للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالشَّحْمِ وَزْنًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ بِالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ إلَّا يَسِيرًا بِخِلَافِ اللَّحْمِ، فَإِنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ غَيْرِ السَّمِينِ وَالسَّمِينِ، وَالْمَهْزُولِ وَغَيْرِ الْمَهْزُولِ تَفَاوُتٌ فَاحِشٌ.

(وَأَمَّا) السَّلَمُ فِي السَّمَكِ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْأَصْلِ فِي ذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الصِّغَارِ مِنْهُ كَيْلًا وَوَزْنًا، مَالِحًا كَانَ أَوَطَرِيًّا بَعْدَ أَنْ كَانَ فِي حَيِّزِهِ؛ لِأَنَّ الصِّغَارَ مِنْهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ اخْتِلَافُ السِّمَنِ وَالْهُزَالِ وَلَا اخْتِلَافُ الْعَظْمِ بِخِلَافِ اللَّحْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْكِبَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ طَرِيًّا كَانَ أَوْ مَالِحًا كَالسَّلَمِ فِي اللَّحْمِ لِاخْتِلَافِهَا بِالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ كَاللَّحْمِ، وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ كَيْفَ مَا كَانَ وَزْنًا؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ سَمِينِهِ وَمَهْزُولِهِ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا عَادَةً لِقِلَّتِهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ اللَّحْمِ عِنْدَهُمَا، وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ بَيَانَ الْمَوْضِعِ مِنْ اللَّحْمِ شَرْطُ الْجَوَازِ عِنْدَهُمَا، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي السَّمَكِ فَأَشْبَهَ السَّلَمَ فِي الْمَسَالِيخِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَأَمَّا) السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ عَدَدًا فَلَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِتَفَاوُتٍ فَاحِشٍ بَيْنَ خُبْزٍ وَخُبْزٍ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ.

(وَأَمَّا) وَزْنًا فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ السَّلَمَ فِي الْخُبْزِ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمْ لِتَفَاوُتٍ فَاحِشٍ بَيْنَ خُبْزٍ وَخُبْزٍ فِي الْخَبْزِ وَالْخِفَّةِ وَالثِّقَلِ فَتَبْقَى جَهَالَةٌ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ وَلِأَنَّ جَوَازَ السَّلَمِ ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِتَعَامُلِ النَّاسِ، وَلَا تَعَامُلَ فِي الْخُبْزِ، وَذَكَرَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ.

(وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إلَى وَقْتِ الْأَجَلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ عِنْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِ، أَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِيهِمَا لَكِنَّهُ انْقَطَعَ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ كَالثِّمَارِ وَالْفَوَاكِهِ وَاللَّبَنِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ، وَهَذَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : الشَّرْطُ وُجُودُهُ عِنْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِ لَا غَيْرَ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ: إنَّ اعْتِبَارَ هَذَا الشَّرْطِ - وَهُوَ الْوُجُودُ - لَيْسَ لِعَيْنِهِ بَلْ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ وَذَلِكَ عِنْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَالْوُجُودُ فِيهِ وَالْعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَنَظِيرُ هَذَا فِي الْعَقْلِيَّاتِ مَا قُلْنَا فِي اسْتِطَاعَةِ الْفِعْلِ أَنَّهَا مَعَ الْفِعْلِ لَا تَتَقَدَّمُهُ؛ لِأَنَّ وُجُودَهَا لِلْفِعْلِ فَيَجِبُ وُجُودُهَا عِنْدَ الْفِعْلِ لَا سَابِقًا عَلَيْهِ كَذَا هَذَا.

(وَلَنَا) أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ ثَابِتَةٌ لِلْحَالِ، وَفِي وُجُودِهَا عِنْدَ الْمَحَلِّ شَكٌّ لِاحْتِمَالِ الْهَلَاكِ، فَإِنْ بَقِيَ حَيًّا إلَى وَقْتِ الْمَحِلِّ ثَبَتَتْ الْقُدْرَةُ، وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا تَثْبُتُ، وَالْقُدْرَةُ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِهَا فَلَا تَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ، وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ وَدَامَ وُجُودُهُ إلَى مَحَلِّ الْأَجَلِ فَحَلَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ لَا يَنْفَسِخُ السَّلَمُ بَلْ هُوَ عَلَى حَالِهِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ وَقَعَ صَحِيحًا لِثُبُوتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ لِكَوْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ وَدَامَ وُجُودُهُ إلَى مَحَلِّ الْأَجَلِ، إلَّا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ لِلْحَالِ لِعَارِضِ الِانْقِطَاعِ مَعَ عَرَضِيَّةِ حُدُوثِ الْقُدْرَةِ ظَاهِرًا بِالْوُجُودِ فَكَانَ فِي بَقَاءِ الْعَقْدِ فَائِدَةٌ، وَالْعَقْدُ إذَا انْعَقَدَ صَحِيحًا يَبْقَى لِفَائِدَةٍ مُحْتَمَلَةِ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ عَلَى السَّوَاءِ كَبَيْعِ الْآبِقِ إذَا أَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَأَنْ يَبْقَى لِفَائِدَةِ عَوْدِ الْقُدْرَةِ فِي الثَّانِي ظَاهِرًا أَوْلَى، لَكِنْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِرَبِّ السَّلَمِ، إنْ شَاءَ فَسَخ الْعَقْدَ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ وُجُودَهُ؛ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ تَغَيُّرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَنَّهُ يُوجِبُ الْخِيَارَ.

وَلَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ حَدِيثَةٍ قَبْلَ حُدُوثِهَا لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ فِي الْمُنْقَطِعِ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا أَسْلَمَ فِي حِنْطَةِ مَوْضِعٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُ طَعَامِهِ جَازَ السَّلَمُ فِيهِ كَمَا إذَا أَسْلَمَ فِي حِنْطَةِ خُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ أَوْ فَرْغَانَةَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا اسْمٌ لِوِلَايَةٍ فَلَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُ طَعَامِهَا، وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ فِي طَعَامِ بَلْدَةٍ كَبِيرَةٍ كَسَمَرْقَنْدَ وَبُخَارَى أَوْ كَاشَانَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَدُ طَعَامُ هَذِهِ الْبِلَادِ إلَّا عَلَى سَبِيلِ النُّدْرَةِ، وَالنَّادِرُ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ إلَّا فِي طَعَامِ وِلَايَةٍ؛ لِأَنَّ وَهْمَ الِانْقِطَاعِ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ ثَابِتٌ.

وَالسَّلَمُ عَقْدٌ جُوِّزَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِكَوْنِهِ بَيْعَ الْمَعْدُومِ فَتَجِبُ صِيَانَتُهُ عَنْ غَرَرِ الِانْقِطَاعِ مَا أَمْكَنَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَوْضِعَ الْمُضَافَ إلَيْهِ الطَّعَامُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْفَدُ طَعَامُهُ غَالِبًا: يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ وِلَايَةً أَوْ بَلْدَةً كَبِيرَةً؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ مُلْحَقٌ بِالْمُتَيَقَّنِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَنْقَطِعَ طَعَامُهُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ كَأَرْضٍ بِعَيْنِهَا أَوْ قَرْيَةٍ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا اُحْتُمِلَ الِانْقِطَاعُ لَا عَلَى سَبِيلِ النُّدْرَةِ لَا تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَفَالِيسِ، وَفِي ثُبُوتِ الْقُدْرَةِ عِنْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِ شَكٌّ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فَلَا تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ مَعَ الشَّكِّ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ شُعْبَةَ «لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُسْلِمَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ أُسْلِمُ إلَيْكَ فِي تَمْرِ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا فَقَالَ : أَمَّا فِي تَمْرِ نَخْلَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>