للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَدَاءِ السَّادِسَةِ مِنْ الْمُؤَدَّيَاتِ الْتَحَقَتْ بِمَحَلِّهَا الْأَصْلِيِّ وَهُوَ وَقْتُهَا الْأَصْلِيُّ؛ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَحَلٍّ فَالْتِحَاقُهَا بِمَحَلِّهَا أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ لَا مُزَاحِمَ لَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ مُتَعَيَّنٌ لَهُ، وَلَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ مُزَاحِمٌ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ خَمْسِ صَلَوَاتٍ، وَلَيْسَ الْبَعْضُ فِي الْقَضَاءِ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ، فَالْتِحَاقُهَا بِوَقْتٍ لَا مُزَاحِمَ لَهَا فِيهِ أَوْلَى.

(وَالثَّانِي) - أَنَّ ذَلِكَ وَقْتُهُ بِالدَّلِيلِ الْمَقْطُوعِ بِهِ، وَهَذَا وَقْتُ غَيْرِهِ بِالدَّلِيلِ الْمَقْطُوعِ بِهِ، وَإِنَّمَا يُجْعَلُ وَقْتًا لَهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَيُرَجَّحُ ذَلِكَ عَلَى هَذَا فَالْتَحَقَتْ بِمَحَلِّهَا الْأَصْلِيِّ حُكْمًا، وَالثَّابِتُ حُكْمًا كَالثَّابِتِ حَقِيقَةً، وَإِذَا الْتَحَقَتْ بِمَحَلِّهَا الْأَصْلِيِّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْخَمْسَ الْمُؤَدَّيَاتِ أُدِّيَتْ فِي أَوْقَاتِهَا فَحُكِمَ بِجَوَازِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قُضِيَتْ الْمَتْرُوكَةُ قَبْلَ أَدَاءِ السَّادِسَةِ؛ لِأَنَّهَا قُضِيَتْ فِي وَقْتٍ هُوَ وَقْتُهَا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ أَوْجَبَ كَوْنَهُ وَقْتًا لَهَا، فَإِذَا قُضِيَتْ فِيمَا هُوَ وَقْتُهَا ظَاهِرًا تَتَقَرَّرُ فِيهِ وَلَا تَلْتَحِقُ بِمَحَلِّهَا الْأَصْلِيِّ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ الْمُؤَدَّيَاتِ الْخَمْسَ أُدِّيَتْ بَعْدَ الْفَائِتَةِ، بَلْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا أُدِّيَتْ قَبْلَ الْفَائِتَةِ لِاسْتِقْرَارِ الْفَائِتَةِ بِمَحَلِّ قَضَائِهَا وَعَدَمِ الْتِحَاقِهَا بِمَحَلِّهَا الْأَصْلِيِّ، فَحُكِمَ بِفَسَادِ الْمُؤَدَّيَاتِ، وَبِخِلَافِ حَالِ النِّسْيَانِ وَضِيقِ الْوَقْتِ إذَا أَدَّى الْوَقْتِيَّةَ ثُمَّ قَضَى الْفَائِتَةَ، حَيْثُ لَا تَجِبُ إعَادَةُ الْوَقْتِيَّةِ، وَلَوْ الْتَحَقَتْ الْفَائِتَةُ بِمَحِلِّهَا الْأَصْلِيِّ لَوَجَبَ إعَادَةُ الْوَقْتِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا حَصَلَتْ قَبْلَ وَقْتِ الْفَائِتَة؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْمُؤَدَّى حَصَلَ فِي وَقْتٍ هُوَ وَقْتٌ لَهَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ عَلَى مَا مَرَّ، فَأَدَاءُ الْفَائِتَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُ هَذَا الْوَقْتَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَقْتًا لِلْمُؤَدَّاةِ، فَتَقَرَّرَتْ الْمُؤَدَّاةُ فِي مَحَلِّهَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَالْتَحَقَتْ الْفَائِتَةُ فِي حَقِّ الْمُؤَدَّاةِ بِصَلَاةِ وَقْتِهَا بَعْدَ وَقْتِ الْمُؤَدَّاةِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي إفْسَادِ الْمُؤَدَّاةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَامَ الْمُصَلِّي وَقَرَأَ وَسَجَدَ ثُمَّ رَكَعَ حَيْثُ لَمْ يَلْتَحِقْ الرُّكُوعُ بِمَحَلِّهِ وَهُوَ قَبْلَ السُّجُودِ حَتَّى كَانَ لَا يَجِبُ إعَادَةُ السُّجُودِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَلْتَحِقْ حَتَّى يَجِبَ إعَادَةُ السُّجُودِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُجْعَلُ حَاصِلًا فِي مَحَلِّهِ أَنْ لَوْ وُجِدَ شَيْءٌ آخَرُ فِي مَحَلِّهِ بَعْدَهُ وَوَقَعَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مُعْتَبَرًا فِي نَفْسِهِ، فَإِذَا حَصَلَ هَذَا الْتَحَقَ بِمَحَلِّهِ، وَهُنَاكَ السُّجُودُ وَقَعَ قَبْلَ أَوَانِهِ فَمَا وَقَعَ مُعْتَبَرًا، فَلَغَا، فَبَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الرُّكُوعُ حَاصِلًا فِي مَحَلِّهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْصِيلِ السَّجْدَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَحَلِّهَا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

(وَقَالُوا) فِيمَنْ تَرَكَ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً مَجَانَةً ثُمَّ نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ وَاشْتَغَلَ بِأَدَاءِ الصَّلَوَاتِ فِي مَوَاقِيتِهَا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ شَيْئًا مِنْ الْفَوَائِتِ، فَتَرَكَ صَلَاةً ثُمَّ صَلَّى أُخْرَى وَهُوَ ذَاكِرٌ لِهَذِهِ الْفَائِتَةِ الْحَدِيثَةِ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَيَجْعَلُ الْفَوَائِتَ الْكَثِيرَةَ الْقَدِيمَةَ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ لِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ، وَتُضَمُّ هَذِهِ الْمَتْرُوكَةُ إلَى مَا مَضَى، إلَّا أَنَّ الْمَشَايِخَ اسْتَحْسَنُوا فَقَالُوا: إنَّهُ لَا يَجُوزُ احْتِيَاطًا زَجْرًا لِلسُّفَهَاءِ عَنْ التَّهَاوُنِ بِأَمْرِ الصَّلَاةِ، وَلِئَلَّا تَصِيرَ الْمَقْضِيَّةُ وَسِيلَةً إلَى التَّخْفِيفِ، ثُمَّ كَثْرَةُ الْفَوَائِتِ كَمَا تُسْقِطُ التَّرْتِيبَ فِي الْأَدَاءِ تُسْقِطُهُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا عَمِلَتْ فِي إسْقَاطِ التَّرْتِيبِ فِي غَيْرِهَا فَلَأَنْ تَعْمَلَ فِي نَفْسِهَا أَوْلَى، حَتَّى لَوْ قَضَى فَوَائِتَ الْفَجْرِ كُلَّهَا، ثُمَّ الظُّهْرَ كُلَّهَا، ثُمَّ الْعَصْرَ كُلَّهَا هَكَذَا - جَازَ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ تَرَكَ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَصَلَّى مِنْ الْغَدِ مَعَ كُلِّ صَلَاةِ صَلَاةً قَالَ: الْفَوَائِتُ كُلُّهَا جَائِزَةٌ سَوَاءٌ قَدَّمَهَا أَوْ أَخَّرَهَا.

وَأَمَّا الْوَقْتِيَّةُ فَإِنْ قَدَّمَهَا لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ مَتَى صَلَّى وَاحِدَةً مِنْهَا صَارَتْ الْفَوَائِتُ سِتًّا، لَكِنَّهُ مَتَى قَضَى فَائِتَةً بَعْدَهَا عَادَتْ خَمْسًا ثَمَّ، وَثَمَّ فَلَا تَعُودُ إلَى الْجَوَازِ، وَإِنْ أَخَّرَهَا لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا الْعِشَاءُ الْأَخِيرَةُ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا قَضَى فَائِتَةً عَادَتْ الْفَوَائِتُ أَرْبَعًا وَفَسَدَتْ الْوَقْتِيَّةُ، إلَّا الْعِشَاءُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا وَعِنْدَهُ أَنَّ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ قَدْ قَضَاهُ فَأَشْبَهَ النَّاسِي.

(وَأَمَّا) التَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ شَرْطٌ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ: إذَا أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ ثُمَّ نَامَ خَلْفَهُ أَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَسَبَقَهُ الْإِمَامُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ انْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ أَوْ عَادَ مِنْ وُضُوئِهِ - فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ مَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِهِ ثُمَّ يُتَابِعَ إمَامَهُ لِمَا يَذْكُرُ، وَلَوْ تَابَعَ إمَامَهُ أَوَّلًا ثُمَّ قَضَى مَا فَاتَهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ جَازَ عِنْدنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ إذَا زَحَمَهُ النَّاسُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَدَاءِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَبَقِيَ قَائِمًا، وَأَمْكَنَهُ أَدَاءُ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّي الْأُولَى، ثُمَّ قَضَى الْأُولَى بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يُجْزِئُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَذَكَّرَ سَجْدَةً فِي الرُّكُوعِ وَقَضَاهَا، أَوْ سَجْدَةً فِي السَّجْدَةِ وَقَضَاهَا - فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَ الرُّكُوعَ أَوْ السُّجُودَ الَّذِي هُوَ فِيهِمَا.

وَلَوْ اعْتَدَّ بِهِمَا وَلَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَدَّ بِهِمَا وَعَلَيْهِ إعَادَتُهُمَا.

(وَجْهُ) قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعَ وَقَعَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>