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ عَقْدِ السَّلَمِ، إلَّا دَيْنٌ وَاحِدٌ فَانْعَقَدَ مُوجِبًا حَقِيقَةَ الْقَبْضِ وَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِالْمُقَاصَّةِ.

هَذَا إذَا وَجَبَ الدَّيْنُ بِالْعَقْدِ، فَأَمَّا إذَا وَجَبَ بِالْقَبْضِ كَالْغَصْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>