للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَخْلِيصُهَا مِنْ غَيْرٍ ضَرَرٍ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ الْبَيْعِ مَعَ فَسَادِ الصَّرْفِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ السَّيْفِ بِانْفِرَادِهِ؟ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الصَّرْفُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَخْلِيصُهَا إلَّا بِضَرَرٍ فَالْمَنْقُودُ يَقَعُ عَنْ ثَمَنِ الصَّرْفِ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ جَوَازَ الْبَيْعِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِجَوَازِ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ السَّيْفِ بِدُونِ الْحِلْيَةِ لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَخْلِيصُهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَإِنْ أَمْكَنَ تَخْلِيصُهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَيَجُوزَانِ جَمِيعًا وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ، وَكَذَلِكَ فِي السَّيْفِ الْمُحَلَّى إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْحِلْيَةِ فَإِنْ كَانَتْ حِلْيَةُ السَّيْفِ ذَهَبًا اشْتَرَاهُ مَعَ حِلْيَتِهِ بِفِضَّةٍ مُفْرَدَةٍ فَحُكْمُهُ وَحُكْمُ الْجِنْسِ سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا؛ لِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ الْقَبْضِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لَا يَخْتَلِفَانِ وَقَدْ ذَكَرْنَا جُمْلَةَ ذَلِكَ وَتَفْصِيلَهُ عَلَى الِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ.

وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ الْإِبْرَاءُ عَنْ بَدَلِ الصَّرْفِ وَهِبَتِهِ مِمَّنْ عَلَيْهِ، وَالتَّصَدُّقُ بِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ قَبُولِهِ وَإِنْ قَبِلَ انْتَقَضَ الصَّرْفُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ لَمْ يَصِحَّ وَيَبْقَى الصَّرْفُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْبَدَلِ مُسْتَحَقٌّ، وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ إسْقَاطُهُ، وَالدَّيْنُ بَعْدَمَا سَقَطَ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْضُهُ فَكَانَ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْبَدَلِ جَعْلُ الْبَدَلِ بِحَالٍ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْضُهُ، فَكَانَ فِي مَعْنَى الْفَسْخِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا كَصَرِيحِ الْفَسْخِ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ بَقِيَ عَقْدُ الصَّرْفِ عَلَى حَالِهِ فَيَتِمُّ بِالتَّقَابُضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِأَبْدَانِهِمَا، وَلَوْ أَبَى الْمُبْرِئُ أَوْ الْوَاهِبُ أَوْ الْمُتَصَدِّقُ أَنْ يَأْخُذَ مَا أَبْرَأَ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْقَبْضِ يُرِيدُ فَسْخَ الْعَقْدِ، وَأَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ.

وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ الِاسْتِبْدَالُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَالصَّرْفُ عَلَى حَالِهِ يُقْبَضُ الْبَدَلُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَيَتِمُّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْبَدَلِ شَرْطُ بَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى الصِّحَّةِ، وَبِالِاسْتِبْدَالِ يَفُوتُ قَبْضُهُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ يُقْبَضُ بَدَلُهُ وَبَدَلُهُ غَيْرُهُ، وَقَالَ زُفَرُ: إنَّ الِاسْتِبْدَالَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَقَعُ بِعَيْنِ مَا فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْيِينَ بِلَا خِلَافٍ فَكَانَ مُشْتَرِيًا بِمِثْلِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَيَجِبُ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي دَرَاهِمُ مِثْلُ مَا فِي ذِمَّتِهِ فِي النَّوْعِ وَالصِّفَةِ فَلَا يَفُوتُ قَبْضُ الْبَدَلِ بِالِاسْتِبْدَالِ بَلْ يَصِيرُ قَابِضًا بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ فَيَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ.

(وَالْجَوَابُ) عَنْهُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ وَلَكِنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ وَقَبْضُهَا وَاجِبٌ، وَبِالْمُقَاصَّةِ يَفُوتُ الْقَبْضُ حَقِيقَةً، فَلَمْ تَصِحَّ الْمُقَاصَّةُ فَبَقِيَ الشِّرَاءُ بِهَا إسْقَاطًا لِلْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ حَقًّا لِلشَّرْعِ فَلَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ وَبَقِيَ الصَّرْفُ صَحِيحًا مَوْقُوفًا بَقَاؤُهُ عَلَى الصِّحَّةِ عَلَى الْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ صَاحِبُهُ دَرَاهِمَ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ مِنْ حَقِّهِ فَرَضِيَ بِهِ، وَالْمَقْبُوضُ مِمَّا يَجْرِي مَجْرَى الدَّرَاهِمِ الْوَاجِبَةِ بِالْعَقْدِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ بَيْنَ النَّاسِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مِنْ جِنْسِهِ أَصْلًا وَإِنَّمَا يُخَالِفُهُ فِي الْوَصْفُ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فَكَانَ اسْتِيفَاءً لَا اسْتِبْدَالًا.

وَتَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ إذَا كَانَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ حَاضِرًا وَكَذَلِكَ الْكَفَالَةُ وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ بِهِ وَالصَّرْفُ عَلَى حَالِهِ فَإِنْ قَبَضَ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ الْكَفِيلِ أَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فِي الْمَجْلِسِ فَالصَّرْفُ مَاضٍ عَلَى الصِّحَّةِ، وَإِنْ افْتَرَقَ الْمُتَصَارِفَانِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَلَكَ الرَّهْنُ بَطَلَ الصَّرْفُ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ، وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ فِي السَّلَمِ.

وَالْعِبْرَةُ لِبَقَاءِ الْعَاقِدَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ وَافْتِرَاقِهِمَا عَنْهُ لَا لِبَقَاءِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَالْكَفِيلِ وَافْتِرَاقِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَبْضَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدَيْنِ فَيُعْتَبَرُ مَجْلِسُهُمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ رَجُلًا أَنْ يَنْقُدَ عَنْهُ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُ الْمُوَكِّلَيْنِ بَقَاءً وَافْتِرَاقًا لَا مَجْلِسُ الْوَكِيلِ لِمَا قُلْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَعَلَى هَذَا تَخْرُجُ الْمُقَاصَّةُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ إذَا وَجَبَ الدَّيْنُ بِعَقْدٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ عَقْدِ الصَّرْفِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ قِصَاصًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَإِنْ تَرَاضَيَا بِذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرْنَا جُمْلَةَ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ وَتَفْصِيلَهُ فِي السَّلَمِ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا قَبَضَ بَدَلَ الصَّرْفِ ثُمَّ انْتَقَضَ بَدَلَ الصَّرْفِ ثُمَّ انْتَقَضَ الْقَبْضَ فِيهِ بِمَعْنًى أَوْجَبَ انْتِقَاضَهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا فِي السَّلَمِ.

ثُمَّ قَبْضُ الصَّرْفِ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا هُوَ شَرْطُ بَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى الصِّحَّةِ فَقَبْضُهُمَا فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ شَرْطُ بَقَاءِ الْإِقَالَةِ عَلَى الصِّحَّةِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ تَقَايَلَا الصَّرْفَ وَتَقَابَضَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ مَضَتْ الْإِقَالَةُ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ، أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ عَلَى أَصْلِهِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فَكَانَتْ مُصَارَفَةً مُبْتَدَأَةً فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ وَعَلَى أَصْلِهِمَا إنْ كَانَتْ فَسْخًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَهِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ.

وَاسْتِحْقَاقُ الْقَبْضِ حَقٌّ لِلشَّرْعِ، هَهُنَا ثَالِثٌ فَيُعْتَبَرُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ بِخِلَافِ السَّلَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>