للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرِفْعَتَهُ وَطُولَهُ وَعَرْضَهُ يَتَقَارَبُ التَّفَاوُتُ فَيَلْحَقُ بِالْمِثْلِ فِي بَابِ السَّلَمِ شَرْعًا لِحَاجَةِ النَّاسِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِلْحَاقِ بِالْمِثْلِ فِي بَابِ الِاسْتِهْلَاكِ مَعَ مَا أَنَّ هَذَا الِاعْتِبَارَ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُحْتَمَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ مِنْ التَّفَاوُتِ الْيَسِيرِ مَا لَا يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فِي الْإِتْلَافَاتِ فَإِنَّ الْأَبَ إذَا بَاعَ مَالَ وَلَدِهِ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ جَازَ وَلَا يَضْمَنُ، وَلَوْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ مَالِهِ يَضْمَنُ فَلَا يَسْتَقِيمُ الِاسْتِبْدَالُ.

هَذَا إذَا أَسْلَمَ فِي ثَوْبِ الْكِرْبَاسِ أَوْ الْكَتَّانِ، فَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ فِي ثَوْبِ الْحَرِيرِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ الْوَزْنِ بَعْدَ بَيَانِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالرِّفْعَةِ وَالطُّولِ وَالْعَرْضِ؟ إنْ كَانَ مِمَّا تَخْتَلِفُ قِيمَتُهُ بِاخْتِلَافِ وَزْنِهِ مِنْ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ بَعْدَ التَّسَاوِي فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالرِّفْعَةِ وَالطُّولِ وَالْعَرْضِ يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ بَعْدَ بَيَانِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَبْقَى جَهَالَتُهُ مُفْضِيَةً إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْوَزْنِ فِيهِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَالْجَوَاهِرِ، وَاللَّآلِئِ، وَالْجَوْزِ، وَالْجُلُودِ، وَالْأُدُمِ، وَالرُّءُوسِ، وَالْأَكَارِعِ، وَالْبِطِّيخِ، وَالْقِثَّاءِ، وَالرُّمَّانِ، وَالسَّفَرْجَلِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا بِالْوَصْفِ إذْ يَبْقَى بَعْدَ بَيَانِ جِنْسِهَا وَنَوْعِهَا وَصِفَتِهَا وَقَدْرِهَا جَهَالَةٌ فَاحِشَةٌ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ لِتَفَاوُتٍ فَاحِشٍ بَيْنَ جَوْهَرٍ وَجَوْهَرٍ، وَلُؤْلُؤٍ وَلُؤْلُؤٍ، وَحَيَوَانٍ وَحَيَوَانٍ، وَكَذَا بَيْنَ جِلْدٍ وَجِلْدٍ، وَرَأْسٍ وَرَأْسٍ فِي الصِّغَرِ، وَالْكِبْرِ، وَالسِّمَنِ، وَالْهُزَالِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ: أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ هُنَا جَهَالَةُ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَقَدْ زَالَتْ بِبَيَانِ الْجِنْسِ، وَالنَّوْعِ، وَالصِّفَةِ، وَالسِّنِّ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ مَعْلُومُ الْجِنْسَ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ فَكَانَ مَضْبُوطَ الْوَصْفِ، وَالتَّفَاوُتُ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ، وَلِهَذَا وَجَبَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي النِّكَاحِ فَأَشْبَهَ الثِّيَابَ.

(وَلَنَا) أَنَّ بَعْدَ بَيَانِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَبْقَى بَيْنَ فَرَسٍ وَفَرَسٍ تَفَاوُتٌ فَاحِشٌ فِي الْمَالِيَّةِ فَتَبْقَى جَهَالَةٌ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَإِنَّهَا مَانِعَةٌ صِحَّةَ الْعَقْدِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُجُوهِ فِيمَا قَبْلُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ «نَهَى عَنْ السَّلَفِ فِي الْحَيَوَانِ» ، وَالسَّلَفُ وَالسَّلَمُ وَاحِدٌ فِي اللُّغَةِ، وَالِاعْتِبَارُ بِالنِّكَاحِ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَمَّلُ جَهَالَةً لَا يَتَحَمَّلُهَا الْبَيْعُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْبَدَلِ وَبِبَدَلٍ مَجْهُولٍ، وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، إلَّا بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ فَلَا يَسْتَقِيمُ الِاسْتِدْلَال وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي التِّبْنِ أَحْمَالًا أَوْ أَوْقَارًا؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْحِمْل وَالْحِمْلِ، وَالْوِقْرِ وَالْوِقْرِ مِمَّا يَفْحُشُ، إلَّا إذَا أَسْلَمَ فِيهِ بِقَبَّانٍ مَعْلُومٍ مِنْ قَبَابِينَ التُّجَّارِ فَلَا يَخْتَلِفُ فَيَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحَطَبِ حُزَمًا وَلَا أَوْقَارًا لِلتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ بَيْنَ حُزْمَةٍ وَحُزْمَةٍ، وَوِقْرٍ وَوِقْرٍ، وَكَذَا فِي الْقَصَبِ، وَالْحَشِيشِ، وَالْعِيدَانِ، إلَّا إذَا وَصَفَهُ بِوَصْفٍ يُعْرَفُ وَيَتَقَارَبُ التَّفَاوُتُ فَيَجُوزُ، وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّبِنِ، وَالْآجُرِّ إذَا سَمَّى مَلْبَنًا مَعْلُومًا لَا يَخْتَلِفُ وَلَا يَتَفَاوَتُ إلَّا يَسِيرًا.

وَكَذَا فِي الطَّوَابِيقِ إذَا وَصَفَهَا بِوَصْفٍ يُعْرَفُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى بَعْدَ الْوَصْفِ جَهَالَةٌ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لِلْجَهَالَةِ، فَإِذَا صَارَ مَعْلُومًا بِالْوَصْفِ جَازَ، وَكَذَا فِي طَشْتٍ أَوْ قُمْقُمَةٍ أَوْ خُفَّيْنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ إنْ كَانَ يُعْرَفُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ حَقِيقَةً، وَالدَّيْنُ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحْصُلُ تَمَامُ مَعْرِفَتِهِ بِالْوَصْفِ بِأَنْ لَمْ تَبْقَ فِيهِ جَهَالَةٌ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ جَازَ السَّلَمُ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ اسْتَصْنَعَ رَجُلٌ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَجَلٍ جَازَ اسْتِحْسَانًا.

وَالْكَلَامُ فِي الِاسْتِصْنَاعِ فِي مَوَاضِعَ: فِي بَيَانِ جَوَازِهِ أَنَّهُ جَائِزٌ أَمْ لَا؟ وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ جَوَازِهِ، وَفِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ جَوَازِهِ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِهِ.

(أَمَّا) الْأَوَّلُ: فَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَ الِاسْتِصْنَاعِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ كَالسَّلَمِ بَلْ هُوَ أَبْعَدُ جَوَازًا مِنْ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ تَحْتَمِلُهُ الذِّمَّةُ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ حَقِيقَةً، وَالْمُسْتَصْنَعُ عَيْنٌ تُوجَدُ فِي الثَّانِي، وَالْأَعْيَانُ لَا تَحْتَمِلُهَا الذِّمَّةُ فَكَانَ جَوَازُ هَذَا الْعَقْدِ أَبْعَدَ عَنْ الْقِيَاسِ عَنْ السَّلَمِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ جَازَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ تَعَامَلُوهُ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى الْجَوَازِ فَيُتْرَكُ الْقِيَاسُ، ثُمَّ هُوَ بَيْعٌ عِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عِدَّةٌ وَلَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فِي جَوَازِهِ، وَذِكْرُ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ لَا يَلِيقُ بِالْعِدَّاتِ، وَكَذَا ثَبَتَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِلْمُسْتَصْنِعِ وَإِنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ الْبُيُوعِ، وَكَذَا مِنْ شَرْطِ جَوَازِهِ أَنْ يَكُونَ فِيمَا لِلنَّاسِ فِيهِ تَعَامُلٌ، وَالْعِدَّاتُ لَا يَتَقَيَّدُ جَوَازُهَا بِهَذِهِ الشَّرَائِطِ فَدَلَّ أَنَّ جَوَازَهُ جَوَازُ الْبِيَاعَاتِ لَا جَوَازُ الْعِدَّاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَأَمَّا) شَرَائِطُ جَوَازِهِ.

(فَمِنْهَا) بَيَانُ جِنْسِ الْمُسْتَصْنَعِ وَنَوْعِهِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، وَالْعِلْمُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِأَشْيَاءَ.

(مِنْهَا) أَنْ يَكُونَ مَا لِلنَّاسِ فِيهِ تَعَامُلٌ كَالْقَلَنْسُوَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>